استلقت هزان على الكرسي الطويل قبالة صديقتها سناء و راحت تقص عليها حكاية الحادث الذي تعرضت له و قصة الموت المفبرك و فقدانها الجزئي للذاكرة..راحت سناء تطرح عليها بعض الأسئلة عما تريد تذكره بالتحديد..كانت اجابتها محددة و واضحة و تتلخص في إسم ياغيز..ذلك الرجل الذي يشغل تفكيرها و يقتحم أحلامها و منامها و يقظتها..قالت سناء" هزان..أغمضي عيونك و تحدثي عن ياغيز..عن افكارك حوله..و مشاعرك..و كل شيء تريدين قوله..تفضلي" ..أغمضت هزان عيونها و قالت بصوت مضطرب" لا أعلم صراحة..ياغيز..مجرد ذكر إسمه يجعل نبض قلبي يتسارع و دمي يغلي في عروقي..أشعر بأنه منتهى كل حياتي و مختصرها..أريد أن أتذكر كل شيء يخصه..تفاصيل علاقتي به..أن أفهم لماذا أعجز عن تذكره هو بالذات..لماذا اختفت كل تفاصيل علاقتي به من ذهني..أريد أن أستعيد هذا الشعور الرائع الذي حدثتني عنه هوليا و أن أعيش من جديد كل المشاعر الجميلة التي جمعتني به..عام كامل مضى لم استطع أن افتح فيه قلبي لأحد..لم أسمح لنفسي أن أعيش أية علاقة مع أي رجل و كأن قلبي مختوم بإسمه..ياغيز..عنده يبتدأ كل شيء..و عنده ينتهي كل شيء..أتمنى أن يستعيد عقلي كل شيء يتعلق به" قالت سناء" حاولي أن تصفي ذهنك و أن تركزي أفكارك عليه هو..و أخبريني بما سيخطر على بالك..أية صورة أو كلام..أخبريني بكل شيء" فعلت هزان كما طلبت منها لكن رأسها آلمها بشدة و مع كل محاولة لها لكي تتذكر كان رأسها يؤلمها أكثر و تشعر بأنه سينفجر..الى أن صارت تصرخ من الألم و هي عاجزة عن فتح عيونها..دخلت في حالة وجع هستيرية و فشلت كل محاولات سناء لجعلها تفتح عيونها ..فقدت هزان الوعي و شحب وجهها بشدة..أخذت سناء الهاتف و همت بالاتصال بالإسعاف عندما انفتح الباب فجأة و دخل منه شاب طويل و وسيم و يرتدي قميصا و سروالا باللون الأسود..حملقت فيه سناء و صاحت به" من تكون انت؟ و كيف تسمح لنفسك بالدخول الى هنا دون إذن" نظر الشاب الى هزان و رد بجدية" أنا ياغيز الذي تحاول هزان تذكره..سآخذها من هنا..لا تتصلي بالاسعاف..أنا سأحل الأمر" هزت سناء رأسها بشدة و قالت بعصبية" ماذا تقول يا هذا؟ مستحيل..انها مريضتي و أنا مسؤولة عنها..لم أفهم لماذا حدث معها هذا..فشلت كل محاولاتنا لكي تتذكر ثم آلمها رأسها بشدة و فقدت الوعي..سأتصل ب.." قاطعها ياغيز بعنف قائلا" لا..لن تفعلي..أنا سبب فقدانها لذاكرتها..و أنا امنعها من تذكر كل شيء يخصني..هذا الأفضل من أجلها..سآخذها و أذهب..اطمئني..ستكون بخير"...
رفضت سناء قطعيا أن يأخذ ياغيز هزان و يذهب دون أن ترافقه لكي تطمئن عليها..فتحت سناء سيارتها و ركب فيها ياغيز و هو يحتوي هزان بين ذراعيه و يريح رأسها على كتفه..انطلقت سناء بالسيارة و سألت" الى أين ستأخذها؟" اجاب" الى منزل صديقنا جينك الذي يقع في اوسكودار الشارع الخامس و الثلاثون" لمعت نظرة غريبة في عيون سناء و أومأت برأسها بالايجاب..طوال الطريق كان ياغيز يداعب وجه هزان بأنامله و يقبل جبينها بشفاهه الباردة..كان يتأمل تفاصيل وجهها الذي يحبه و يعشقه و يتمتم بصوت خافت" أنا آسف حبيبتي..أعتذر..لم أكن أقصد أن أؤذيك..أنا أحميك فقط..اشتقت اليك..و الى رائحتك..و الى كل تفاصيلك الرائعة..أحبك هزان..أحبك كثيرا" و كانت سناء تراقبهما من خلال النظر في المرآة المعلقة أمامها..وصلوا بعد دقائق الى المنزل فأخرج ياغيز المفتاح من حقيبة هزان و فتح الباب..دخلوا و وضع هو هزان على الأريكة ثم جثى بجانبها على ركبتيه و راح يمرر أصابعه على خصلات شعرها..سألت سناء بقلق" و ماذا ستفعل الآن؟ اذا تواصل فقدانها لوعيها ستقع في خطر دخولها في غيبوبة..ان كنت ستتصرف فأسرع و إلا .." قاطعها بعصبية" اصمتي لو سمحت..أخبرتك بأنني سأتصرف" همت سناء بأن تجيبه عندما فتح جينك الباب و دخل و ما ان رأى ياغيز جاثيا بجانب هزان حتى سأل" ياغيز؟ ماذا تفعل هنا؟ ما بها هزان؟ ماذا أصابها؟" اجابه ياغيز" عرفت من هوليا من اكون و ما عشناه في السابق فصارت تبحث عن طريقة تسترجع بها ذاكرتها المفقودة..و ذهبت الى الدكتورة النفسية..الآنسة الواقفة هناك ..و راحت تستقوي على عقلها و ترهقه لكي تتذكر ففقدت الوعي و أنا أعمل على ايقاظها" التفت جينك نحو سناء و جمد في مكانه و راح يحملق فيها بعيون جاحظة ثم سأل بحيرة" سناء..ماذا تفعلين هنا؟ مالذي جمعك بهزان؟" سألهما ياغيز بعصبية" هل تعرفان بعضكما؟" هز جينك برأسه و اجاب" نعم..أعرفها..سناء رفيقة طفولتنا..و تنتمي الى عشيرتي..يعني تستطيع التصرف أمامها دون قلق" جذب جينك سناء من يدها و خرج معها الى الشرفة..أما ياغيز فوضع يده على رأس هزان و راح يتلو بعض التعويذات فانتفض جسد هزان بشدة و فتحت عيونها و ما ان رأت ياغيز حتى لامست وجهه و سألت بقلق" أهذا انت فعلا؟ كيف حدث هذا؟ كنت أبحث عنك بين دفاتر الماضي..كنت أحاول أن أتذكرك..أرجوك..لا تختفي..أريد أن أعرف منك أنت كل التفاصيل..أريد أن أفهم سبب فقداني لذاكرتي..أريد أن أتذكر كل شيء يخصك..أرجوك..لا تذهب من جديد و تتركني" و أمسكت يديه بقوة و كأنها تخشى ان يختفي و ألا تنجح في رؤيته من جديد..
