إستيقظ باكرا كعادته... هذا اليوم كل شيء مختلف... لم يعد وحيدا بين تلك الجدران الصماء... أخيرا أصبح لديه رفيقا لوحدته...
تناول إفطاره بهدوء تام... العامل متشوق لرؤية سيدة البيت... لكنه أوصاه بعدم إزعاجها لحين إستيقاظها قبل خروجه مسرعا من البيت.
فتحت عيناها ببطء... بقيت تحدق في السقف... لم تعرف المكان... أمالت رأسها على السرير و عيناها تلفان بالمكان... إستوعبت أخيرا أنها ليست في غرفتها... جلست بسرعة في السرير.. تذكرت كيف تمنى لها نوما هنيئا وهو يغلق الباب خلفه... تركها تنام وحدها بهذه الغرفة الشاسعة... ربما إنتبه لخوفها منه فأراد إمهالها بعض الوقت...
إبتسمت ساخرة من نفسها... لم كل هذا الخوف؟ لم يحاول الإقتراب منها، ولو حتى بكلمة! شعرت بالخجل من نفسها... ترى أين قضى ليلته؟خرجت ببطء من غرفتها لتجد العامل أمامها تماما... وضعت يدها على قلبها مرتعبة... لم تكن تعلم بوجود غيرهما بالبيت... إلا أنه طمأنها و أخبرها أنه يغادر كل ليلة التاسعة مساءا، و أنه موجود هنا لخدمة السيد، والآن لخدمتها...
شعرت بحيرة وهي تشاهد كل ذلك الأكل على مائدة الإفطار... "ماكل هذا؟" سألته وهي تجلس
- فطورك سيدتي
إنزعجت من كلمة "سيدتي" فهي لم تعتد على جعل الغير يخدمها... "لارا، إسمي لارا"
- تشرفنا سيدتي
- لا! حسنا، تشرفت أيضا، لكن أليس من الأفضل أن تخاطبني بإسمي؟ لا أحب الألقاب كثيرا!
لاحظت التردد على ملامحه... فأكملت "لارا، من فضلك!"
- حسنا كما تريدين، لكن في حضرة السيد سأناديك بالألقاب..
لوحت بيديها كأنها تستسلم له ثم جالت بعيناها وهي تقول "أين ريان؟"
- لقد خرج منذ ساعتين تقريبا.
صمتت... ربما ذهب إلى العمل "حسنا أنا لست ديناصورا لآكل كل هذا"
إنفجر ضاحكا... لم يقدر على تمالك نفسه وهي تنظر إلى كل شيء بتعجب... واضح أنها ستغير كل شيء بالمكان، و أنه سيتفاهم جيدا معها...
عاد ريان بعد ساعات. سأل العامل عنها... أخبره أنها طول اليوم بالحديقة...
- تجهزي سنسافر...
إلتفتت إليه وهو واقفا وراءها.. إبتسمت كأنها تعتذر عما بدر منها باليوم السابق "إلى أين؟"
- ستعرفين عندما نصل... تجهزي سننطلق الآن.
-الآن!!!!
أجل. إنصرف مسرعا في حين بقيت هي تحاول اللحاق به... ماهذا التصرف الغريب... لماذا يتكتم حول كل شيء!
طلب منها أن تأخذ فقط ما يلزمها... ستشتري ملابسها من مكان آخر...
سفر بدون حقيبة! ماهذا ؟
بقي طيلة الطريق منكبا على عمله. يريد إتمام كل شيء بقي عالقا حتى يتفرغ لها لاحقا... لكنها كانت تشعر بالملل... هل هو حقا سعيد؟ هل يعي جيدا أنهما تزوجا منذ يوم واحد؟ كانت ترمقه بنظراتها بين الفينة والأخرى... لكنه لم يكن يشعر بوجودها... أصابها الملل وهي تراقبه مرة، تراقب السائق ذو الملامح الخشبية مرة أخرى، تشاهد الطريق وتعد الأشجار... أغمضت عينيها داخل السيارة كأنها تهرب من شعور دفين بالإهمال...
وصلوا أخيرا بعد ساعات لوجهتهم... نزلت من السيارة وهي تشاهد ضخامة النزل... لماذا لم يخبرها مسبقا؟ لماذا يتكتم حول كل شيء مهما كان بسيطا وتافها؟ أليست زوجته الآن؟
بقيا لحظات في البهو قبل أن يأخذ مفتاح الجناح... تبعته كالعادة... كانا لوحدهما في المصعد.. إقتربت منه ومسكت يده برفق... بقيت يده مفتوحة... لم يستطع النظر إليها... رفعت رأسها ناحيته كأنها تسأله ماخطبه! توقف المصعد و خرج مسرعا بعد أن سحب يده من يدها... تبعته وهي تتساءل عن سبب تهربه منها... دخل بسرعة إلى الجناح و طلب منها أن ترتاح قليلا قبل عودته... بقيت واقفة في مكانها لا تفهم شيئا وهي تشاهده يغادر مسرعا... سمعت صوت المفتاح وهو يغلق الباب خلفه! سارعت للتأكد.. حركت المقبض ... فعلا مغلق! ماهذا الآن؟ هل يسجنها؟!!
لا يمكنها فهمه ... كان يشعر بالخوف وهي تلامس يده .. قلبه كان سينفجر ... لأول مرة تلمسه أنثى... شعر بالتوتر وهي تحاول أن تقترب منه... لطفها الجميل يخيفه... يعشقها كما هي... لكن لا يريد الإقتراب منها... تزوجها لأنها أجمل من أن يتركها لغيره... كأنها جوهرة نادرة يخاف عليها من الجميع... يريد حفظها و إن إستلزم عليه الأمر إغلاق جميع الأبواب والنوافذ عليها...
لارا ليست حبيبة ولا زوجة... لكنها ذلك النور الذي طالما حلم بالإقتراب منه... والآن وقد إمتلكه فسيحميه من كل شيء... سيستأثر وحده بتلك الجميلة ... ربما سترى داخله ذات يوم وتكرهه... هذه الفكرة تزعجه... بل تقتله... لا يريدها أن ترى قبحه... لذلك لا يتكلم...
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...