الفصل التاسع و الثلاثون

1K 36 0
                                    

في الصباح استيقظت هزان على صوت جينك الذي كان يطرق على الباب بإلحاح و يصيح" هزان..أيتها الكسولة..هيا استيقظي..أمازلتي نائمة؟ ..افتحي عيونك و تعالي لتأخذي هديتك الأخرى..هيا..استيقظي" ..تمطت هزان في سريرها و نظرت الى مكان ياغيز الشاغر و علمت بأنه ذهب قبل أن ينتبه أحد لوجوده..أجابت بصوت عالي" جينك..توقف عن الطرق على الباب..انتظرني في الأسفل..انا قادمة" رد جينك" تمام..أنا في الأسفل..لا تتأخري" و ابتعد ..ارتدت هي قميصا أزرق اللون و سروال جينز ممزق على الركبتين و احتذت حذاءا رياضيا ثم نزلت الى الصالون حيث كان جينك جالسا مع ميلدا و فور رؤيته لهزان انتفض واقفا و هو يقول" صباح الخير يا جميلة..و أخيرا استيقظتي..لو تعلمين المفاجأة التي أعددتها لك" ابتسمت هزان و ردت" صباح النور..يستحسن أن تكون المفاجأة على مستوى توقعاتي و الا سأخنقك بيدي هاتين لأنك تسببت لي في الصداع منذ الصباح الباكر بطرقك الملح على الباب" فرك جينك يديه بحماس و رد" لا تقلقي..انها مفاجأة من النوع الذي تحبينه..بما أن اليوم يوم عطلة ..أردت أن نقوم بمغامرة مختلفة عما قمنا به معا في السابق" سألت هزان بنفاذ صبر" ايي جينك..هلا قلت ما هي هذه المغامرة" اجاب جينك" تخييم في الجبل..سيكون يوما رائعا ..لقد طلبت من نيفين أن تجهز لنا بعض الأكل و المشروبات..و انا احضرت معي الخيام و اللحم لكي أقوم بالمشاوي..ما رأيك؟" ابتسمت هزان و قالت" جيد..ستكون هذه المرة الأولى التي أقوم فيها بالتخييم هنا في تركيا..لقد فعلت ذلك في السابق عندما كنت في أمريكا..لكن يبدو بأن الأمر سيكون مختلفا هذه المرة" احضرت نيفين بعض السلال الملآى و وضعتها في الصندوق الخلفي لسيارة جينك الجيب السوداء..دخل ياغيز فجأة و عبس فور رؤيته لجينك..التفت الى هزان و سأل" صباح الخير آنستي..ما هو برنامجك لليوم؟" اجابت هزان" سنقوم بالتخييم في الجبل مع حفلة مشاوي ..لقد جهز جينك كل شيء..و استدعى أصدقائنا المشتركين أيضا..ستأتي معنا على الأكيد ياغيز..أريدك معي" قطب جينك جبينه و تمتم معترضا" و مالداعي لذلك هزان؟ سيكون فريق حمايتي معي و اصدقائنا كذلك..اعتقد بأنه لا داعي لوجود ياغيز معنا" حدجه ياغيز بنظرة ذات معنى اما هزان فقال باصرار" جينك..لو سمحت..وجود ياغيز معي ضروري في أي مكان اكون فيه..لا داعي لاعتراضك..نستطيع الانطلاق الآن اذا أردت" قالت ميلدا" هزان..ابنتي..لا تنسي ان تأخذي معطفك معك و قفازاتك..الطقس في الجبل يكون باردا جدا..انتبهي لنفسك" هزت هزان برأسها و اخذت معها معطفها و قفازاتها و ركبت مع ياغيز في سيارتها..

انطلق ياغيز بالسيارة خلف سيارة جينك ..كان الانزعاج واضحا على ملامحه..لم يقل كلمة واحدة و لم ينظر الى هزان التي كانت تلتهمه بنظراتها..انتظرت أن يتكلم لكنه لم يفعل..قالت"ياغيز..ماذا حدث؟ لم أنت صامت هكذا؟ هل هناك ما يزعجك؟" تأفف ياغيز بضيق و رد بعصبية"و هل هناك غير ذلك المتطفل يزعجني؟ انه جينك..ألا يوجد حد لذلك الوقح؟ البارحة حفل و هدايا..و اليوم تخييم و جبال و لا أعلم ماذا..صرت عاجزا عن تحمله و عن تحمل حركاته الكريهة التي سببها معلوم" سألت هزان من جديد بنبرة تهكم لكي تغيظه" و ما سببها يا ترى؟" نظر اليها ياغيز بغضب و تكلم و هو يجز على أسنانه" و كأنك لا تعرفين؟ هزان..لا تفقديني صوابي..انه يحاول لفت انتباهك و ارضاءك بكل الطرق الممكنة..ذلك الغبي يعشقك" اقتربت منه هزان و همست" و انا أعلم ذلك..و لا يعنيني..أتغار منه أنت؟" ضغط ياغيز على المقود بكلتا يديه و رد" طبعا اغار عليك منه..أغار عليك من الجميع..و من كل شيء..و من حقي أن أغار عليك..أنت حبيبتي أنا..و أنا من يجب أن أعتني بك و أحقق احلامك و أفعل كل الأشياء التي تحبينها" لامست هزان وجهه بأصابعها و قالت" طبعا معك حق..لكنني اعشقك انت..و أحبك انت..و لا أهتم لأي رجل آخر غيرك..ألا يكفيك هذا؟" طأطأ ياغيز رأسه و بدا الحزن في عينيه و هو يقول" يكفيني..لكنني أخاف..و لا أستطيع أن أتجاوز هذا الخوف بأن يأتي ذلك اليوم الذي أخسرك فيه و الذي ستختارين فيه شخصا طبيعيا و علاقة طبيعية..فبالنهاية لا ارى نفسي لائقا بك هزان..انا.." قاطعته هزان بقبلة خفيفة على فمه و أسكتته..ابتسم ياغيز اما هزان فقالت" اياك أن تكرر هذا الكلام و الا سأغضب منك و أضربك بقوة في المرة القادمة..هل فهمت؟" هز ياغيز برأسه و تمتم" فهمت"..

وصلا بعد حوالي الساعة الى جبل في منطقة جبلية رائعة تحيط بها المساحات الخضراء من كل جانب و على الطرف الآخر توجد عين ماء رقراقة تسيل منها المياه الباردة و ترتطم بالصخور الموجودة أسفل منها..كان هناك مجموعة من الشباب و البنات موجودين هناك و قد نصبوا الخيام و وضعوا الطاولات و الكراسي و أشعلوا النار..أوقف ياغيز سيارته فترجلت هزان و اقتربت من أصدقائها تصافحهم و تتحدث اليهم..انزل جينك ما يوجد في صندوق سيارته و اهتم بنصب الخيام..بقي ياغيز لبعض الوقت في السيارة يراقب ما يجري ثم ترجل و انظم الى طاقم الحراسة الذين كانوا جالسين و يحتسون القهوة..فتح جينك الأغاني الصاخبة في هاتفه و صاح بصوت عالي" شباب..هيا الى الرقص..لا اريد أن أرى أحدكم جالسا..لقد جئنا الى هنا لكي نقضي يوما مميزا..لنجعله كذلك" ثم سحب هزان من يدها و راح يرقص معها صحبة رفاقهم الآخرين..كانت واقفة و تصفق لهم فقط..أما عيونها فكانت متعلقة بياغيز..و كان هو يراقبها من بعيد و الخوف يملأ عيونه..هذه الحياة التي تستحق أن تعيشها..حياة طبيعية بكل تفاصيلها..بمرحها و حزنها..بمغامراتها و حماسها..بغناءها و رقصها..بجنونها و هدوءها..و ليست تلك الحياة التي لا تشبه الحياة في شيء و التي يعدها هو بها..كان يعلم جيدا بأنها لن تكون قادرة على عيش حياة طبيعية كهذه و هي معه..سيبقى هو على حاله و في نفس السن اما هي فستهرم و تشيخ و تنطفئ هذه الحيوية لديها و يختفي هذا الحماس..لن يكون قادرا على الزواج منها و انجاب أطفال لأن الطفل الذي سينجبانه لن يكون طفلا طبيعيا..بل سيكون خطرا عليها و على حياتها..سيضطر أن يتخفى عندما يكون اليوم مشمسا و لن يستطيع الظهور معها في أي مكان عام..ستظل تطلب منه اقامة علاقة جسدية معها و لن يكون هو قادرا على ايجاد حجج لرفض ذلك لأنها لن ترضى..هي لا تعلم بأن العلاقة بينهما ستكون مؤذية لها و لن تكون قادرة على تحملها الا اذا كانت مصاصة دماء مثله..ستصر عندئذ أن يحولها و لن يقبل هو ذلك طبعا لانه سيكون قد قتلها و سرق منها روحها الى الأبد لكي تكون جثة باردة مثله..بلا حياة..و بلا هدف..طأطأ ياغيز رأسه حزنا و هو يمسك فنجان القهوة الذي لا يقدر حتى على تذوقه..راح جينك و رفاقه يجهزون المشاوي فيما انشغلت الفتيات بتقطيع السلطة و تجهيز العصائر و المشروبات..رفعت هزان عيونها نحو ياغيز لكنه لم يكن في المكان الذي كان جالسا فيه..نظرت يمنة و يسرة لكن دون جدوى..رجحت بأنه قد يكون عطش و ذهب لاصطياد أي حيوان و شرب دمه فقررت أن تترك له بعض المساحة لكي يفعل ذلك دون حرج منها..أما هو فاختفى خلف الجبل و راح يصيح بأعلى صوته..

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن