14

72 10 0
                                    

مرت أيام وهي تتجنب ملاقاته... كان يلمح خيالها أحيانا تركض هنا أو هناك... فقط رائحة عطرها يبقي أثره كدليل عليها...
بالإجتماع تجنبت النظر إليه... إبتسم وهو يراها تطلب القهوة ثم تتراجع... أصبحت تحسب خطواتها جيدا... وهذا أمتعه أكثر. تأكد أن هروبها أكبر دليل على وجود خطب ما بها.
أسبوعان وهي بنفس الحال... إلى أن لاحظ وجودها ذات يوم واقفة في آخر الرواق أمام النافذة... كان يعتقد أنها تحتسي قهوتها كالعادة... وقف جانبها تماما و إلتفت ليستفزها قليلا... لكنه كان كوب ماء هذه المرة...
رفعت رأسها إليه و سألته مباشرة :"كيف وظفتموني هنا؟"
ماهذا الآن؟ من أين أتت بهذا السؤال؟!
- كما وظفنا جميع الموظفين هنا. أجابها ببساطة
شعرت أنه يستهزء بها، فردت عليه بسخرية "ربما الحظ أتى بي لهنا..."
- أو لعله القدر... أجابها بصوت دافيء أربكها
أعادت وجهها ناحية النافذة... إستجمعت نفسها قليلا.. إبتسم وهو يسمعها تأخذ نفسا عميقا قبل أن تجيبه :" لا أتذكر أنني تقدمت بعمل هنا"
- هل تريدين ترك العمل؟
- لا! قطعا لا! أجابت بسرعة وهي تحتج... لم تدرك أنه يدير دفة الحديث ليبعدها عن هذا الحوار السخيف في نظره.
بقيت عيناه عليها للحظات شعرت فيها أنها تغرق... تغرق كثيرا ولا تريد النجاة...

- كيف العمل على المشروع الأخير؟- المشروع؟ أجل

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

- كيف العمل على المشروع الأخير؟
- المشروع؟ أجل ... آه، المشروع!
- ماذا ؟ سألها وهو يلاحظ شرودها
- نعمل بجد. بالأخير مجرد جسر.
- مجرد جسر؟
شعرت بإمتعاضه وهو يسألها. نظرت إليه بإستغراب... هل أخطأت بشيء ما؟
أخرج قلمه من جيب سترته وأداره بسرعة بين أصابعه قائلا :"القلم شيء سحري، إنه أفضل إختراع بالنسبة لي..."
- كيف ذلك؟ قاطعته بفضول
- السر في الكتابة. وسيلتنا للكتابة، للكتب، للتعلم، للمعرفة، للتواصل... القلم يترجم كل ما نفكر به أو يخطر ببالنا، يحوله لحروف فيكون كالجسر بيننا جميعا"
إقترب منها و أخذ كأس الماء من يدها... لم تلمس أصابعه يدها قط... بقيت تراقبه وهو يحركه ببطء وواضع قلمه فوقه :"لا تستهيني بقوة المياه يا لارا... الجسر ليس "مجرد" مكان للعبور، بل هو مكان يجمع عالمين، أرضين. أجدادنا بنوا الجسور لتجنب العزلة، لإنقاذ الأرواح، للبقاء على إتصال ببقية العالم... هذه الجسور قد تحمل طفلا، أو شيخا، أو إمرأة حاملا. قد تحمل الدواء والغذاء... تخيلي لو ينكسر هذا الجسر فجأة!" ثم كسر قلمه لنصفين.. لاحظ إنتباهها لكلامه كأنها طفلة تتعلم! طفولتها مضحكة و غريبة.

أكمل كلامه " الماء أقوى مما نعتقد... قد يكون ضعيفا لكنه يثور فجأة فيحطم كل شيء يقابله... أعتى الجسور قد تنهار لحظة غضبه... فيجرف معه كل شيء، و ربما حطام جسر... و ربما أرواح بريئة كانت عليه."
نظرت إلى الأرض وهي تفكر في كلامه... لكنه أكمل "الماء حياتنا، شفاف جدا عند هدوءه، لكنه أسود، عنيف وقاتل عندما يثور... قد نكون مثله أحيانا"
إلتفت إليها ولاحظ كيف تمسك بتلك الصدفة بقوة... بقيت تنظر إليه قليلا ثم إلتفتت أمامها. كان من الواضح أن عقلها يدور... ليته يتمكن من إختراق تفكيرها... صمتها أحيانا يعج بالضجيج.
مد يده إليها بنصف قلم مكسور. ماهذا الآن؟ هل سيجمعه هو أيضا بالذهب ؟ خمنت وهي تأخذه منه... إبتسمت وهي تلقبه بينها وبين نفسها "صاحب الأشياء المكسورة"
إعتقد أنها تبتسم فقط لمجرد الإمتنان... "بآخر الأسبوع حفل نهاية السنة"
- ماذا؟
- مساءا!
رفعت حاجبها وهي تفكر ثم أجابته "لا يمكنني، أحتفل كل سنة مع أمي وصديقاتي ببيتنا، أعتذر"
- متى يبدأ إحتفالكم؟ بأي وقت أقصد؟
- التاسعة مساءا
- حسنا، ستكونين معنا إلى حدود الساعة الثامنة ثم سنعيدك إلى بيتك
- لا عفوا! لا يمكنني الثقة بسائقيكم، أجابته ضاحكة بسخرية.
- في صورة عدم وجود سائق، سيوصلك أحد الزملاء، وعد.
لاحظ ترددها فأكمل بصوت هاديء وعميق "يجب أن تحضري، من فضلك"
تبا له! لا تقدر على مقاومة هذه النبرة، رفعت رأسها إيجابا ببطء...
إبتسم ممتنا لها و عاد لمكتبه. بقيت تراقبه ثم شردت وهي تلاحظ نصف القلم بيده، و النصف الثاني بيدها...

 بقيت تراقبه ثم شردت وهي تلاحظ نصف القلم بيده، و النصف الثاني بيدها

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
يد القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن