الفصل الأربعون

1K 41 8
                                    

كان فعلا في وضع لا يحسد عليه..انه يمارس أنانيته بأقصى مفهومها مع هزان..يحبها و يعشقها و يريد أن يكون معها مع علمه بأن النهاية اما أن تكون بانفصالها عنه و مللها من رفضه المتواصل لها ..أو بأن تطلب منه أن يحولها الى مصاصة دماء مثله و بذلك يكون قد قضى عليها و جردها من حياتها..ركض بأقصى سرعته صعودا الى الجبل و نزولا منه لعل ذلك يساعده أن يهدأ و أن يتوقف عن التفكير لكن دون جدوى..عاد بعد وقت طويل فوجد الشباب ملتفين حول النار و أحدهم يعزف على الغيتار و الآخرون يغنون و يصفقون..جلس هو غير بعيد عنهم فاقتربت منه هزان و سألت بصوت خافت" أين كنت؟ لقد قلقت عليك كثيرا" اجابها" ذهبت لسبب تعرفينه جيدا..شعرت بالعطش الشديد و لم استطع أن اقاوم" تمتمت" نعم..اعرف ذلك..لكنك تأخرت كثيرا..هل أنت بخير؟ هل كل شيء على ما يرام؟" هز برأسه و اجاب" لا تقلقي..كل شيء على ما يرام..استمتعي بوقتك" ابتسمت هزان و عادت للجلوس بقرب صديقاتها و هي تفرك ذراعيها من شدة البرد..احضر ياغيز معطفها من السيارة و وضعه على كتفيها..نظرت اليه نظرة ذات معنى كلها حب و امتنان فابتسم و عاد للجلوس مع الحراس..أخذ الشباب يلعبون لعبة الصراحة او الجرأة..و راحوا يطرحون الأسئلة المحرجة او يطلبون من بعضهم البعض القيام بحركات غريبة كتقليد صوت الحيوانات او اختيار صديق او صديقة لتقبيله او الرقص او القفز على ساق واحدة..و حان وقت اجابة جينك على سؤال طرحه عليه احد الأصدقاء و هو " هل تعيش حالة حب؟" نظر جينك الى هزان و أجاب" نعم..أعيش حالة حب..و من أعشقها موجودة هنا الآن" ثم وقف و اضاف مخاطبا هزان" هزان..أنا أحبك..لا أعلم ان كان قلبك خاليا ام به شخص ما..لكنني احبك..و أتمنى أن تعطيني فرصة" نظرت هزان فورا الى ياغيز الذي بدا الغضب جليا على وجهه..ردت هزان بهدوء" جينك..اعتذر..لكنني أراك صديقا فقط..و قلبي به شخص آخر..أتمنى ألا يؤثر هذا على صداقتنا" طأطأ جينك رأسه بحزن لكنه تظاهر بالابتسام و هو يقول" لا تقلقي..سأبقى طوال الوقت الصديق الوفي و لن يتغير شيء بيننا" فرحت هزان بكلامه و تمتمت" شكرا لك جينك" ..حل الليل و واصل الشباب لهوهم و مرحهم و القيام بنشاطات مختلفة لكن هزان كانت ترتعد من البرد رغم ارتداءها لمعطفها و وضعها للقفازات..نظر اليها ياغيز بقلق و اقترب منها و سأل" هزان..هل انت بخير؟ الهذه الدرجة تشعرين بالبرد؟" هزت برأسها و ردت" نعم..أشعر بأن البرد ينخر عظامي" امسكها من يدها و قال" تعالي و اجلسي في السيارة..سأفتح لك نظام التدفئة" تبعته و فعل ما قاله لكن دون جدوى..كان جسد هزان يهتز كشجرة في مهب الريح..

مضت حوالي النصف ساعة دون أن يحدث أي تغيير في حالة هزان..كانت ترتعد من البرد بشدة و كان ياغيز ينظر اليها بعيون قلقة و عاجزة في آن واحد..للحظة تمنى أن يكون شخصا طبيعيا..بشرا عاديا بجسده الدافئ الذي يستطيع تدفئتها اذا احتواها بين ذراعيه لكنه عاجز عن فعل شيء..سمع فجأة صوت طرقات خفيفة على النافذة..التفت ليجد جينك واقفا أمامه..انزل ياغيز الزجاج و سأل بعصبية" ماذا تريد؟" رد جينك و هو ينظر الى هزان" اريد مساعدتها..و انت تعلم جيدا بأنني قادر على ذلك" كانت هزان تختلج بشدة و عيونها مغمضة لذلك لم تنتبه لما يحدث بين ياغيز و جينك..تجهم وجه ياغيز و بقي صامتا لفترة فقال جينك" ياغيز..ليس هذا وقت ترددك..انا و انت نريد مصلحتها..انت عاجز عن مساعدتها و انا قادر على ذلك..لذلك لا اعتقد بأنك سترفض..أليس كذلك؟" طأطأ ياغيز رأسه و رد بصوت مخنوق" افعل ما يجب..المهم أن تنقذها" التف جينك من جهة هزان..فتح الباب و أخذها بين ذراعيه و حملها الى خيمته..وضعها على ارضية الخيمة و فتح ازرار قميصه و نزعه عنه ثم احتوى هزان بين أحضانه..و ما هي الا لحظات حتى صار جسدها دافئا و كأنها كانت تعانق النار الملتهبة و هذا كله بفضل جسد جينك الشديد الدفء..في السيارة..وضع ياغيز رأسه على المقود و قد انهمرت دموعه على خديه..هزان بين احضان رجل آخر..جسمه دافئ و يستطيع مساعدتها و انقاذ حياتها..رجل يفكر بها و يحبها ..و صوت افكاره العالي يصل الى ياغيز لانه يستطيع سماع افكاره..نزل من السيارة مسرعا و دخل الى خيمة جينك..نظر الى هزان التي كانت تنام بسلام مستمتعة بالدفء الذي تشعر به..اقترب من جينك و قال بصوت خافت" هل يمكنك على الأقل أن تتحكم في افكارك تجاه هزان..تعلم جيدا انني استطيع سماعها" ابتسم جينك و رد ببرود" و ما دخلي انا بذلك..انا فقط سعيد لأنني أحتوي المرأة التي أحبها بين ذراعي..و لا يمكنني التحكم لا بسعادتي و لا بخيالي الذي يصور لي أشياء جميلة لا تستطيع أنت فهمها..من أين لك أن تشعر بالدفء او بحرارة جسم عادي؟ لا تلمني ياغيز..كلانا نفهم بعضنا جيدا و نعرف حقيقة احدنا الآخر" جلس ياغيز في ركن الخيمة و بقي يتأمل وجه هزان المحمر من كثرة الدفء..

همس ياغيز بصوت خافت" نعم..أعرف ذلك مع الأسف" سأله جينك بعصبية" لماذا اذا كل هذا الاصرار منك على أن تكون معك..أنت تؤذيها ياغيز..أنت تعلم جيدا بأن البروتوكول بيننا ينص على عدم تعرض احدنا للآخر و على عدم فضح بعضنا أمام البشر..و ينص أيضا على عدم تحويل أي بشري الى مصاص دماء..و الا فإن الاتفاقية تنتهي و نعلن الحرب على بعضنا..لذلك أنت لن تحول هزان..و لن تجازف بإيذاءها و إيذاء عشيرتك..فكيف ستعيش معها اذا حياة طبيعية؟" واصل ياغيز تأمل هزان بعيونه الحزينة و تمتم" لا أعلم..صدقني لا أعلم..أنا أحبها و هي تحبني..لكنني لا أجد أي حل يجعلنا نعيش هذا الحب بصفة طبيعية" قال جينك" اتركها اذا..اختفي من حياتها كأنك لم تكن فيها..افعل شيئا يجعلها تنساك و تعيش حياة طبيعية" نظر اليه ياغيز و قال" فعلت..أنت تعلم جيدا أنني فعلت..و لم يجدي ذلك نفعا..هزان الآن تحتاجني أكثر من أي وقت مضى..و أنا لا أستطيع أن أتخلى عنها..لقد وعدتها بأن أكون دائما معها ..و لن أخلف بوعدي أبدا" صمت جينك قليلا ثم قال" أتفهم هذا..لكن علاقتكما مستحيلة..دعها تختار شخصا يلائمها اكثر منك..أنت تؤذي نفسك و تؤذيها ببقاءك معها..أنت تمنحها املا في علاقة طبيعية و في حياة لن تحصل عليها أبدا..ستصاب بخيبة أمل كبيرة اذا علمت بالحقيقة..و سيكسر قلبها بطريقة سيئة و لن ينجح أي شيء في جبر ذلك الكسر..ياغيز..انقذ نفسك و انقذها..اما اخبرها بالحقيقة أو جبرها على الابتعاد عنك..او اختفي من حياتها بطريقة تصدق معها أنك لن تعود أبدا" سأله ياغيز بعصبية" و ماذا اذا أذت نفسها؟ ماذا اذا حاولت الانتحار كما حدث في المرة الماضية؟ هل ستكون قادرا على منعها او اثناءها عن فعل ذلك؟" حملق فيه جينك لوهلة ثم سأل بقلق" ياغيز..ماذا تقول؟ هل فعلت هزان ذلك متعمدة؟ هل حاولت قتل نفسها؟ ألم يكن ما حدث معها مجرد حادث؟" هز ياغيز رأسه بالنفي و رد" لا..لم يكن حادثا..لقد فعلت ذلك متعمدة لأنها تعلم جيدا بأنني استطيع أن أشعر بالخطر قبل وقوعه و ارادت مني أن أعود و أعتني بها..جينك..اعلم جيدا انك تحبها..لكنها تحبني انا..و حتى اذا وضعت في موقف لكي تختار أحدنا..فستختارني انا بالتأكيد..لذلك لا تخسر صداقتها..لديك مكانة هامة في حياتها..كصديق وفي..حاول أن تحافظ على ذلك..أما انا..فسأحاول أن أجد حلا" صمت جينك و لم يعد يجد كلاما يقوله..كلاهما على حق..و كلاهما لا يستطيع تحمل ايذاء هزان او اصابتها بمكروه..و كلاهما يحبها اكثر من نفسه حتى..و ذلك أيضا لا يغير تلك الحقيقة المرة بأنه لا يوجد حل لقصة الحب المعقدة و المستحيلة هذه..

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن