عاد لبيته بعد أن بقي يجول بسيارته ساعات بالمدينة... لم يكن يريد العودة إلى بيته. عقله فارغاً تماما و قلبه يريد أن يصرخ.. أن يفك قيوده التي كبلته لسنوات ويتحرر...
الفجر بدأ يعلن قدوم يوم جديد، عام جديد، وفصل جديد من حياته.
بدأت تثلج... سارع بالعودة لبيته مضطرا.. كان يوما متعبا... إستلقى لينام ثم تذكر أمر الهدية.
مسك العلبة، كانت ثقيلة نوعا ما. تذكر إبتسامتها و نظرتها المتحمسة وهي تعطيها له. ماذا سيكون ياترى غير شيء محبط تافه! يكره الهدايا... آخر هدية يتذكرها كانت لعبة من والدته... لعبة تحطمت وتحطمت معها أحلام طفولته.
فتح العلبة أخيرا.. كانت هديتان في علبة واحدة! ماهذا يا لارا؟ تمتم وهو يبتسم... بقي يبحث عن مكان مناسب لهما، لتكونا أمام ناظريه طيلة اليوم..
تذكر كلامهما عن الجسر، ليكن كذلك إذن، سيحاول أن يمد طرفه ناحيتها... سيبني جسرا لأول مرة في حياته، سيثق و يمد يده، في إنتظار إمساكها بها...
وضع تلك القطعة الحجرية الصغيرة جنب سريره. هل يثق بها؟ هل يسمح لها بأن تطأ قدماها أرضه القاحلة المهجورة؟ ألن تهرب منه عندما تعبر ذلك الجسر الذي مدته هي لتصل أرضها الخضراء الغنية، بأرضه القاتلة المخيفة؟إنه يقبع هناك منذ سنوات... لم يسمح لأحد بالإقتراب من حدوده. كانت الريبة وسيلته لحماية نفسه منهم... كان ذلك الطفل قابعا بكهف مظلم داخل تلك الأرض الجرداء... لا ينتظر مساعدة أحد. بل مستعد لقتل كل من يحاول إختراق حدود منطقته... كان عدائيا، بدائيا في مشاعره... قلبه رأى ذلك الشعاع من أرض مقابلة... بعيدة جدا، ربما ليس ضوءا، ربما مجرد وهم... ربما... لكنه تشبث بذلك الأمل، بقي يتطلع لذلك القلب البعيد كل يوم، كأنه النور الوحيد بتلك البقعة المظلمة...
ليكن كما تريدين ... نام و بعيونه دموع مشتاقة... بإبتسامة ملؤها الخوف والحيرة... من وسط كل سنوات الوحدة والألم، رأى أخيرا يدا تمتد إليه..العودة إلى العمل أخيرا... لم تعد تطيق صبرا... والدتها تحاول فقط كبح جماحها وهي ترى إبنتها العاشقة تندفع بسرعة نحو مصيرها المجهول... لم تسنح لها الفرصة بالتعرف عليه جيدا، ولا تثق بإختيار إبنتها فهي بدون تجارب ولا تمتلك القدرة على فهم الرجال جيدا.. أصبح الأمر يوترها خاصة وهي ترى تلك النظرة بعيون إبنتها... سحقا لقد فات الأوان فعلا!
مرت الأيام... كان كل منهما ينظر إلى الآخر بطريقة جلبت إنتباه الجميع... لا أحد منهما يعي بما يدور حوله... كأن ساعات العالم تتوقف عند كل لحظة لقاء، حتى ولو لثواني معدودات...
إبتسمت وهي تراه يضع هديتها على مكتبه، رغم تساؤلها إن كان قد أعجبه الجسر أم لا...نظرت إليها وهي تبتسم، فهي تعبر عنه فعلا ... لا يرى، لا يسمع، لا يتكلم، لكنها تحبه بجنون رغم ذلك. يكفي أن تشعر بوجوده، تشعر بذلك الضجيج الهاديء داخل عيونه... لكنها لا تدرك أنها لا تراه إلا بعين عاشقة... لا ترى غير ذلك الجميل الساحر... لا تدرك وجود ذلك الطفل المشوه القابع في ظلمات نفسه... ينتظر فرصته للخروج من دهاليز الألم... ستمدين يدك يا لارا لتنقذيه... ستحبين ذلك الوحش الصغير... لكنك ستحترقين.
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...