15

79 10 8
                                    

لم تترك عيناه مكانا إلا وبحثتا فيه عنها... كان المكان يعج بالضيوف، بالموظفين و عائلاتهم... صوت الموسيقى يكاد يختفي وسط كل تلك الأصوات... يكره مثل هذه التجمعات كثيرا، تصيبه بالصداع، لكنه مجبر عليها...
أتت أخيرا، متأخرة كثيرا.. جلست إلى جانب ميرا وبعض الموظفين.. لم يلحظ أحد كيف كانت عيناه تسترقان النظر إليها من حين لآخر... كعادتها بسيطة جدا في لباسها... تضحك أحيانا بصوت عال وهذا ما يستفزه أحيانا... يتوتر، يميز ضحكتها من بين الجميع...
لمحته مرة وحيدة وهو يتناقش بجدية مع بعض الرجال...
مر الوقت. كرموا بعض الموظفين، وزعوا هدايا على الجميع... إلتفت ليتفرغ لها قليلا، لكنه لم يجدها... جالت عيناه بالمكان لكن لا أثر لها. واضح أنها عادت لبيتها...
في حين كانت هي تشعر بالأسى في طريق عودتها... كانت تريد تهنئته بالعام الجديد لكن لم تسنح لها الفرصة... بقيت شاردة طيلة الطريق... إستحالة أن تترك والدتها وحيدة في هكذا مناسبات، خاصة بعد خسارة والدها.
تتذكر كيف كان يجهز كل شيء بطريقته البسيطة المضحكة. كانت أجمل أيامهما معه... لم يكن زوجا و أبا بقدر ما كان صديقا... كان يعشق البحر كثيرا تماما مثل والده حارس المنارة... إبتسمت وهي تتذكر جدها العجوز. لقد مضى وقت طويل منذ أن زارته آخر مرة. صحيح أنه بعيد جدا، لكنه بقي على إتصال بهما... إتصلت به فكان حديثه حلوا كعادته. مشتاق لحفيدته الوحيدة كثيرا. تأثرت بكلامه عن ذكرى والدها لدرجة جعلت السائق يراقب دموعها من خلال المرآة... وعدته بزيارة قريبة وقبلته.
وضعت يدها على الصدفة... أخبرها والدها ذات مرة أن الأرواح تذهب إلى مكان يشبه البحر، و أنها تتخاطب مع محبيها عن طريق الصدف. كانت تضع الصدفة بأذنها لتسمع ذلك الصوت الساحر... كانت تعتقد فعلا أن هناك روحا ما تخاطبها... تخبره تارة أنها روح جدتها، و تارة أخرى أنها روح كلبهم أو طائر دفنوه في مكان ما... كان يضحك ثم أهداها أجمل صدفة وجدها على الشاطئ... أخبرها أنه سيكلمها ذات يوم من خلالها... كانت طفلة ولم تفهم أنه سيودعها ذات يوم... إحتفظت بتلك الصدفة سنوات، إلى أن ذهب عنها إلى الأبد... لا شيء يكسر أرواحنا مثل فقدان من نحب. حتى و إن إختفى الألم مع الوقت، لكن الشوق يصبح عذابا قاتلا و الحزن يبقى دفينا فينا...

وصلت إلى البيت أخيرا

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

وصلت إلى البيت أخيرا. جهزت والدتها و صديقاتها كل شيء وبقين في إنتظارها... إبتسمت بإمتنان وهي تعلم أنهن جزءا من العائلة. كن أفضل سند لكلتيهما خاصة بعد موت والدها المفاجيء. صحيح أنها تعرفت عليهن بالمعهد إثر إنتقالهم لهذه المدينة، لكن صديقاتها كن أفضل سند لها ولوالدتها إثر وفاة والدها... لم يكن يشكو شيئا... فقط توقف قلبه عن النبض... عن الحياة، تاركا إبنة السادسة عشر عاما تواجه مصاعب الحياة وحدها مع والدتها الوحيدة...

تشتاق لقريتها كثيرا، أين طفولتها، جدها الضخم الطيب العنيد، و قبر والدها... تشتاق له كثيرا...

لا يعقل أن تكون مشاعرها مضطربة لهذه الدرجة! حاولت نسيان كل شيء والإستمتاع بوقتها. رفيقاتها مجنونات فعلا! لا شيء يقف أمامهن... السهرة كانت أكثر من رائعة ووالدتها لم تكف عن الضحك.
العام الجديد...
هل سيتغير القدر بحلوله؟ ربما....
ودعت آخر صديقاتها في حين ذهبت والدتها لتنام. همت بغلق الباب لولا أن رأته واقفا أمام السور الخارجي! بقيت تنظر إليه غير مصدقة! ماهذا الآن؟ نظرت إلى ساعتها، إنها الواحدة !
يعلم جيدا أن الوقت متأخر جدا، لكنه إنتظر نهاية الحفل ليكلمها... يشعر بالغباء وهو يقف أمامها بذلك الوقت. لا يعلم كيف إنقاد أمام بيتها... بقي ينظر إليها وهي مندهشة من حضوره المتأخر...
- سنة سعيدة... إبتسمت وهي تشاهد شروده
- سنة سعيدة لك أيضا... لقد نسيت هذا...
مد يده بعلبة صغيرة مغلفة... واضح أنها هديتها بمناسبة العام الجديد.
توترت رغم سعادتها... لقد تذكرها رغم كل شيء... نظرت إليه بإمتنان وطلبت منه أن ينتظرها... راقبها وهي تركض مسرعة ثم تعود بهدية مغلفة...
أخذها منها و قلبه ينبض بسرعة... أول هدية في حياته... لم يسبق لأحد أن أهداه شيئا، حتى شقيقته...
بقيت تراقبه وهو ينظر بقوة إلى العلبة ممسكا إياها بكلتا يديه... رفع رأسه بعد لحظات. إبتسمت بلطف أربكه أكثر... يريد أن يبقى لكن الوقت متأخر.. بقي مترددا في مكانه وهي بدأت تشعر بالإحراج...
- سأذهب الآن ...
- حسنا، و أنا سأدخل ...
- الجو بارد جدا
- نعم ستثلج الليلة ربما..
- حسنا أنا ذاهب...
- و أنا سأنام ...
- سنلتقي بعد غد
- سنلتقي؟
- إممم لا ! أقصد أنك ستعودين لعملك طبعا
- آه! أجل، أجل! سأعود..
شعر كل منهما بسخافة هذا الحوار... رفع رأسه محييا إياها و إتجه لسيارته... أسدلت والدتها الستارة وهي تبتسم ثم عادت للنوم... في حين أغلقت لارا الباب وراءها وهي تضحك بغرابة و قلبها يرجف بنفس الوقت.
سارعت لغرفتها وهي تراقب من وراء نافذتها إبتعاد سيارته... شعرت بسعادة غامرة هذه الليلة أنستها أحزان ذكرياتها... فتحت هديتها و رفعتها أمامها ... قلادة! والمعنى داخلها أغرب!

 قلادة! والمعنى داخلها أغرب!

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
يد القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن