ترجل من سيارته ليقف برهة من الزمن مشدوها... كان ريان واقفا بالشارع ينتظره...
نظر إليه برفق "منذ متى وأنت هنا؟"
طأطأ رأسه... إبتسم صهره وهو يقترب منه، ربت على كتفه وطلب منه أن يتبعه...
جلسا معا لتناول الإفطار... نظر إليه مطولا قبل أن يسأله "كيف الوضع مع لارا؟"
توقف عن شرب القهوة... لم يرفع عينيه حتى! بل ظل صامتا... فهم صهره كل شيء... واضح أنه إلتجأ إليه لأنه خرب علاقته بها... كان يتوقع هذا... لكنه إستغرب عودته! كان يظن أنه كرهه إلى الأبد.صامتا كعادته... من الصعب التعامل مع شخص مثله، لكن الصبر مفتاح كل شيء... مضت ساعتان دون جدوى... "أين ستقيم؟" سأله صهره.
رفع رأسه و ثبت ناظريه على السقف... "لا أدري" أجابه بشرود واضح.
وضع يده على كتفه مطمئنا "لا تقلق ريان، سنحل الأمر معا"
- هل يمكن ذلك؟
- لا شيء مستحيل... نحتاج فقط إلى القليل من الوقت والكثير من الصبر...
- الوقت... مهمه و بعيناه ألف سؤال... كم أضاع من الوقت؟ كم يحتاج إلى الزمن لإصلاح علاقته بها... يكره العلاج النفسي، لكنه يجبر نفسه عليه فقط من أجلها... من أجل لارا...
أنزل رأسه و الحزن واضحا على وجهه "لقد آذيتها كثيرا"
ربت صهره على فخذه بلطف كأنه يدعمه قائلا "لا تقلق، ستصلح كل شيء. لم تقصد إيذاءها".
إلتفت إليه ريان وهو يحاول قول شيء ما، لكنه سرعان ما تراجع...
- سأكلم إيلين... لتقيم معنا هذه الفترة على الأقل.
إصطحبه لبيته وهو يشعر بالإرتياح، لعلمه أنه على الطريق الصحيح أخيرا... لإختياره له كصديق وليس كصهر ليرافقه طيلة رحلة العلاج هذه... صحيح أن الطريق طويل، لكنه لن يترك يده هذه المرة...شعرت إيلين بالسعادة وهي تشاهد أخاها وقد تصالح أخيرا مع زوجها... ربما هذه أول خطوة ليتصالح مع محيطه، مع ماضيه و مع نفسه أيضا... سارعت بالإتصال ببيته لكن لارا لا تجيب... كانت نائمة بعد موجة الغضب تلك... إحترقت و إنهارت... أجابها باري و إمتعض بعد إنهاء المكالمة... نظر إلى تلك المسكينة المنكسرة... سيغيب لمدة شهر على الأقل! سيهرب كعادته! يشعر بالأسى على طفلته... صحيح أنه يعرف ريان منذ زمن، لكنه يشعر كأنها إبنته. يريد حمايتها، لن يسمح له بكسرها أكثر! كان شاهدا على كل شيء منذ دخولها من ذلك الباب من أول يوم... أخبرته كل شيء وهي منهارة... شعر بكسرها و بآلامها وهي تبكي البارحة... أمضت الليل بين سكون حزين و موجات بكاء... فاض بها الكأس ولم تجد غير باري لتبوح له بما يجثم على قلبها... إستمع لها مصدوما، كيف لها أن تتحمل كل هذا؟
غاب قليلا و عاد لإيقاظها: "إستيقظي، إبنتي!"
فتحت عيناها المتورمتان بصعوبة...
- جهزي حقيبتك، بسرعة!
- حقيبتي؟ ماذا هناك؟ سألته والنعاس يغالبها
جلس إلى جانبها على الأريكة قائلا "هل تثقين بي؟"
هزت رأسها إيجابا.
- حسنا، تحتاجين هذه التجربة كثيرا، ستفيدك صدقيني!
- عن أي تجربة تتحدث؟ لم أفهم!
وقف وهو يشير بإصبعه " لقد كنت عضوا في المنظمات الدولية سابقا... إبنة أختي الآن لديها مركز مهم...كلمتها منذ قليل و أخبرتها أنك مهندسة و ستتطوعين للعمل معهم"
- أتطوع؟ أنا! وقفت و قد طار النعاس من عينيها!
إبتسم باري و أكمل "هل أخبرها أن تأتي؟"
لم يكن إقناعها سهلا! أخذ الأمر وقتا و طاقة من باري حتى إقتنعت أخيرا... إتصل بقريبته التي إعتذرت عن المجيء لكنها طلبت من لارا الإسراع واللحاق بها قبل إقلاع الطائرة...
كان الأمر جنونيا! لكنها تركت باري يتولى أمرها هذه المرة... كأنها مسحوبة الإرادة! لم تستوعب شيئا... فقط تلحق به من مكان لآخر...
أقلها إلى المطار أين وجدت إبنة أخته بإنتظارهما...تفاجأت لارا وهي تشاهد شابة جميلة ترحب بها... مدت يدها لتصافحها قائلة:
- أتشرف بمعرفتك، أنا ميغان... آسفة على هذه الطريقة الغريبة، لكن سنسافر أولا لمقر المنظمة أين تمضي عقدك معنا ثم سنسافر معا...
- إلى أين؟ سألتها لارا بإستغراب.
- إلى إفريقيا... أجابتها مبتسمة.
ماذا ! إفريقيا؟ لم تفكر يوما بالذهاب إليها... لم تكن لتفكر بشيء... كانت تريد الهروب من ذلك البيت، من تلك المدينة، من ريان... من والدتها التي ستؤرقها أكثر... لا حل أمامها الآن غير الهروب... تماما كما يفعل هو...
وصلت إلى مقر المنظمة... كل شيء مر بسرعة... إستقلت الطائرة أخيرا... نظرت إلى ميغان الجالسة بجانبها... إبتسمت لها بلطف... ردت لارا بإبتسامة صفراء وهي تحلق عاليا... بعيدا... وهي تشاهد كل عالمها الذي تركته خلفها يقبع تحتها... يبتعد أكثر... و أكثر.
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...