رفع ياغيز عيونه نحو السماء و صاح بأعلى صوته" لماااااااذا؟" ..لعن نفسه..و لعن هذه الحياة التي لم تعطه يوما ما يريد..لعن قدره الأسود الذي جعله يجتمع بالمرأة الوحيدة التي عشقها في ظروف غير عادية أجبرته على التخلي عنها..اخفى وجهه بين يديه و تنهد بحرقة..جمد لبعض الوقت في مكانه ثم وقف و اخذ يركض مسرعا نحو قصر الظلال..يجب أن يخبر عشيرته بأنه فقد هزان الى الأبد و يجب أن يكون مقنعا جدا في مواجهتهم و في مواجهة المجلس..تلك الطريقة الوحيدة التي تضمن حمايته لهزان منهم و نسيانهم لمسألة تحويلها..وصل بعد لحظات الى القصر و ما ان دخل حتى اعترضته هوليا و سألته بقلق" ياغيز..هل صحيح ما سمعته؟ كيف حدث هذا؟ معقول؟ هزان؟ و أنت أين كنت؟ كيف لم تحميها؟" انهار ياغيز على الأرض و تمتم بصوت مخنوق" نعم..مع الأسف..لقد خسرتها الى الأبد..لا أكاد أصدق..هزان ضاعت مني الى الأبد..لا أريد أن اعيش من دونها..لا أريد..لقد حدث كل شيء فجأة..اصرت على العودة لوحدها الى المنزل..و تأخرت في اللحاق بها..انهارت السيارة في الهاوية و اشتعلت فيها النيران..لم أستطع انقاذها..لم أقدر على حمايتها..لقد ذهبت الى الأبد..هوليا..قلبي يتمزق اربا من حزني..الكون كله إسودّ في عيوني..آااااااه هزان..كيف لي أن اعيش من دونك" و راح يبكي بحرقة..سمع كمال صوته فنزل مسرعا من أعلى و ما ان رأى حالته تلك حتى رفعه من على الأرض و احتواه بين ذراعيه و عانقه بشدة..و راح يربت على ظهره و يحاول التخفيف عنه..لامست هوليا ذراعه و شاركته حزنه مع أنها كانت تشعر بداخلها بأن ثمة امر خفي في الموضوع..لم يسبق لنبوءتها أن كذبت ..و هي واثقة بأنها رأت هزان تتحول و تصبح واحدة منهم..لكن حالة ياغيز التي تقطع القلب جعلتها تقتنع بأن حدسها خانها هذه المرة و بأن الموت سبق الى هزان قبل أن يتمكن ياغيز من تحويلها..بعد لحظات..هدأ ياغيز قليلا و جلس قبالة كمال الذي قال" ياغيز..بني..لا تحمل نفسك أكثر من طاقتها..لم يكن بيدك أن تفعل شيئا..الموت يسبق أحيانا و ينتصر..و لا نستطيع نحن أن نحاربه و لا أن نتغلب عليه..اتفهم حزنك الكبير..لكن الحياة تستمر و.." قاطعه ياغيز بعصبية" حياة؟ عن أية حياة تتحدث؟ عن هذا العذاب اليومي الذي اعيشه؟ عن هذا العقاب الأزلي؟ هزان كانت السبب الوحيد لتحملي لهذه الحياة التي لا تشبه الحياة في شيء..أما الآن فلم يعد هناك ما يقنعني بالبقاء على قيد الحياة..سألتقي بالمجلس غدا لكي اخبرهم بموت هزان و لكي اطلب منهم انهاء حياتي" انتفض كمال واقفا و صاح به" لا..لن تفعل..المجلس سيطلب التصويت و نحن سنرفض..لن نسمح لك بأن تموت.."
نظر اليه ياغيز و رد" لأنكم أنانيون..و تريدون اجباري على مصير سئمته و كرهته..ارحموني و دعوني ألتحق بحبيبتي..لقد تعبت..أقسم أنني تعبت" و صعد الى الأعلى لينزوي بنفسه في غرفته..في جزيرة رودوس المتاخمة للحدود اليونانية..و في منزل صغير يقع بجانب البحر..وضع جينك هزان على سريرها و وقف بجانب السرير منتظرا أن تفتح عيونها..رن هاتفه فخرج الى الشرفة و تجهم وجهه و هو يرى اسم ميلدا على الشاشة..رد" نعم ميلدا ابلا" سألت المرأة بصوت خنقته العبرات" جينك..بني..هل علمت بما حدث؟ لقد ذهبت هزان..لم اعلم كيف حدث ذلك..المصائب تتلاحق على هذا القصر..أقسم بأنني اكاد أجن..كيف اختطف الموت فتاة كالوردة مثل هزان..لقد تركتني لوحدي..آااااه جينك..لقد بقيت لوحدي" رد جينك" ميلدا أبلا..لا أعلم ماذا أقول لك..لقد علمت بالخبر قبل قليل..و انا نفسي لا اكاد اصدق..المشكلة انني مسافر الى خارج تركيا..و لن اكون قادرا على التواجد معك..أتمنى أن تعذريني..قلبي معك..و حزني لا يوصف على فراقها..سآتي في اول فرصة و سنتحدث..لن أتركك لوحدك" تمتمت المرأة" شكرا لك بني..الى اللقاء" انهى جينك المكالمة و تنهد بحرقة..لم يكن قادرا على اخبارها بالحقيقة و اطفاء نارها المشتعلة..يجب أن يرى الجميع بأن الحزن يلف القصر و بأن الجنازة حقيقية بمشاعرها و حزنها و كل شيء..و عندما تنصرف الأنظار عن القصر و عن هزان..سيخبر ميلدا و يحضرها الى هنا لكي تبقى مع هزان..سمع صوتها من الداخل تنادي بأعلى صوتها" اين أنا؟ من هناك؟ هل أنا لوحدي هنا؟ أين ميلدا؟ أين الجميع؟" دخل مسرعا و وقف امامها و رد" هزان..اهدإي..هل عرفتني؟" نظرت اليه و اجابت" جينك..ماهذا السؤال السخيف؟ طبعا عرفتك..لماذا تسألني؟ مالذي حدث لي؟ أين نحن؟ أين ميلدا؟ لماذا لسنا في القصر؟" جلس جينك بجانبها و قال" ارتاحي الآن و سأخبرك بكل شيء" ..أمام المجلس..وقف ياغيز بثبات و الحزن باد على وجهه..اخبرهم بما جرى و بدا عليهم الشك في كلامه..اقترب زعيمهم و امسك بيده لكي يعرف فيما يفكر ..ركز هزان تفكيره على حزنه الحقيقي و على خسارته لهزان..فالتفت الزعيم الى شركاءه و قال" انه يقول الصدق..و حزنه حقيقي..اكاد اشعر بقلبه يتمزق من الحزن و الأسى"..
حدق ياغيز في زعيم المجلس و قال" أيها السادة..لدي طلب لو سمحتم" زم الزعيم شفتيه و سأل" و ما هو؟" رد ياغيز متجاهلا نظرات كمال الذي يحاول أن يثنيه عن رغبته" أريد أن تنهوا حياتي..لقد فقدت حبيبتي الى الأبد و لم يعد لدي سبب يجعلني أتمسك بهذه الحياة..أتمنى ان تحققوا لي هذه الرغبة..و سأكون شاكرا لكم" نظر الزعيم الى كمال و سأله" و ما رأيك أنت كمال؟" تقدم كمال خطوة و رد" ايها السادة..ياغيز شخص مميز و له مواهب و هبات خاصة جدا و لا يجوز أن نفقده..أنا شخصيا ضد هذا الطلب" قال الزعيم يؤيده" صراحة و أنا ايضا ضد هذا الطلب" قال ياغيز معترضا" لكنني كرهت العيش و لم أعد قادرا على تحمل هذا العقاب المسمى حياة..أرجوكم..ارحموني و انهوا حياتي" صمت الزعيم قليلا ثم قال" سنلجأ الى التصويت كما جرت العادة و سيكون عليك أن ترضى بقرارنا النهائي ياغيز..من يوافق على طلب ياغيز بانهاء حياته يرفع يده أيها السادة" لكن احدا لم يرفع يده و لم يوافق على الطلب..هز الزعيم برأسه و قال" سيد ياغيز..لقد قوبل طلبك بالرفض..و أتمنى أن تتقبل ذلك..و ألا تقدم على أي عمل متهور..تستطيعون الانصراف" حاول ياغيز الاعتراض لكن كمال منعه و سحبه من يده الى الخارج..في رودوس..صمتت هزان مطولا بعد ان سمعت كلام جينك ..ثم رفعت رأسها و قالت" هذا يعني بأن حياتي مهددة من المجموعة الارهابية التي قتلت ابي..و انت دبرت قصة موتي و مجيئي الى هنا لكي تحميني منهم..أليس كذلك؟" هز جينك برأسه و رد" نعم..هذا ما حدث..و اضطررت أن اخفي الأمر عن ميلدا لكي يقتنع الارهابيون بأن موتك حقيقي..يجب أن يتأكدوا بأن الجنازة حقيقية و بأن الحزن حقيقي..هزان..حمايتك واجبي و تقع على عاتقي..انت امانة والدك المرحوم لي" تجهم وجه هزان و بدت تفكر بعمق ثم سألت و هي تشير الى القلادة الغريبة التي تزين جيدها" و هذه؟ ما قصتها؟ لماذا تبدو لي غريبة و توحي بقصة خفية؟" اجاب" لا تبالغي..انها مجرد قلادة اعجبتك في سوق الأنتيكا و اصررت على اقتناءها..لا بد بانك نسيت" زمت هزان شفتيها و قالت" غريب..لماذا لا اتذكر عنها شيئا" وقف جينك و قال" المهم هزان..سنقضي فترة جيدة هنا..تستطيعين الخروج و الذهاب اينما تريدين ..لكن ليس خارج الجزيرة..لن نغادرها الا عندما نتأكد بانك بأمان"..
أنت تقرأ
حب من عالم آخر
Romanceقد تصادفكم قصص حب غريبة و مختلفة..و قد تتخيلون حكايا متفردة و نادرة لعشاق يلتقون و يفترقون و قد يجتمعون في النهاية و يكتبون نهاية سعيدة لقصتهما..أما هذه القصة فهي لا تشبه مثيلاتها من القصص..و حكاية الحب هذه لا يمكن لعقولكم أن تستوعبها..لأنها ببساطة...