ودعتها و هي تسلمها الظرف لتوصله إلى ريان...
بقيت إيلين تنظر إليه طيلة الطريق و هي تتساءل بفضول و قلق... وصلت أخيرا إلى البيت حيث وجدت زوجها منزعجا من غيابها...- أين كنت طيلة اليوم؟ هل تدركين أنك خرجتي منذ الفجر و لم تعودي إلا بهذه الساعة المتأخرة؟
لم تنظر إليه... بل توجهت إلى ريان و هي تضع الظرف على صدره قائلة "سافرت إلى أقصى الشمال..."
توتر ريان و إعتدل في جلسته و هو يقلب الظرف بين يديه... ملف الطلاق!
نظر إليها متسائلا "متى عادت؟"
رمقت إيلين باري الذي إدعى تجاهلهم وهو يغادر البيت...
- لا أعرف، منذ وقت قصير على الأغلب... أجابته ببرود و هي تتجه إلى الحمام...
بقي صهره ينظر إليها بقلق... ثم إلتفت إليه قائلا: " لم أكن أعلم أنها ستتدخل بينكما..أعتذر.."
- لا عليك... أجابه ريان بحزن و هو يأخذ الظرف بيده...إستلقى لينام و الألم يعتصر قلبه... بقي ينظر إلى الظرف المغلق بحزن... هكذا إذا... لقد إختارت الطلاق... إختارت التحرر منه و التخلي عنه... لكنه هو من أراد ذلك... لا يعلم سبب هذا الألم الذي يمزق قلبه الآن... يريد حمايتها منه... لكنه يعشقها أكثر من نفسه... زواجه منها كان خطأ فادحا... ليته أحبها بصمت... دون أن يؤذيها بقربه...
في تلك الأثناء، خلدت لارا للنوم... أرهقها التفكير و هي تراجع ذاكرتها... فهمت أخيرا سبب صمته و إنغلاقه و وحدته... فهمت لجوءه لأفلام الكرتون كلما شعر بالخوف أو التوتر... فهمت سبب غرقه داخل دوامة من الألم و الحزن... كيف يعجز عن التكلم... كيف تقف الكلمات حاجزا بينه و بين العالم الخارجي.. كيف لا وهو الطفل الذي ولد منبوذا؟ الطفل الذي فقد كل سند و كبر مع أوجاعه؟
تألمت كثيرا من أجله... نظراته الطفولية مليئة بألف كلمة و نداء... لكنها لم تجد قراءة عيونه جيدا... بكت بندم و حزن شديدين... أحرقتها دموعها... بقيت تحاول إسكات صراخ ضميرها و هي تردد "أنا آسفة... سامحني..."بقي كل منهما يغالب دموعه...
هي... نامت بعد وقت طويل...
وهو... جافاه النوم... طيلة الليل بقي واقفا أمام نافذته يراقب الأفق المظلم... السحب تتسابق لتعلن عن إقتراب العاصفة... إنفجرت السماء فجأة غضبا... كأنها تشعر بالبركان داخله... إرتمى على السرير و الصباح مظلم كسواد السماء... فتح الظرف و عيناه تمطران ألما...
خرج مسرعا و شقيقته تحاول اللحاق به لمنعه من الخروج بهكذا طقس! لكنه كان يركض كالمجنون... قاد سيارته رغم الأنواء والرياح...
في حين كانت هي أمام نافذتها تحاول رؤية العالم بالخارج... كانت الأمطار قوية تنذر بكارثة...
جلست أمام المدفأة و هي تراقب إحتراق الحطب... تماما كما كان قلبها يحترق... بقي القليل من الوقت على موعد الغروب رغم أن للسماء رأي آخر يومها... فقد أعلنته يوما مظلما... ليلا متواصلا...
أخذت حماما دافئا قبل أن تخلد إلى النوم... لكن صوت طرقات خفيفة على الباب أرعبتها...
صرير الرياح منعتها من أن تسمع رد الطارق عليها عندما طلبت هويته... أخذت سلاح جدها إستعدادا للأسوء و فتحت الباب...
إنه هو...بقي واقفا أمامها مبللا بالكامل و مندهشا من السلاح المصوب ناحيته... عيناه لازالتا تحملان عبارات الألم و الإستجداء...
في حين بقيت هي على حالها لبرهة قبل أن تتدارك الأمر... أنزلت سلاحها بسرعة و سحبته من يده إلى الداخل قبل أن تغلق بابها... بإحكام.
بقي واقفا بخجل وهو يحاول النظر إليها... إبتسمت و هي تطلب منه نزع معطفه لتجففه... لكنه كان غارقا من رأسه لأخمص قدميه و يرجف بشدة...
وضع أمامها المغلف قائلا :"ما هذا؟"
نظرت إليه بإستغراب ثم طلبت منه أن يأخذ حماما ساخنا قبل التحدث... جهزت له البعض من ملابس جدها... حاولت كتمان إبتسامتها و هي تراه بذلك الشكل الغريب... لكنها إنفجرت ضحكا و هي تراه يحاول جعل الملابس المتسعة تتناسب معه... كان غارقا داخلها كأنه طفل بملابس رجل...
جلست إلى جانبه وهو يدفيء معدته بحساء ساخن...
نظر إليها وهو يشير برأسه إلى الظرف "لم أفهم قصدك جيدا..."
إبتسمت و هي تخرج قلادته من الظرف... فتحتها برفق و هي تقرأ ما خطته على ورقة الطلاق...
- "لنتحدث"... كان قراري قبل زيارة شقيقتك لي... أعلم جيدا أنك تقبع هناك... لكنني لن أطير بعد الآن إلا و أنت معي...
توتر كثيرا... نهض من مكانه ووقف أمام النار... "هل تدركين ما تفعلين؟ هل أنت مقتنعة بقرارك؟" سألها بخوف و حزن...
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...