أمسك جينك يدي سناء و قال بنبرة سعادة" سناء..لا أكاد أصدق بأنني أراك أمامي بعد كل تلك السنوات..أين اختفيت؟ أيعقل بأن تكوني هنا في تركيا و لا نلتقي؟" ابتسمت سناء و ردت" لقد كنت أدرس في أمريكا..هنا التقيت من جديد بهزان و تواصلنا لفترة جيدة..أنهيت دراسات عليا هناك لكنني قررت ان اعود الى تركيا و أفتح عيادة..و عندما عدت علمت بخبر موت هزان..و حزنت كثيرا..و سألت عنك لكنني علمت بأنك مسافرا..من الجيد أننا التقينا" هز جينك برأسه و قال" طبعا..لقد أسعدتني رؤيتك كثيرا..حدثيني عنك و عن حياتك" فرحت سناء بإهتمام جينك و راحت تحدثه عن نفسها..دون أن تذكر أهم شيء كانت تشعر به..و هو حبها لجينك و الذي عاش معها لسنوات..عائلاتهما أصدقاء و علاقتهم قوية..كانا صديقين خلال مرحلة الطفولة..ثم كبرا و كبر حبه في قلبها..دون أن تستطيع مصارحته بمشاعرها..كانت تحزن عندما ترى عدم اهتمامه بها..فخيرت السفر و مواصلة دراستها في أمريكا..و عندما عادت الى تركيا..كانت تتأمل أن تراه و أن تنجح هذه المرة في لفت انتباهه و أن تجعله يقع في حبها..لكنها وجدته مسافرا..و ها قد جمعتهما الصدفة ..و هذا ما أحيا ذلك الأمل القديم في نفس سناء..نظر ياغيز الى هزان و اجاب" هزان..أنا ياغيز..أنا حبيبك الذي كنت تحاولين تذكره..و أنا السبب في فقدانك لذاكرتك..أنا من محاها..و محا منها كل تفاصيل علاقتنا..لأنني أحاول حمايتك..من أشياء لا أستطيع شرحها لك الآن..لكن ما أؤكده لك هو أنني أحميك من الخطر..هذا سبب ما فعلته..أعفني الآن من الحديث عن التفاصيل..المهم أنك بخير و أنك بعيدة عن الخطر" قطبت هزان جبينها و قالت بنبرة اعتراض صريحة" اذا كان بعدي عن الخطر يعني بقاءي بعيدة عنك فلا أريد هذا..أريد أن أكون بقربك..أريد أن أكون معك..لا أريد أن أبقى بعيدة عنك..لا يهمني ان كنت سأكون في خطر بمجرد وجودي معك..لا يعنيني ذلك..أرجوك ياغيز..ابقى معي..و حدثني عن كل شيء يخص علاقتنا..أو أعد الي ذاكرتي..ألم تقل بأنك أنت من كان السبب وراء فقداني لها..أرجوك..أتوسل اليك..أعدها الي..و أعد الي كل ذلك الحب الذي حدثتني عنه هوليا و الذي مازال قلبي يشعر به..لقد نجحت في محو نفسك من عقلي..لكنك عجزت عن محوك من قلبي و من لا وعيي..انت تعيش هنا( و اشارت الى قلبها) رغما عن كل ما فعلته لكي تخرجني من حياتك..كنت تلاحقني بعيونك هذه طيلة عام كامل..أراها في منامي و في يقظتي..و ينتعش قلبي في كل لحظة أرى عيونك البلورية الجميلة فيها..ياغيز..حياتي من دونك لا تعني لي شيئا..و لا أريدها..لا تحرمني منك..ارجوك" ..
![](https://img.wattpad.com/cover/239446261-288-k934801.jpg)
أنت تقرأ
حب من عالم آخر
Romantikقد تصادفكم قصص حب غريبة و مختلفة..و قد تتخيلون حكايا متفردة و نادرة لعشاق يلتقون و يفترقون و قد يجتمعون في النهاية و يكتبون نهاية سعيدة لقصتهما..أما هذه القصة فهي لا تشبه مثيلاتها من القصص..و حكاية الحب هذه لا يمكن لعقولكم أن تستوعبها..لأنها ببساطة...