- ألم تشتاقي لوالدتك؟ هل خطفك ريان منا؟ سألتها والدتها مازحة...
نعم... ليتك تعلمين يا أماه أنه خطفني فعلا... ليتك تعلمين أنه قيدني إليه بقوة...
- لارا، هل أنت معي! هل تسمعينني؟إستفاقت من شرودها :"بلى! سآتي إليك نهاية الأسبوع..."
كان يستمع لحديثهما... بعض التفاهات و كلمات عن الحب والشوق... لماذا لا تقول له "أحبك" كما تفعل مع والدتها؟ ألم تتزوجه عن حب؟
كان هدوءه غريبا طيلة أيام... عاد لسكونه و لأفلام الكرتون...
نهاية الأسبوع أخيرا... تفاجأت بهداياه لوالدتها و جدها... بقيت تنظر إليه قبل أن تغادر... لا تستطيع فهمه! إكتفت بإبتسامة شكر وذهبت... لأول يوم منذ أن دخلت بيته تغادره لنصف يوم، لنصف دهر!
المكان أصبح لا يطاق... دقائق قبل أن يخرج بدوره...
إشتاقت لوالدتها كثيرا... هكذا ظنت و إبنتها تخبيء رأسها في حضنها لمدة طويلة! "لارا لم تعودي طفلة! لم تغيبي عني غير شهر و بضعة أسابيع!"
لم تفهم أنها تريد الأمان... تبحث عن حضن يواسيها ويخفف عنها...
- ذوق رفيع! قال جدها وهو يقلب الهدايا
إنفجرت ضاحكة... كعادته لا يتحمل الإنتظار... فتح الهدايا ليرى نصيبه منها! توقفت فجأة وهي تتذكر أنها لم تضحك منذ مدة طويلة... شردت وهي تحاول تذكر متى كان آخر عهدها بالضحك...- حان وقت دواءك، أخبرته كنته وهي تغادر الصالة...
إلتفت جدها مبتسما ... وضع يده على خدها قائلا "لا تهتمي حبيبتي... سيمر..." فتحت عيناها مندهشة! هل لاحظ شيئا؟ كيف عرف؟ لكن عودة والدتها جعلتها تتدارك الوضع! الأجدر بها أن تتماسك... أن تحاول إظهار سعادتها حتى لا تنتبه والدتها... لا تريد إزعاجها أو إثارة قلقها... بكل الحالات طلبت منها التريث قبل الزواج لكنها لم تستمع إليها... لا يمكنها تحمل دروسها و مواعظها الآن!
عدلت من جلستها و رسمت إبتسامة على وجهها... فلترى والدتك سعادة إبنتها، حتى و إن كانت زائفة...
مرت الوقت بسرعة كأنه دقائق... نظرت إلى ساعة يدها... تنهدت... حان وقت العودة...
- ماذا إن قضيتي الليلة معنا؟ سألتها والدتها
ترددت... هل تتصل به؟ إكتفت ببعث رسالة نصية تخبره فيها بغيابها...
"حسنا. أراك غدا" هكذا كان رده! ثلاث كلمات لا أكثر...
رمت هاتفها بعيدا... ستأخذ راحة من كل شيء، ولو ليوم واحد... ستنسى أنها تزوجت... ستكون طفلة والدتها المدللة اليوم!
إستمتعت كثيرا بقصص جدها عن مغامراته و عن والدها... و بأطباق والدتها و أخبارها الجميلة مثلها... لاحظت والدتها عاطفة إبنتها المضطربة... كانت الدموع تنحبس في عيناها أحيانا... و كانت تغالبها أحيانا أخرى، دموع الفرح بلقاء بعد غياب قصير!
وحده جدها كان يدرك سبب تلك الدموع... كانت سعيدة بلقاء نفسها، بالعودة للارا التي غابت عنها منذ أسابيع...
المساء...
أرادت الذهاب لغرفتها لكن جدها تظاهر بالنوم فجأة وهو جالس على أريكته... أشارت لها والدتها برأسها، تبعتها إلى المطبخ حيث كانتا تهمسان كي لا توقظانه
- ألم يكن ينوي العودة؟ سألتها بفضول
إبتسمت والدتها وهي تجهز العشاء "لقد تعود على المكان... أصبح لديه أصدقاء بالحي يلتقون يوميا بالحديقة بآخر الشارع"
- ألا يتعبك؟
- بالعكس! إبتسمت بإمتنان قبل أن تكمل" يؤنس وحدتي و يملأ وقتي كامل اليوم... كنت أخشى الوحدة والفراغ بعد ذهابك، لكنه بقي... ممتنة له كثيرا"
رفعت لارا حاجبها مستغربة "لكنه كان يرفض المجيء معنا!"
- أجل، كان يرفض! لكنه قد غير رأيه... هنا يجد العناية اللازمة، الأكل...
- و أعجبه أكلك الذيذ!
- و إحتل غرفتك لذلك إدعى أنه نائم عندما أردتي رؤيتها!
نوبة من الضحك تملكتهما... لكنهما حاولتا كتمانها قدر المستطاع...
- بكل الحالات يبقى خالك أيضا، ليس فقط والد زوجك... إبتسمت وهي تراقبه من بعيد... واضح أن إدعاءه بالنوم تحول إلى حقيقة... صوت شخيره يتعالى صداه بكل مكان...
"سأنام بالصالة" أخبرتها مبتسمة..
رفعت والدتها كتفيها "كأنه لديك خيار آخر!"
ضحكت فعلا من كل قلبها... إنتهت السهرة و خلد الجميع إلى النوم... الأريكة غير مريحة لكنها أفضل من ذلك السرير الكبير...
ذلك السرير الذي تسلل إليه ريان لأول مرة منذ زواجهما... لعله يستطيع النوم وهو يحضن وسادتها كطفل يتيم... لعل رائحتها تؤنسه بغيابها...
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...