مر أسبوع تقريبا دون أن تراه، أو ترى حتى خياله يعبر الأروقة بسرعة كعادته.. لا يهم، ستراه اليوم بالإجتماع الدوري.. الظهيرة كانوا جميعا في قاعة الإجتماع، و إذا بالعجوز يحل محله... "السيد ريان يعتذر عن الحضور بسبب تواجده بالفرع الآخر." ماهذا؟ هل يتهرب منها؟ هل يكرهها؟ بقيت شاردة طيلة الإجتماع، لكنها علمت أنها ليست المرة الأولى التي ينوبه العجوز عند الضرورة... ربما أساءت الظن! ربما لا يهتم فعلا برؤيتها من عدمه! مضت الساعات قبل أن تعود للبيت... نهاية أسبوع طويلة جدا.. بدت لها أنها أزلية ولن تنتهي! مضى أسبوع آخر ولم تره! كانت تسترق النظر أحيانا للرواق، لمحته مسرعا من بعيد مرة واحدة.. حاولت اللحاق به لكنه أسرع إلى مكتبه بسرعة... لا عليك لارا... سترينه نهاية الأسبوع... لكنه أجل الإجتماع لوقت آخر! هل يمزح؟! يجب أن تراه! أخذت الملف بيدها وطلبت موعدا... بقيت تخمن إن رفض قبولها فهو فعلا لا يرغب برؤيتها... إلا أن مساعده أخبرها أنه بإمكانها الدخول. حسنا، ستقابلينه كأن شيئا لم يكن! بالأصل لم يحدث شيء بينهما.. لا ! أتركي هذه الأفكار الغبية و إهتمي بعملك! بقيت واقفة لبرهة قبل أن يسألها دون أن يرفع رأسه عن الأوراق التي كان يمضيها: "ماذا هناك؟" لاحظ وضغ يدها على رقبتها كأنها تحاول بلع شيء ما... في حين كانت فعلا مريضة وتحاول التخلص من آلام حنجرتها وشعورها بالوهن... إقتربت ووضعت الملف أمامه على المكتب، لفت نظرها ذلك الكأس المكسور وهو يسخر منها على ذلك المكتب الأسود... إنعكاسه على البلور شتت إنتباهها... جميل فعلا! ليتها إحتفظت به! سحب الملف بسرعة، قلب أوراقه ثم رفع عينيه بحدة :"أليس من المفروض أن يكون الآن عند مكتب التنفيذ؟" نظرت إليه بإستغراب من لهجته :"أتممته منذ يومين ولم يأت أحدا لإستلامه" كأنه شخص آخر! تلاشى ذلك البرود تماما! بل أصبح كالبارود وهو يخرج مسرعا من مكتبه! واضح أنها تسببت بمشكلة لأحدهم! ليسامحها لم تكن تعرف أنه سيغضب هكذا! ترددت في البقاء أو مغادرة المكتب... هل تنتظره؟ ربما كان من الأفضل أن تغادر، فربما سيأتي دورها لاحقا وتأخذ نصيبها من التوبيخ! أغلقت الباب وراءها كأنها لصة و مشت بخفة إلى أن سمعته وراءها :"لارا إلى أين؟!" توقفت ! أول مرة ينطق إسمها! أعجبها ذلك كثيرا! إلتفتت إليه بإبتسامتها المشرقة... إستغرب تماما ولم يفهم سبب سعادتها الواضحة بعيونها! أنزل رأسه ثم أخبرها أنها سترافقه إلى الفرع الآخر من الشركة، دخل إلى مكتبه ليتجهز للخروج ماذا؟!! هل سيعاقبها؟ لطالما سمعت بطريقته هذه في نفي من يريد التخلص منه! بقيت واقفة بمكانها إلى أن خرج ثانية "ماذا ألم تجهزي بعد؟" أسرعت لجلب معطفها و خرجت معه، لأول مرة... كان السائق دقيقا في قيادته... لا عجب أنه إختاره.. الصمت قاتل و جعل الطريق يبدو طويلا جدا... وصلا أخيرا... كان البعض ينتظر قدومها لتسلم الملف و مناقشته... هكذا إذا!! لقد أساءت الظن هذه المرة أيضا... ساعتين مضت و إنتهى العمل أخيرا... نسمات باردة جدا في الخارج... تفاجأت بإختفاء السيارة! لم ينتظر سؤالها بل أخبرها أنه بالعادة لا يعمل مساء السبت، و أنه أذن له بالذهاب بما أن الاجتماع سيطول قليلا. - وكيف سنعود؟ سألته بتوتر - سنمشي لحدود أطراف المدينة ثم سنأخذ سيارة أجرة. نظرت أمامها... طريق ممتد وسط الغابة... نظرت إليه بطريقة جعلته يحاول جاهدا إخفاء ضحكته عنها "لا تخافي... أسرعي يجب أن نصل قبل حلول الظلام"
ماذا؟ لازالت ثلاث ساعات قبل غروب الشمس! لكن لا يوجد خيار آخر غير تتبع خطواته... حاول الإبطاء من سرعته وهو يلاحظ هرولتها وراءه... كانت تلهث ... لم يكن يعلم أنها تكابر... كانت تشعر بتعب ووهن و آلام بمفاصلها... لكنها تنتظر الوصول إلى البيت لتعالج نفسها.. نظرت إليه وهو ينتظرها بإبتسامة شاحبة، خيل إليه أنها صفراء لتجامله... أخبرها أن زميلها قد تغيب بسبب ولادة زوجته... من أجل هذا لم يكن هناك خيار آخر غير إصطحابها لأنهما الوحيدان القادران على شرح كل شيء بالملف. لم تجبه، كانت تفكر فقط في الوصول إلى البيت بأسرع وقت... شعر أنها لا ترغب في الحديث معه، ربما لا تريد التواجد معه! فليصمت إذا... قطعا الطريق الغابي في ظرف ساعة ونصف... وصلا أخيرا للمناطق العمرانية. لكن الطبيعة شاءت أن تختار ذلك الوقت لتغرق المكان بعاصفة فجئية... لا شيء يحميهما من الأمطار الطوفانية... حاولا الإحتماء منها لكن دون جدوى... إختفى الجميع فجأة و بعض السيارات التي ترفض التوقف تبحث عن مأوى لها من السيول... لا جدوى من الإنتظار... فليكملا الطريق ... خيم الظلام والأمطار لا تنقطع... وصلا أخيرا أمام بيتها... وقف ليودعها لكنها كانت ترجف بشدة.. ذهبت وتركته يكمل طريقه عائدا لبيته ...
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
تفاجأت والدتها بحالها السيء... كان واضحا أنها ستمرض لامحالة... حمام ساخن و حساء دافيء لكليهما... هو ذهب لينام ... وهي أمضت الليل تحاول التغلب على المرض قبل أن يشتد عليها...