انهت هزان فطورها و وقفت ثم نظرت الى ساعتها و قالت" اووو..اكاد أتأخر على موعدي مع عميد الكلية" ثم نظرت الى ياغيز و قالت" ياغيز..لو سمحت..احضر لي حقيبتي من غرفتي..سأنتظرك في السيارة" رد" حاضر آنستي..حالا" و صعد مسرعا الى الغرفة..فتح الباب فرأى الحقيبة على السرير..تقدم منها و حملها دون أن ينتبه أن مقبض الحقيبة عبارة عن سلسال فضي..ما ان لامس السلسال بشرته حتى شعر ياغيز بأن كفه يحترق و أنّ بشدة من الألم..القى الحقيبة من يده و تنفس بعمق للحظات ثم مرر يده اليسرى على يده المحروقة فاختفت آثار الحرق..حمل الحقيبة من الأسفل من ناحية الجلد و نزل مسرعا الى السيارة..و فور صعوده اعطى الحقيبة الى هزان و قاد السيارة..نظرت اليه هزان لوهلة ثم سألت" ياغيز..هل لي أن أسألك سؤالا؟" هز برأسه و قال" اكيد..تفضلي" صمتت هزان قليلا ثم قالت" ما لون عينيك؟" رفع ياغيز حاجبه استغرابا و رد" و لم هذا السؤال؟" ابتسمت هزان و قالت" لأنني لا أستطيع معرفة اللون..كل مرة أراها بلون مختلف..لذلك سألتك" اخفى ياغيز الاضطراب الذي شعر بابتسامة و اجاب" ازرق ربما..او اخضر..العيون الملونة تبدو مختلفة في كل مرة حسب الثياب التي نرتديها..هذا كل ما في الأمر" اقتربت هزان منه و قالت" هلا نظرت الي لو سمحت" القى ياغيز عليها نظرة سريعة و هو يقول" انا اقود..لن اخاطر بأن نتعرض الى حادث" ضحكت هزان و قالت" معك حق..لكن اتعلم..عيونك تبدو رمادية..لونها غريب و جميل" هز ياغيز برأسه و رد" شكرا لك آنستي" تراجعت هزان الى كرسيها و قالت" ياغيز..اريدك ان تناديني بإسمي..اكره هذه الألقاب التي تطلقها علي..آنستي و سيدتي و ما شابه..نادني بإسمي فقط..اريد أن اسمعك تنطق اسمي" تجهم وجه ياغيز و رد" لقد تحدثنا سابقا في الموضوع و اخبرتك انني.." قاطعته هزان بشيء من الحدة" تمام..فهمت"...
خيم الصمت عليهما طوال الطريق ..هو كان يحاول التركيز على القيادة و هي كانت تتأمله بعيون تعجز عن اخفاء اعجابها و انجذابها اليه..ليته يسمح لها بالاقتراب منه أكثر..ليته يسمح لها بهدم هذه الجدران التي يبنيها بينهما..انجذابها نحوه يجعلها تستغرب من نفسها..لماذا تصر على التقرب منه في حين انها لم تفعل ذلك مع أي شاب تعرفت عليه في السابق..لطالما كان الرجال هم من يركضون خلفها و يطلبون ودها و كانت هي تتدلل و تجيب دعوة هذا و ترفض دعوة ذاك..فمالذي يجعل الأمر مختلفا هذه المرة؟ ليتها تعثر على الاجابة لكي تنجح في فهم نفسها و في تفسير ما يحدث لها..وصلا بعد وقت قصير الى الجامعة..لم يجد ياغيز مكانا يركن فيه السيارة أمام مدخل الجامعة فقالت هزان"لا مشكلة..لندخل الى الداخل و نركنها في موقف السيارت الخاص بالجامعة" ..فعل ياغيز ما طلبته منه هزان و ما ان اوقف السيارة حتى نزلت هزان و هي تقول" انتظرني هنا..سألتقي العميد و اعود سريعا" حاول الاعتراض لكنها اصرت متحججة بأن مكتب العميد في الطرف المقابل لموقف السيارات..مشت هزان نحو مكتب العميد بينما بقي ياغيز واقفا بجانب السيارة..انزلقت الحقيبة من يد هزان و وقعت ارضا و تناثرت اشياؤها هنا و هناك..انحنت لتجمع حوائجها عندما انطلق فجأة صوت فرامل و زمور سيارة تكاد تدهسها..رفعت هزان نظرها نحو السيارة التي تتقدم مسرعة نحوها و قد جمدت في مكانها دون أن تقوى على الحركة..