الأوقات الجميلة تمضي بسرعة... عادت لبيتها... أو بالأحرى لبيته... لم يكن موجودا! ربما هكذا أفضل!
غيرت ملابسها بسرعة و توجهت إلى المطبخ لتساعد باري... المسكين يكره دخولها إلى المطبخ بسبب الفوضى التي تسببها كل مرة! لكنه يتركها تفعل ما تريد لأنه يرى شعورها بالملل بجانب ذلك التمثال الحجري!
لكن هذه المرة لم تزعجه! إكتفت بأخذ علبة المثلجات والإنزواء قرب النافذة... لا زالت تثلج خارجا!- ستبردين يا إبنتي...
إبتسمت... بوجهها المشرق هذه المرة. لاحظ تغير وجهها وتحسن مزاجها "الواضح أن الوقت مع عائلتك أفادك"
- جدا!
بقيا يتبادلان أطراف الحديث دون أن ينتبها لوجوده بالبيت... كان المطبخ مطلا على البهو أين جلس يقرأ كتابه... هكذا إذا! الإبتعاد عنه يحسن مزاجها!
حان وقت العشاء... جلس كعادته أمامها
- كيف حالهم؟
- بخير! إستغرابها كان واضحا على وجهها... ليس من عادته السؤال!
إرتبك قليلا... لا يعرف كيف يتبادل الحديث معها! لا يجد بعقله موضوعا ملائما... ليترك الأمر!
أكملا عشاءهما بصمت... ككل يوم...
ومر الأسبوع... تريد قضاء نهايته مع والدتها، لكنه أخبرها أنهما مدعوان لحفل خيري...
تجهزت ولم يلحظ فستانها إلا وهي معه بالسيارة... تبا! يعرف أنه هو من إختاره لكنها ستكون الأجمل على الإطلاق بكل الحفل!
وهذا ماحدث فعلا! كانت كالفراشة وهي تعبر الممرات والقاعة... جميلة لدرجة أثارت نظرات الإعجاب والثناء، عبارات المديح والغزل! أزعجه الأمر أكثر مما ينبغي! لم يكن يعلم أنه غيور لتلك الدرجة!بعادته لا يحضر هذا الحفل إلا برفقة مساعديه... هذه السنة الأمر مختلف... يشعر بأنه ليس وحيدا... فزوجته معه... مثلهم جميعا!
إستفرد به معارفه... كانوا يمازحونه كيف دخل القفص أخيرا! كانوا يتوقعون أن يبقى أعزبا إلى الأبد...
في حين بقيت هي واقفة وحيدة... بمكان غريب عنها... مجتمع لا ترى مثيله إلا بالأفلام! كانت تشعر بالإرباك... كأن كل العيون مثبتة عليها...
لم تكن مخطئة... مد لها كأسا "هل تتفضلين بمشاركتي؟" رفعت عينيها لصاحب ذلك الكأس! أشقر ذو عينين حادتين!
إبتسمت معتذرة... نظر إلى يدها وهمس "العالم ليس عادلا!"
- ماذا؟ لم تفهم حقا معنى كلامه
- أرى أن كل الجميلات تم إختطافهن! ثم أشار بلطف إلى الضيوف بالحفل "لم يبقى لي نصيب غير القبيحات"
لم تتمالك نفسها عن الضحك. أسلوبه ساخر جدا...
بقيا يتبادلان الحديث لأكثر من ساعة... عرفها بنفسه، شخص ثري وفاشل على حسب قوله... ربما أفشل إنسان بالمكان كله! إنفجرت ضاحكة... لم تنتبه لصدى ضحكتها وهي تثير إنتباه زوجها... يميزها من ضحكات ألف شخص!
- إنتبه! كازانوفا يغازل زوجتك! همست تلك العجوز في أذنه...
شعر بالضيق وهو يراها تتبادل الحديث معه... كأنها مستمتعة بوقتها! إستغرب أكثر وهو يشاهدها تقبل مراقصته... لم يكن يعلم أنه تحداها... إستفزها حتى تقبل وهو يخبرها أنها لا تجيد المشي بكعب عالي فما بالك بالرقص!
بقيت محافظة على مسافة تفصلها عنه... فهم أنها شخص محترم جدا... يريد فقط صداقتها لا غير... لا نوايا سيئة لديه.... خبرته في العلاقات الخاصة جعلته قادرا على تمييز النساء جيدا... لكن من زوجها؟ من هذا الذي يترك جميلته وحيدة طيلة السهرة!
- عفوا!
توقف و إبتعد ليسلمها لزوجها... حياه بأدب لكن نظرات ريان العدائية جعلته ينسحب محرجا...
مسك بيدها ليكمل الرقصة... لأول مرة يمسكها... شعرت بتوتر و يده على خصرها... لكنه ضغط يدها بقوة... بقيا كذلك للحظات... إنتبه لنظرات البعض لهما... تبا كله بسبب فستانها... ضغط بقوة أكثر وعيناه ناريتان تصبان غضبه في عينيها
- ريان يدي تؤلمني!
لم يسمعها... كان بعيدا عنها... كان يشعر بحروب بدأت لتوها داخله...
- ريان يدي! همست وهي تضغط على شفتيها من الألم... لم يسمعها... كانت قوة يده تحاول إخفاء ضعفه...
صوت فرقعة... توقف فجأة ! إنتبه ليدها التي بقيت كطائر جريح بيده... الدموع تملأ عيناها لكنها تتمالك نفسها...
تركها بسرعة... وقفت ثم توجهت ناحية الباب... خرج وراءها مسرعا...
كانت تبكي بصمت داخل السيارة... لا تريد الإلتفات إليه... عيناها تمطران كما تمطر خارجا...
توقفت سيارته أمام المستشفى! لم تنتبه للطريق...
- لا بأس، لا وجود لكسر، فقط تضرر قشر العظم. داومي على وضع كمادات عليها و لا تقومي بأي نشاط لفترة...
شكرا الطبيب وهما يغادران ...
" إستمتعا بسهرتكما" لوح مبتسما... نظر كل منهما إلى الآخر... لأول مرة ينجح الصمت في قول ما عجز عنه الكلام!توجهت لغرفتها ثم ذهبت لترتاح داخل حوض المياه الدافئة... غيرت ملابسها... تناولت المرهم ثم ربطت الضمادة حول يدها... إبتسمت بسخرية وهي تتذكر رحلته باحثا عن صيدلية لشراء الضمادات والمسكنات... هكذا هو... يكسرك بقوة ثم يحاول تدارك الأمر متأخرا... تجهزت للنوم لكنها إنتبهت لعدم وجود الفستان على السرير! ربما تفكيرها مشوش!
لا! ليس الأمر كذلك! تذكرت خزنتها وهي تبحث عن البيجاما... سارعت لإعادة فتحها... كل فساتينها مختفية!
خرجت من غرفتها مسرعة... إنتبهت لضوء غريب يأتي من الخارج... أطلت من النافذة... لازالت تمطر... لكنه رغم البرد يقف تحت الشرفة أمام حاوية القصدير... والنار تلتهم فساتينها...
بقيت تشاهده من فوق وهو يمسك كل واحد أمامه للحظات... يتخيله عليها... ثم يرميه للنار... لتأكل أحلامه بأنها ستلبسه من أجله... لتحترق أحلامه كما يحترق غيرة...
مسكت رأسها قليلا... لم يعد يهمها شيء... كل الفساتين كانت من إختياره... كانت هداياه لها بأول شهر العسل... لم ترد أي منها... كانت تريد فقط أن يكون لها... أن يشعر بها... لكنه لا يرى جيدا...
عادت لغرفتها لتنام... تاركة إياه داخل محرقته الخاصة...
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...