إستيقظ بنفس الوقت ككل يوم... لاحظ باب غرفتها لازال مغلقا... لم تكن لديه الشهية للأكل... إكتفى بقهوة تنفض عنه أرق الليل...
مرت ساعات وهو يراقب بابها المغلق... ربما لا تريد رؤيته... طلب من المعين المنزلي تجهيز الإفطار للسيدة... ستستيقظ قريبا...
سمعته يدق برفق على باب غرفتها... أغمضت عيناها وهي تغمس وجهها أكثر في الوسادة... فتح الباب... شعرت به يجلس على حافة السرير... صوت لوح على الطاولة...
- أنا...
بقيت ملتفتة ناحية النافذة... تشعر بتململه خلفها
- أعتذر عما بدر مني... قالها بصوت خافت... لأول مرة في حياته يعتذر من شخص ما... كان صعبا عليه نطق هذه الحروف القليلة...
إلتفتت إليه... لاحظت أنه جلب لها الفطور... إعتدلت في جلستها وهي ترفع شعرها عن وجهها... "لا عليك" أجابته بصوت هاديء و حزين.
بقي يشاهدها وهي تشبك أصابع يديها ببعض و عيناها منخفضتان... وجوده يوترها ... ربما لا تريد رؤيته... من الأفضل تركها وحدها... نهض و غادر الغرفة... رفعت رأسها و بقيت تراقبه وهو يتركها هكذا ... أخفضت رأسها وهو يغلق الباب خلفه... لا تستطيع فهم هذا الرجل... بقيت عيناها ثابتتان على الطبق الموضوع أمامها... أغمضت عيناها وأسندت رأسها إلى الخلف وقد أنهكها التفكير...
لا يمكن أن تبدأ حياتها معه بالمشاكل... ربما لديه أسبابه التي تجعله يتصرف هكذا...
مرت ربع ساعة قبل أن يراها تخرج من غرفتها وبيدها الطبق... توجهت إلى المطبخ... بقيت عيناه تلاحقانها وهي تتحرك من مكان لآخر...
جلست أخيرا بجانبه... بقيت عيناه مثبتتان على الكتاب... قلبه يتسارع بجنون وهي تراقبه بفضول... لن تتركه وحده، واضح أنها تتعمد إرباكه... توجه إلى الأريكة المقابلة و شغل التلفاز... إستلقى وهو يشاهد أفلام الكرتون! بقيت تنظر إليه بغرابة ثم تلتفت إلى التلفاز... ماخطبه؟! شعرت بغرابته وهو يتهرب منها... وهو يتابع الكرتون بإهتمام، أو أنه يدعي ذلك... ثبتت ناظريها عليه لكنه لا يلتفت إليها... كل تركيزه على تلك الشاشة الضخمة...بقيا كذلك لفترة طويلة... لا جدوى... واضح أنه لن يتكلم بكل الحالات... أدارت رأسها ناحية الجدار البلوري... لازالت تثلج والسحب السوداء تغطي السماء... لا يمكنها الخروج بهكذا طقس...
الملل يقتلها ولا شيء تفعله في هذا المكان... زوجها كالطفل منغمس في أفلام الكرتون! كأنه في عالم آخر!
إلى المطبخ!
سألت المعاون عن إسمه...
- باري سيدتي
- ماذا؟ هل أنت أجنبي؟
- لا، إسمي إبراهيم لكن الجميع يناديني باري
- جيد جدا، أريد مساعدتك في الطبخ
نظر إليها مندهشا... حاول إقناعها بأنه عمله و أنها ليست مجبرة على مساعدته... لكنها عنيدة و زادها عناده إصرارا على التدخل في عمله...
بقيا يتجاذبان أطراف الحديث... علمت أن لديه أولاد بالجامعة والمدرسة... أن زوجته تعمل أيضاً من أجل مصاريف العائلة... خطر على بالها تجهيز قالب حلوى... ربما يعجب زوجها الطفل!
أخبرها باري أنه طيلة سنوات عمله لم ير سيده يطلب الحلوى ولو لمرة واحدة!
- سيجرب... لكل شيء مرة أولى...
رفع كتفيه و تركها تفعل ما تريد...
في حين بقي ريان يستمع لحديثهما وهو مستلقي بمكانه في الصالة... كان كلامهما سخيفا جدا...
حاول باري مساعدتها لكنها رفضت. كان واضحا أن الحلوى لذيذة جدا... رائحتها ملأت المكان لدرجة جعلت ريان يرفع رأسه لعله يرى ما يحدث بالمطبخ. تجادل معها باري حول طبقة الكريمة... هو يريدها بطعم الشوكولا وهي تفضل الليمون! ماكل هذه الجلبة التي يحدثانها !
لم يكن يعلم أن كل منهما يحاول سحب الصحن من الثاني إلى أو وقعت كريمة الشوكولا على الأرض..
بقيا واقفان يراقبان الصحن المنقلب على الأرض... إنفجرت ضحكا في حين بقي باري يتمتم بسخط وهو ينظف الأرضية... إنتقلت إليه عدوى الضحك ولم يستطع تمالك نفسه...
طيلة سنوات لم يسمع ريان صوت عماله بالبيت... لطالما كان الهدوء يخيم على المكان كأنه قصر مهجور... توقف عند باب المطبخ وهو يشاهد لارا تكمل آخر لمسات طبق الحلوى وهي لا تنفك عن المزاح مع باري المنكب على تنظيف المكان...
سكت فجأة وهو يرى سيده أمامه... إنتبهت لارا لذلك... وضعت قالب الحلوى في المبرد وتوجهت ناحية زوجها ... إبتسمت وهي تضع على أرنبة أنفه بقايا كريمة كانت على إصبعها...
إلتفت خلفها مندهشا وهي تذهب لتغسل يديها في حين وضع باري يده على فمه حتى يخفي ضحكه من شكل سيده و الكريمة تلطخ وسط وجهه... واضح أنهما مختلفان تماما...
لم يفهم ريان شيئا... ماذا تقصد بهذه الحركة؟ مسح وجهه وهو يحاول إيجاد تفسير لذلك...
هكذا هو... عندما لا يستطيع فهمك سيحاول إيجاد أجوبة لأسئلته داخل عقله.. لا يمكنه فهم الأشياء البسيطة، ولا المزاح العادي... بالنسبة له وراء كل حركة أو كلمة توجد خفايا...
لازال الطريق أمامه طويلا لمجاراتها... ولازال الطريق أمامها وعرا لفهمه...
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...