و في اللحظة التالية وجدت نفسها تسحب الى الطرف الآخر من الطريق بعيدا عن السيارة في حركة سريعة و قوية و مباغتة..نظرت هزان الى الرجل الذي كان يحتويها بين ذراعيه..انه ياغيز..هو الشخص الذي انقذها و حماها و الا لكانت دهست تحت عجلات السيارة..خفق قلب هزان بسرعة و شحب وجهها جراء ما حدث..كان عقلها متوقفا لوهلة ثم عاد يحلل ما حدث..تنفست بعمق ثم رفعت نظرها نحو ياغيز و سألت" لكن كيف؟ كيف استطعت انقاذي؟ لقد كنت تقف بعيدا في الجانب الآخر..كيف وصلت الي بهذه السرعة؟ عقلي لا يكاد يستوعب ما حدث..كيف حدث هذا؟" ابعدها ياغيز عنه قليلا ثم اجاب بهدوءه المعهود" انه امر عادي..هل نسيت بأننا نتدرب على هذه الامور؟ يجب أن نكون أسرع من العادي لكي نتمكن من حماية مخدومنا..انت الآن تحت الصدمة..تعالي و اجلسي في السيارة الى أن تهدئي" ...في السيارة..جلست هزان بجانب ياغيز و هي تحاول أن تهدأ من روعها بعد الرعب الذي ألم بها..لحظات كانت تفصلها من جديد عن موت محقق..و من جديد يتدخل أحدهم لإنقاذها من براثن الموت..هذه المرة رأت منقذها و تعرفت عليه..انه حارسها ياغيز الذي أسرع نحوها و سحبها من أمام عجلات السيارة..تلك السرعة الغريبة و العجيبة و التي ايقظت في عقلها الف سؤال و سؤال..نظرت اليه..الى وجهه الهادئ و الخالي من التعابير..ترى ماذا تخبئ خلف هذا الوجه سيد ياغيز؟ ..ملأ ياغيز كأسا بالماء و اعطاه لهزان..لامست اصابعها يده و هي تأخذ الكأس منه..شهقت هزان بصوت مسموع و بدا الاستغراب جليا على ملامحها و سألته مباشرة" ياغيز..يدان باردتين..هل انت دائما هكذا؟" اجاب ياغيز و هو يحاول الا يظهر انزعاجه من سؤالها" لا..ليستا دائما هكذا..انه بسبب ما حدث قبل قليل..يداي تصبحان باردتين عندما اتوتر..هذا كل ما في الأمر" حملقت فيه هزان لوهلة كأنها لا تصدق كلامه..تجاهل هو نظراتها و سألها" كيف اصبحت الآن؟ هل انت بخير؟" اجابت بعد صمت" نعم..انا بخير..لكن هناك أسئلة تضج في رأسي..و يجب أن أجد لها أجوبة" هز ياغيز كتفيه بلا مبالاة و نزل..فتح لها الباب فترجلت ..اصر هذه المرة على مرافقتها الى مكتب العميد..لم تعترض هزان و سارت في صمت..طرقت باب مكتب العميد و دخلت بعد أن سمعت كلمة ادخل..استقبلها السيد مجاهد و هو يقول" أهلا وسهلا آنسة هزان..كيف حالك و كيف حال السيد الوالد؟" صافحته هزان و ردت" شكرا لك سيد مجاهد..انا بخير و ابي كذلك..انه يبلغك سلامه الحار" ابتسم الرجل و اشار اليها لكي تجلس..جلست هزان ثم اخرجت من حقيبتها بعض الأوراق و اعطتها للعميد و هي تقول" سيد مجاهد..هذه اوراقي ..شهادتي و سيرتي الذاتية..اطلع عليها و اعطني اجابتك على طلب التوظيف في الجامعة" تصفح الرجل الأوراق و بدت علامات الاعجاب جلية على وجهه ..صمت قليلا و قال" و ماذا أريد أكثر من هذا..ماجستير في التاريخ..و تربص في جامعة هارفورد ..اضافة الى شهادة استاذ مبرز..أنت اضافة هامة لهذه الجامعة..طبعا انا موافق على توظيفك" ابتسمت هزان و ردت" هذا من دواعي سروري سيدي..و تأكد بأنني سأكون دائما عند حسن ظنك" هز الرجل برأسه و قال" انا واثق من ذلك..مرحبا بك بيننا آنسة هزان..تستطيعين مباشرة عملك من الغد..سأمدك بجدول اوقاتك و اعرفك الى زملاءك" وقف هو و رافقته هزان الى الخارج ..
