6

97 9 0
                                    

لم تكن فترة تدريبها طويلة، على عكس ما كان يتوقع... بل بضعة أيام فقط! أدهشت الجميع بسرعة بديهتها و ذكاءها. هذه الفتاة لا تكف عن مفاجأته...
مرت الأيام بسرعة وبدأت رياح الشتاء تنبيء بفصل بارد... لكن لا أحد منهما مهتم... كانت تشعر بالغرابة كونها الفتاة الوحيدة بين كل الفريق. لكن الإحترام والمهنية الفائقة جعلاها تشعر أنها بين عائلتها... وهو كان يراها الشمعة الوحيدة بثيابها الملونة وسط كل تلك الأروقة والمكاتب المظلمة... روحها تشع بكل المكان دون أن تدرك تأثير إبتسامتها عليه...
لقاءاتهما كانت مرتبطة فقط بالإجتماع الدوري مع فريق عمله... كل نهاية أسبوع كانت تلاحظ تجنبه النظر إليها... في حين كان هو يراقبها كامل الأسبوع، ويخجل من حتى من إستراق النظر إليها وسط كل الأشباح المجتمعين على طاولته...
إندماجها بهذه السرعة أكسبها طاقة إضافية لتتعامل بأريحية مع الجميع... بإستثناءه هو... ذلك الغامض المختفي وراء أبواب مكتبه...
كانت تمر كل يوم وهي تنظر إلى ذلك الباب الأسود الكبير... كأنه فم وحش سيفترسها ... تتساءل عن سيد المكان، كيف له أن لا يخاف من نفسه؟!
ربما هي من تخاف منه... ربما ماتراه ليس إلا إنعكاسا من مخاوفها... كيف لا و نظراته الحادة تقض مضاجعها كل ليلة؟!
لم تقابله ولا مرة، ولو حتى صدفة بالأروقة أو بالمصعد! كأنه يمتلك قوى خارقة لا تجعلها تراه!
ذهبت إلى عملها قبل الجميع هذه المرة... بقيت تحتسي قهوتها بكل توتر وهي ترقب ظهوره.. أتى أخيرا! كما توقعت تماما، يأتي قبل الجميع ويغادر بعدهم جميعا.
- صباح الخير، حيته بإبتسامة غريبة، كأنها إنتصرت في معاركا!
تفاجأ لوجودها بهذا الوقت وسألها عن السبب. تعللت بعمل بقي عالقا وتوجب عليها إنهاءه سريعا.
إكتفى بإبتسامة من قلبه وهو يغلق باب مكتبه خلفه، ليتركها محتارة من سهم أصاب قلبها ولا تدري...
أصبحت هي من تتجنب ملاقاته... الإجتماعات الأسبوعية كانت مواعيد مخيفة بالنسبة لها! تشتاق لنبرة صوته، لهدوءه، لعطره القوي... لكنها تخاف! أجل تخاف منه ومن نفسها...

 لكنها تخاف! أجل تخاف منه ومن نفسها

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

بدأ الشتاء يتسلل بين أحياء المدينة... طقس ممطر كالعادة... لا شيء يقاوم برد هذا الطقس وبرودة قلبه غير فنجان قهوة إعتادت تناوله من الآلة بآخر الرواق...
لكنها تعطلت ذلك اليوم! بقيت تحاول تقليبها لعلها تعرف سبب العطل... لكن بدون جدوى... لم تجد غير الشتائم لتنتقم بها من آلة القهوة الغبية! توقفت فجأة و صوته وراءها "تعطلت، لا جدوى من شتمها فلن تفهمك"
شعرت بالخجل و إستدارت فإذا به يطلب منها أن تلحق به إلى مكتبه. فترة طويلة مرت منذ أن دخلت إلى ذلك المكان آخر مرة... لاحظت أنهم أعادوا الأرائك السوداء، و مرآة عملاقة غريبة على الحائط تشوه شكل من يقف أمامها! ماهذا ؟ مصمم الديكور على الأغلب مريض نفسي!
تبعته إلى المكتب الرئيسي. بقيت واقفة وهي تحدق بالمكان كأنها تراه لأول مرة... كل شيء باللونين الرمادي والأزرق! ربما كان هكذا سابقا ولم تلحظ!
طلب منها الجلوس... سكب القهوة ثم الحليب ببطء.. بقيت تراقب حركاته دون أن تجرؤ على النظر إليه... كانت تشعر بإختراق عيونه لها... وهو كان يدرك مدى إرتباكها...

 وهو كان يدرك مدى إرتباكها

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

إبتسامته كانت غريبة... جميلة ساحرة و غير مريحة بنفس الوقت..
"تفضلي" قطع شرودها وهو يضع فنجان القهوة أمامها... بقيت تنظر بفراغ إليه... فنجان كبير وواضح أنه غالي الثمن... لكنها لا تشرب القهوة مع الحليب!
إبتسمت لتعتذر "آسفة لا أريد"
- ليس حليبا عاديا إطمئني.. لا تعطي رأيك بشيء لم تجربيه قط...
شعرت بأن كلامه يحمل معاني مبطنة... لكنها تحاول التملص والهروب منه، من هذا المكتب الخانق ...
- آسفة لا أقصد ذلك، لكني لا أشرب من كؤوس الآخرين.
فهم قصدها جيدا لكنه إدعى عدم الفهم وهو يجيب ببرود "لا تخافي، الكأس نظيف جدا، فقط جربي، من فضلك"
ما هذا الإصرار يا إلاهي! وبكل أدب أيضا!
أخذت الفنجان بإبتسامة صفراء وتذوقت القهوة... فعلا لذيذة، طعم مختلف وغني!
إستأذنت منه لتكمل قهوتها في مكتبها، فأشار لها ببساطة أن يمكنها الذهاب.
وقفت أمام الباب قبل أن تقفله وراءه تخبره أنها ستعيد له الفنجان سريعا.
إبتسم وهو يجيبها بدهاء "لا داعي لإعادته، فأنا لا أشرب من كأس شرب منها غيري."
علت الدهشة ملامح وجهها وهي تغلق الباب ورائها...

يد القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن