الجميع منهمك في عمله والمكتب هاديء كأنه مكان مهجور... إلى أن دخل مساعد المدير وهو يطلب من لارا أن تتوجه لمكتب المدير بعد ساعة.
رفع الجميع رأسه... إنتظروا إنصرافه ليجتمعوا حولها "ماذا فعلت؟ بماذا أخطأتي؟!..."
إنهاروا عليها بالأسئلة وهي مندهشة من كلامهم عنه، عن قسوته و جبروته...
لم يسبق لها أن قابلته، لكن كلامهم عنه أثار فضولها... ترى من هذا "صاحب قلب الصوان" كما يسمونه؟ على عكس المتوقع، لم تخف منه... بل أصابها الفضول لرؤيته.. أصبحت تراقب ساعتها كل فينة وأخرى... الوقت بطيء جدا! كالطفلة ترقب لعبة أخبروها أنها خطرة، سارعت بالصعود إلى الطابق العلوي قبل الموعد بدقائق... تريد فقط أن تراه!
دخلت إلى بهو الإستقبال... لاحظت تغير لون الصالة... أحمر قاتم جدا، بلون الدم! المكان أصبح كأنه كابوس!
في تلك الأثناء بقي هو يراقبها من وراء شاشته... إبتسم وهو يراها تلامس الأرائك... اللون أعجبها أكيد. كيف لا وهي من إختارته؟ (أو هكذا يخيل له!)
إستدار للنافذة وأنار الزر الأخضر فوق باب مكتبه، كإشارة لها بالدخول.
دخلت أخيرا... كانت عيناه لا تغادران إنعكاسها على البلور... في حين بقيت هي واقفة في المنتصف تماما! حائرة من مشهد الأريكة الضخمة التي تحجبه عنها وهي ملتفتة إلى النافذة! هل يمزح؟ أين هو؟
إبتسم وهو يراقبها تحاول النظر إليه بطريقة ما... رأسها ينحني يمنة ثم يسرة.. ترفع نفسها قليلاً لعلها تجد منفذا لرؤية وجهه...أشار بيده من خلف أريكته قائلا :" إجلسي رجاءا، سأكمل مابيدي و نتكلم حالا"
سمعت صوته أخيرا... هاديء و فخم... بعث في نفسها الطمأنينة رغم كل التوتر الذي أصابها بسبب كلام زملائها عنه.
جلست... لكنه أطال إنتظارها... لم تنتبه لعيونه التي لم تغادرا خيالها المنعكس أمامه... حفظ كل تفاصيلها... خصلات مبعثرة.. عيون عميقة.. قلادة رخيصة في رقبتها على شكل صدفة سخيفة... كانت تمسك بها كأنها تميمة و عيونها تجول بالمكان... ترى بماذا تفكر؟
شعرت بالملل ... تلك الأغنية اللعينة بقيت عالقة بذهنها... لم تنتبه لنفسها وهي تدندن بها بصوت خافت... وقدماها تدقان الأرض بخفة ...
إندهش منها لكنه تركها تدندن... أغمض عيناه وهو يستمع... هذه الفتاة أذابت الجليد...
عاد لوعيه فجأة ثم إلتفت ليقابلها، لأول مرة وجها لوجه...
إلتفتت إليه بنفس الوقت... تلاقت عيناهما... بل إخترقت نظراته كيانها...
ماهذا الشعور الغريب؟ عيناه كأنهما روح شيطانية تسربت لكامل روحها وتملكتها!لا أحد منهما يعرف كم مر من الوقت... ربما ثواني... دقائق؟؟
وقفت فجأة بعد أن عادت لرشدها: "عفوا لقد أخبروني بأنك تريد مقابلتي"
- هل تأقلمتي معنا؟
- أجل! (ماهذا السؤال الغبي؟ تساءلت)
- حسنا... ستتم نقلتك قريبا
لم ترد، بل إكتفت برفع حاجبها... ماهذا التناقض؟ أينقلها لأنها تأقلمت مع محيط عملها؟ ربما يحتاجونها بمكان آخر! بكل الحالات لازالت جديدة هنا... لا يمكنها الإعتراض.
بقي ينتظر ردها، لكنها إلتزمت الصمت..
وقف ومشى ببطء إلى أن وقف أمامها تماما "تشرفنا بعملك معنا، يمكنك الإنصراف الآن"
- ماذا؟ هل هذا كل شيء؟ سألته بنبرة إستنكار واضحة..
إلتفت وعاد لمكتبه "أجل, إلى اللقاء"
خرجت وهي لا تفهم شيئا... سمعها فقط وهي تقول بصوت خافت "لون بشع جدا" !!
إندهش و عيناه تفحصان الصالة.. ماذا؟ ألم تعجبها؟ أليس هذا اللون من إختيارها؟!
عادت لمكتبها في حين بقي هو مغمض العينين... رائحة عطرها الخفيف ملأت المكان...
أنت تقرأ
يد القدر
Romansaالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...