تحرك ياغيز خلفها و بقي يمشي وراءها..نظر اليه مجاهد و سأل هزان" هل هذا حارسك الشخصي؟" هزت هزان برأسها و اجابت" نعم..أبي يصر أن يرافقني في كل مكان..أتمنى ألا يسبب وجوده أية مشكلة" ابتسم الرجل و رد" لا..بالطبع لا..لكن يفضل ألا يكون موجودا معك داخل المدرج عندما تلقين محاضراتك..او ربما سيكون من الأفضل ان يجلس بالخلف او يقف امام الباب..تستطيعين التصرف بحرية..المهم الا ينزعج الطلاب من وجوده" نظرت هزان الى ياغيز السائر خلفهما و قالت" لا تقلق..لن ينزعج احد من وجوده" ..عرف العميد هزان على زملاءها الأساتذة الذين رحبوا بوجودها و دعوها لشرب فنجان من القهوة معهم في مشرب الجامعة..رافقتهم و جلست معهم فيما بقي ياغيز واقفا غير بعيد عنها..كان يجول بعيونه يمنة و يسرة من تحت نظاراته السوداء و يتفقد المكان..اما هزان فكانت تحتسي قهوتها و تشارك زملاءها حديثهم دون أن تزيح عيونها عن ياغيز..لقد كان يشغل تفكيرها خاصة بعد أن لامست يديه و تحسست برودتهما..عادت بها الذاكرة الى اليوم الفارط عندما سقطت من المرتفع..اليدان اللتان احتواتاها يومها و انقذتاها كانتا باردتين..لقد شعرت بهما..و اذا اضفنا الى هذا سرعته التي لاحظتها اليوم عندما قطع تلك المسافة الكبيرة و حماها من السيارة التي كادت تدهسها فهذا يعزز شكوكها بأن ياغيز كان هو منقذها يومها..لكن كيف؟ كيف يكون انسان بهذه السرعة الفائقة؟ و كيف استطاع انقاذها و الاختفاء فجأة؟ و اذا كانت لديه هذه القدرة الخارقة و الغير طبيعية فلماذا يخفيها عن الجميع و ينكر بأنه يملكها؟ ..التقت عيون ياغيز بعيون هزان التي كانت تتأمله و تطرح الف سؤال و سؤال بنظراتها فأشاح بوجهه بعيدا عنها و هو يحدث نفسه بصوت مرتعش" هزان..لا تفعلي..ارجوك..لا تسألي أسئلة لن أكون قادرا على الاجابة عنها..لا تشكي بي و لا تبحثي خلفي..ابقي بعيدة عني..و لا تهتمي بي..أستطيع حمايتك من كل شيء قد يصيبك و لكنني لا استطيع حمايتك من نفسي..و من نفسك..و من عشيرتي و ابناء جلدتي..ارجوك هزان..انشغلي عني بحياتك و اهتماماتك..و لا تفكري بي..ارجوك"..
![](https://img.wattpad.com/cover/239446261-288-k934801.jpg)
أنت تقرأ
حب من عالم آخر
Romanceقد تصادفكم قصص حب غريبة و مختلفة..و قد تتخيلون حكايا متفردة و نادرة لعشاق يلتقون و يفترقون و قد يجتمعون في النهاية و يكتبون نهاية سعيدة لقصتهما..أما هذه القصة فهي لا تشبه مثيلاتها من القصص..و حكاية الحب هذه لا يمكن لعقولكم أن تستوعبها..لأنها ببساطة...