الفصل الخامس و العشرون

1K 44 0
                                    

جمدت هزان في مكانها و ضغطت بأصابعها على الكتاب الذي بين يديها..كانت تنظر في الفراغ و عقلها يستذكر كل موقف غريب تعرضت له و أثار شكوكها حول ياغيز ..جسده البارد طوال الوقت..سرعته الفائقة..احساسه اللافت بالخطر و بتلك الرجة الأرضية التي حدثت هنا في الجامعة..و ذلك اليوم عندما انقطع بها الحبل و هي تتسلق الجبل و كادت تقع أرضا..صارت ترجح بأن يكون هو منقذها..لكن أيعقل ان يكون هذا الرجل الذي أحبته و انجذبت اليه دون تعقل أو مقاومة هو في الحقيقة وحش يعيش على الدماء ؟ لكن لا..لقد رأته بعينها يأكل الطعام..نعم..لقد تذوقه من يدها هي..و احتسى النبيذ ايضا..كانت زجاجة نبيذ كاملة..او ربما كانت دماء..لا..هذا غير منطقي..مصاصو الدماء شخصيات خيالية لا وجود لها على ارض الواقع..قد يكون ياغيز رجلا ذا هبات ربانية تجعله مختلفا عن باقي الرجال..قد يكون متدربا بطريقة جيدة لكي يكون سريعا و متحفزا و لكي يشعر بالخطر قبل وقوعه..هزت هزان رأسها بعنف و كأنها تطرد منه ذلك الاحتمال البغيض بأن يكون ياغيز مصاص دماء..حملق فيها طلبتها و في وجهها الشاحب و تصرفاتها الغريبة و سألت احداهن" استاذتي..ماذا نفعل الآن؟ هل هناك وثائق تكميلية نقوم بنسخها؟" انتبهت هزان من شرودها و اجابت" نعم..هناك درس تكميلي..سأعرضه لكم الآن على اللوح الرقمي" و اخذت تعرض الوثائق و الفيديوهات على اللوح الرقمي فيما انشغل الطلبة بأخذ ملاحظات و معلومات اضافية..و ما ان انتهت المحاضرة حتى خرجت هزان مسرعة و هي تسحب نفسا عميقا و تغمض عينيها..سمعت صوت ياغيز يسأل بقلق" هزان..هل انت بخير؟" انتفض جسدها بقوة و حملقت فيه بعيون ملأتها نظرات الشك..قطب جبينه و وضع يده على كتفها عندما لاحظ نظراتها الغريبة ثم سأل من جديد" هزان..لماذا تحملقين في هكذا؟ هل انت بخير؟" تراجعت هزان خطوة الى الوراء و اجابت بصوت مرتعش" انا بخير..لقد شردت قليلا..سأذهب الى الكافيتيريا..أنا بحاجة الى قهوة ساخنة" ابتسم ياغيز و قال" تمام..هل تريدين أن ارافقك او تفضلين ان انتظرك هنا؟" مشت مبتعدة و هي تقول" ابقى هنا..أريد أن اكون لوحدي" راقب ياغيز ابتعادها بقلب منقبض و عيون خائفة..يخشى أن يكون ابتعادها هذا عنه بداية النهاية و تمهيدا لخسارته لها الى الأبد..لا بد أن الطلبة قد جمعوا معلومات حول مصاصي الدماء و انها بدأت تشك به و تبحث عن أجوبة لأسئلتها..لا يستطيع أن يمنع هذا..من حقها أن تشك به و من حقها أن تعلم حقيقته و من حقها ايضا ان تختار ان كانت ستبقيه في حياتها أم ستطرده منها..مرر يده خلال خصلات شعره بعصبية و مشى نحو الكافتيريا...

وقف ياغيز بجانب النافذة يراقب هزان التي كانت تضع رأسها بين يديها و أمامها فنجان قهوة يتصاعد البخار منه..نظر اليها بعيونه العاشقةو العاجزة..ليته يستطيع فعل شيء..ليته يستطيع التخفيف عنها و مواساتها و تكذيب كل شكوكها و مخاوفها..ليته يستطيع أن يحتويها بين ذراعيه بحنان و يطرد عنها كل الخوف و القلق و الألم..لكنه عاجز عن فعل ذلك..لا هو اختار حقيقته هذه..و لا هي اختارت أن تقع في حبه..ما حدث كان أقوى من كليهما..و لا يستطيعان تغيير الحقائق و الوقائع..تعب عقل هزان من التفكير و صارت تنظر الى البخار المتصاعد من فنجان قهوتها الساخن كالبلهاء..تحرك الفنجان دون أن ترفعه الى شفتيها..تغمض عيونها و تتذكر كل لحظة جميلة جمعتها بياغيز..عناقهما..قبلاتهما..خوفه عليها..حمايته الدائمة لها..شعور الأمان الذي يمنحه لها..كيف يمكن أن يكون هو نفس هذا الرجل الذي تخشى اكتشاف حقيقته الآن؟ لقد نامت بين ذراعيه ليلة بأكملها..دون أن تخاف أو تخشى شيئا..أيعقل ان يكون في الحقيقة وحشا مخيفا و بلا روح؟ رفعت هزان عيونها الى الأعلى و كأنها تطلب من الله ألا تكون شكوكها حقيقية و أن يكون ياغيز مجرد رجل عادي تستطيع أن تحبه دون خوف..تستطيع أن تعيش معه علاقة طبيعية دون قلق..لكنها تذكرت فجأة كلامه هو..لقد حذرها هو من نفسه و من الاقتراب منه..لقد قال بأنه رجل خطير و ليس كما تظنه..و طلب منها الابتعاد عنه..أترى كان هذا هو مقصده ؟ أتراه كان هذا سبب ابتعاده عنها و هربه منها؟ تأففت هزان بضيق و أخذت تمرر يدها على عنقها بعصبية..احتست قهوتها على مهل و هي تحاول أن تطرد تلك الأفكار السوداء من رأسها..رغم صعوبة الأمر و استحالته في بعض الأحيان..بعد دقائق..خرجت من الكافتيريا فرأت ياغيز واقفا هناك بانتظارها..بقيت تنظر اليه للحظات..ثم قالت" لا محاضرات أخرى لدي اليوم..لنعد الى المنزل" هز ياغيز برأسه و هم بالتحرك لكنه توقف و التفت اليها و هو يسأل من جديد" هل انت بخير؟" ردت هزان بعصبية" كم مرة علي أن أخبرك بأنني بخير..لنعد الى المنزل لو سمحت" و مشت امامه مسرعة دون ان تلتفت وراءها..في الجزء العلوي من الجامعة كان هناك أشغال اعادة اعمار بعد الرجة الأرضية العنيفة التي حدثت منذ أيام..لم تنتبه هزان الى قطعة الآجرّ الكبيرة التي انفلتت من يد العامل و كادت تسقط على رأسها لولا تدخل ياغيز و جذبه لها بين ذراعيه و هو يتراجع بها الى الخلف بأقصى بسرعة..حملقت هزان في ياغيز ثم في قطعة الآجر التي وقعت على الأرض و قلبها يكاد يغادر صدرها..هاهو يتدخل كعادته و بسرعته المعهودة لكي ينقذها من خطر محدق..أيعقل ان يكون هذا الرجل خطرا؟..

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن