31

50 6 11
                                    

أصبح يخشى دخولها لعالمه... لا يريدها أن ترى عمقه المظلم... لن يسمح لها بإستدراجه مرة أخرى...
مرت الأيام وهي تحاول إختراق صمته... لكنه كان يبني الأسوار حول نفسه... تحاول جاهدة بكل الطرق، لكن مقاومته أصعب من أن يقدر أحد على إختراقه...
أحيانا تحزن، أحيانا تغضب... و أحيانا تلتزم الصمت لقناعتها بعدم جدوى الكلام...
أصبح المطبخ ملاذها من كل شيء... تستمع لأصوات الأواني و حركة باري... عمال التنظيف يأتون في غيابها... هذا أفضل لها، أصبحت لا تطيق الضجيج...
بيتها هاديء، مكتبها هاديء... فقط وقت الغداء مع ميرا أصبح يصيبها بالصداع أحيانا... الفتاة تثرثر كالنشرة الجوية!
زارت والدتها مرات عديدة... كانت تلاحظ تغير طباع إبنتها... قليلة الكلام... تبتسم أحيانا عوض الرد!
لم يكن بإستطاعة أحد فهم ما يجري... كانت ترتاح فقط عند وصولها لبيتها... تغلق الباب خلفها لتترك ضجيج وسخافة العالم الخارجي وراءها... تعيش مع كتبها و تتحاور أحيانا مع باري... زوجها.... عن أي زوج يتحدثون؟ الأمر أصبح سخيفا... لم يقترب منها ولو لمرة... لا يهم... إستوى الأمر عندها... لا يشاركها حياته الحاضرة، فما بالك بالماضي؟!
تراقب باري كعادتها وهي تخمن... من لا حاضر له فلا مستقبل له... هل يمكنها البقاء إلى الأبد في هذا المكان؟ لا يمكنها الإنفصال... الأمر سخيف... لقد إرتبطت حياتها بشخص ميت... نعم تزوجت جثة على قيد الحياة... هكذا مد القدر يده لها...
لا يهم... ستتأقلم... ستنسى أنه زوجها... لم تعد تشعر بوجوده أحيانا... هل يحزنها ذلك؟ لا تجد جوابا... لا تهتم... ربما لا تدري!
تساوت الدقائق بالساعات بالأيام...
تزعجها والدتها بإتصالها اليومي... لا تجد كلاما لتقوله... عقلها فارغ تماما...
كانت تعلم أن هناك خطب ما بإبنتها... زارتها مرة وحيدة لكن كل شيء يبدو على مايرام! هل مايبدو جميلا بأعيننا يخفي قبحا داخله؟ لا أحد يدري...
حتى لارا لم تكن تدري... رأت بعيونه جمالا لا يمكن مقاومته... تذكرت كلام ميرا وهي تخبرها أنها ستغرق داخل ذلك البئر... لم تستمع إليها... بل خطت ناحية حافته وقفزت بملء إرادتها...
بقيت تحرك الكأس بيدها وهي تشاهد دوران الماء داخله... هكذا ربما غرقت... أم ستغرق!

عاد ريان لبيته

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

عاد ريان لبيته... أخبرها أن تتجهز... لديهما حفل عشاء.
فستان أسود بسيط هذه المرة. عجبا لذوقه! لا يهم، ستذهب معه كزوجة جميلة لأنه يحتاج إلى وجودها جانبه كرفيقة... أو ربما كمرافقة...
كانت الأحاديث سطحية تافهة... لم تقدر على التواصل مع النساء على الطاولة... لاحظ ريان شرودها... ربما شعرت بالملل...
"البيت يعكس ذوق صاحبته، أليس كذلك؟" قالت إحداهن...
- "بلى، وقد يكون نسخة من أرواح متساكنيه!" أجابتها عجوز كانت معهم.
- كيف ذلك؟ سألتها بفضول.
- يعني عندما تدخلين إلى بعض البيوت تشعرين بالحب بين جدرانه، أو بالتفاهم والإنسجام بين الثنائي... أن يختارا نفس الأشياء مثلا، أو أن تضع هي لمستها لتعبر عن نفسها أو أن يقوم هو بإختيار قطعة أثاث أو زينة تعكس مشاعره...
كان ريان يستمع للحوار... ربما كلامهما صحيح... إلتفت إلى زوجته... كانت في عالم آخر! ربما لا تشعر بوجود أحد حولها! عيناها شاردتان بعيدا! إستأذنا وعادا إلى البيت...

 كانت في عالم آخر! ربما لا تشعر بوجود أحد حولها! عيناها شاردتان بعيدا! إستأذنا وعادا إلى البيت

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

كالعادة ينامان منفصلان... كالغرباء تحت سقف واحد... إنتبه باري لذلك بحكم إضطراره أحيانا عدم مغادرة البيت... لكن الأمر ليس من شأنه...
كعادتها تتناول إفطارها وهي تقرأ الجريدة... ذلك أفضل من أن تشاهد ذلك الصنم الجالس أمامها... كان يحتسي قهوته وهو يرمقها بحدة... لماذا لم تغير شيئا من ديكور البيت منذ أن أتت؟ لماذا تركت كل شيء على حاله! أين لمستها بالمكان؟ أين روحها وشغفها؟! أليس هذا بيتها أيضا؟ ألا تهتم بوجودهما معا ؟
أخبرها أن تتجهز للخروج و ذهب لينتظرها بالسيارة... كان الطقس جميلا... في أواخر فصل الشتاء... لقد كان طويلا على غير عادته هذه السنة...
جلست بجانبه... قاد طويلا إلى أن وصلا أمام مركز تسوق... نظرت إليه بإستغراب لكن ببرود بنفس الوقت... ماهذه النظرات الغريبة! أصبح يكره تلك العيون الباردة...
دخلت وراءه إلى محل أثاث وديكور. طلب منها أن تختار مايعجبها... أمضت القليل من الوقت وهي تتجول بين الأروقة... لا شيء يثير إعجابها... كل شيء يتشابه... كل المكان ممل... غادرت المكان ولحقها مسرعا... "ألم يعجبك شيئا؟"
رفعت كتفاها بلامبالاة و جلست داخل السيارة... بقي حائرا وهو ينظر إليها... لم تحاول حتى النظر إليه... أدارت وجهها ناحية النافذة... قاد سيارته والنيران تشتعل داخله. ماخطبها؟!
- هل أنت بخير؟ سألها بإحتراز
- أجل.
غريب أمرها... بقي ينظر إليها كل فينة وأخرى إلى أن وصلا إلى البيت. سبقته بالنزول دون أن تنبس بشفة!
بقي يراقبها قبل أن يعود أدراجه...
عاد بعد فترة قصيرة وهو يحمل معه لوحات لتزيين البيت... جلست تراقبه وهو يعلقها... هل فعلا يهم البيت؟ ألا يرى أنها لا تهتم؟ بل يهمها فقط صاحب البيت! أين هو؟ يعيش معها كطيف تراه لكنه بعيد... بعيد جدا لدرجة أنها قد لا تراه أحيانا...
لازالت تتذكر كسره للمرآة عندما حاولت تغييرها... لا يمكنها الإقتراب من حدوده... تخشى غضبه... فهي لا تعرف ماقد يزعجه أو ماقد يعجبه... أدارت رأسها وهي تشاهد غروب الشمس... الأمر مؤلم... حاولت قدر المستطاع جعله يحبها... جعله يتكلم... جربت كل الطرق لكنه إستنزف طاقتها... حاولت التمسك بحبها له... لكن ذلك الشعور أصبح غريبا... كغرفة مغلقة داخل قلبها... كمكان مظلم، صامت، بارد ومخيف... ككل شيء يحيط بشخصيته... ككل شيء حولها... لم تدرك كيف أصبح عالمها شبيها بدرجة مخيفة لريان...

 لم تدرك كيف أصبح عالمها شبيها بدرجة مخيفة لريان

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
يد القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن