دخل كالمجنون إلى المستشفى... سابقت خطواته كل معايير الزمان والمكان وهو يركض ليطمئن على شقيقته...
- كيف حالها الآن؟ سأل زوج أخته الذي كان واضحا عليه الإرهاق
- بخير... إنه صبي. لقد أتى قبل أوانه لكنه بخير أيضا..
- وهي؟
- قلت لك أنها بخير... فقط تعسرت ولادتها... المخاض دام ساعات ولم يعد بمقدورها الولادة.
- و؟
- تعلم أنها لم تتمم حملها، لذلك لم تكن العملية خيارا مناسبا بالأول...
- يعني كان من الممكن أن تموت؟
- لا ليس لتلك الدرجة ريان! أرجوك لا تبالغ!
- لا أبالغ! كل ما يهمك الطفل! أما أختي فلا!
- لا تبتدإ من جديد ريان!
- أنت من أجبرها على الحمل!
نبرة التهديد كانت واضحة في صوته... فآثر صهره الإنسحاب وتركه واقفا أمام غرفة زوجته...
حاول تهدئة نفسه قبل الدخول للإطمئنان على شقيقته... كانت شاحبة جدا... إبتسمت وهي تشير بيدها للحاضنة بجانبها "يشبهك..."
نظر إليه وهو يمسك بيد أخته... كان بحجم صغير جدا... لونه وردي و عيونه منتفخة! رفع حاجبه وهو يقترب منه... قبيح !
بقيت أخته تنظر إليه منتظرة منه أي كلمة أو تعليق... كان الحزن واضحا على وجهه... ضحكت وهي تشير له بالجلوس... تعلم جيدا أنه لا يبدي رأيه بأي شيء، أنه دائم الصمت ولن يعلق...- كيف شكلي؟ شاحب أليس كذلك؟
نظر إليها بإستغراب..
- ناولني علبة الماكياج من حقيبتي،
مد لها ما طلبته وبقي يشاهدها كيف تلون وجهها
نظرت إلى وجهها بالمرآة ثم قالت دون أن تلتفت له " قالت لي ذات مرة أنني بشعة"
رفع عينيه إليها متسائلا فأكملت "تلك الحقيرة... أخبرتني أنني أذكرها بأمي لأنني أشبهها كثيرا، شاحبة الوجه مثلها"
إنقبضت يداه و أدار برأسه ناحية النافذة... إبتسمت شقيقته وهي تسأله عن زوجته "لقد حاولت الإتصال بك لتهنئتك لكنك لم ترد"
- لم أنتبه.
- كيف كان الزفاف؟ أخبرني زوجي أن العروس جميلة جداً.
بقي صامتا كعادته...
- لقد تعذر علي المجيء، كنت أود رؤيتها... أخبرني زوجي أنه هنأكما بالنيابة عني.
- سترينها في فرصة أخرى.
- "أرجو ذلك... ريان تعلم جيدا أنني أحبك كثيرا..." إلتفتت ناحية إبنها و أكملت "تماما مثل حبي له... هل بالإمكان أن أوصيك..."
قاطعها متوترا "ستعيشين من أجله... لن تتركيه بدون أم!"
إندهشت لكنها أكثر شخص يفهمه، إستدركت بسرعة "لا لم أقصد ذلك... أردت أن أطلب منك أن تحاول التغيير من نفسك قليلا... أنت تستحق السعادة، فلا تكن سببا في تعاستك"
نظر إليها مطولا... مدت يدها مرة أخرى لتمسك بيده... تحاول طمأنته أنها لن تتركه... وضع يدها على بطنها وهو يغادر... سرعان ما نامت...
وجد صهره بالرواق أمام الغرفة... نظر إليه ببرود وغادر... في حين رفع الأخير كتفيه بيأس و دخل ليطمئن على عائلته الصغيرة...
إتصل بها كثيرا لكنها لا ترد... إتصل بسائقه فأخبره أنهما في طريق العودة إلى المنزل...
كانت تضع النظارة الشمسية حتى تخفي تورم عيناها... فهمت من كلام السائق أنه هو المتصل... بقيت تقضم ظفر إبهامها وهي تفكر أن العودة إلى المنزل قد يكون أسوء خيار... لكنه أفضل من البقاء وحيدة بالنزل أو الذهاب عند والدتها.
وصلت ليلا... دخلت لكن لم يكن له أي أثر بالبيت... لعله لم يصل بعد... أخذت حماما ينسيها آلام النهار ثم ذهبت لتنام... لم يأت... ربما لن يأتي...
بقيت تراقب الثلوج وهي تتساقط كالجمر داخل قلبها المحترق...
تسلل إلى غرفتها... كانت نائمة كطفلة صغيرة... إقترب منها. لاحظ دمعة وحيدة تتلألأ على عينها المغلقة... تألم وهو يمسحها... لا يريد رؤية دموعها... يعلم جيدا أنه سيء... لكنه سيحاول أن يصبح أفضل، فقط من أجلها...
الأمر ليس بيده... لطالما كره نفسه وكرهه الناس... الوحيدة التي أحبته كانت شقيقته... والآن لارا... بقي ينظر إليها وهو واقف في الظلام... بعض النور الخافت المتسلل من النافذة كان ينير جسدها كملاك معذب... سحب الغطاء عليها و غادر الغرفة... فتحت عينيها بعد سماعها غلق الباب وراءه... تشعر بالكسر ... وضعت يدها على عينها وخدها ... هنا مرت يده لأول مرة... هنا مسح أول دموعها...
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...