الفصل الخامس و الخمسون

1K 37 0
                                    

طأطأ ياغيز رأسه و تنهد بعمق قبل أن يجيبها" هزان..لو سمحت..لا تعيدي كلام الماضي و جنونه..اذا حدث و أعدت لك ذاكرتك فلن أكون عندها قادرا لا على حمايتك و لا على حماية نفسي..الخطر أكبر منك و مني هذه المرة..المرة الماضية نجحت في حل المشكلة و في إبعاد هذا الخطر..و تحملت خسارة كبرى و عذابا يفوق طاقتي..لكن.." قاطعته هزان"ياغيز..أنا لا أفهم شيئا..و لا أتذكر ما مضى..قد يكون ما تخفيه عني و ما تحاول جعلي أنساه خطرا كبيرا علي..و أمر لا يجب أن أعلمه..لكن..و برغم هذا كله..أنا متمسكة بك..و أشعر بحبي الكبير لك..و لا أريد أن أخسرك من جديد..حياتي لا تعني لي شيئا بدونك..أعد إلي ذاكرتي و دعني اواجه الحقائق بنفسي..اسمح لي بأن أقرر ما يناسبني و ما أراه صوابا بالنسبة لي..أرجوك" انتفض ياغيز واقفا و قال بعصبية" هزان..هذا ما كنت أخشاه..جنونك هذا الذي لن يتوقف قبل أن ينهيك و يقضي عليك" وقفت هزان و اقتربت منه..أحاطت وجهه بيديها و قالت" ألا ترى؟ حقا ألا ترى ياغيز؟ ألا ترى بأن القدر يجمعنا من جديد كلما تفرقنا؟ ألا ترى بأن كلانا مرتبط بالآخر و حياة أحدنا لا معنى لها دون الآخر؟ الى متى ستحرم نفسك مني و تحرمني منك؟ الى متى ستحاول حمايتي من أمر مقدر لي و لا مهرب منه؟ إلى متى ستقف حاجزا بيني و بين حبي لك و جنوني بك؟ أنا مستعدة أن أتحمل كل الأذى و أن اواجه كل الخطر من أجلك..المهم أن اكون معك و بجانبك..المهم ألا أفترق عنك..ألم تشتاق الي طيلة هذا العام الماضي؟ ألا ترغب بأن نكون معا من جديد؟ ألا تتساءل كيف كان عامي ذاك من دونك؟ ألا يقتلك الفضول لكي تعرف ماذا كنت أفعل و أنا بعيدة جدا عنك؟ ها ياغيز..اجبني لو سمحت" لمعت دمعة في عيون ياغيز البلورية و رد بصوت مبحوح" آااااه هزان..و أي كلام يعبر عن قلقي و خوفي و فضولي و شوقي و عذابي و كل مشاعري التي لم يحييها سوى ظهورك في حياتي؟ أنا لا أحبك فقط..أنا أموت بك حبا..تملكين كل ذرة فيّ..تسكنينني بإصرار أعمى على عدم مغادرتي مهما فعلت..تحتلين كل شبر في جسدي و تتسلطين على كل جارحة من جوارحي..أخجل أن أقول عن هذا كله أنه حب..لقد تجاوز هذه الكلمة الجوفاء و صار أعمق و أقوى..و كلمة أحبك..لا تكفي لكي تعبر عما أحس به تجاهك..نعم هزان..أشتاق اليك حتى و أنت أمامي..و أموت كل لحظة تكونين فيها بعيدة عني..و يمزقني الفضول لكي أعرف كيف عشت من دوني ذلك العام المقيت البارد ..حدثيني هزان..و أطفئي تلك النار التي عجز الجليد عن اخمادها..قولي و تكلمي يا أنا "...

جذبته هزان الى الأريكة لكي يجلسا و بقيت تمسك بيده و تنظر داخل عيونه الدامعة و هي تجيب"ذلك العام فاق الدهر طولا بالنسبة الي..وجدت نفسي فجأة بعيدة عن منزل والدي و عن المكان الذي ولدت فيه..وجدت نفسي في جزيرة رودوس المتاخمة للحدود اليونانية..كنت دائما أشعر و كأنني خلفت قطعة من روحي هنا و ذهبت..حاول جينك اقناعي بأنه أبعدني لكي يحميني من منظمة ارهابية كانت هي خلف اغتيال أبي..و كانت تسعى خلفي لقتلي..اضطررت الى تغيير اسم عائلتي و الى استعمال هوية و اوراق ثبوتية مزيفة..و شرعت اعمل في الجامعة..أدرس التاريخ الذي يحسن قليلا من وضعي..كان جينك يرافقني كظلي..و لا يسمح لي بالخروج وحيدة أبدا..لم اغادر الجزيرة و لو لمرة واحدة..انشغلت مع الطلاب و مع الزملاء و صرت أتعايش مع الوضع الغريب الذي وجدت فيه نفسي..لكن الأمر الوحيد الذي لم أستطع التعايش معه هو ذاك الفراغ الأسود الذي يلف قلبي و الذي عجز أي شخص تعرفت عليه و حاول التقرب مني عن ملئه..صددت الجميع دون استثناء..حتى جينك الذي كان مقربا كثيرا مني..و الذي عبر لي أكثر من مرة عن حبه لي..لكنني كنت واثقة بأن قلبي مختوم بحب شخص أعجز عن رؤيته و الالتقاء به..شخص كنت أرى عيونه البلورية في منامي و في يقظتي..و كان يسيطر على كل حواسي و أفكاري..دون لقاء بيننا..و دون أن أفهم أو اعرف من تكون أو أين اختفيت..سلمتك قلبي من جديد..و جننت بك مرة أخرى..هل تستطيع تصديق ذلك؟ انه أمر أقوى مني و منك..تواصلت حياتي على نفس النسق..عمل و أنشطة و مغامرات و نزهات هنا و هناك..الى أن عدت الى هنا..و رأيتك ترقد تحت الجليد..عقلي عجز عن استيعاب قدرة شخص طبيعي أن يكون حيا تحت المياه الجليدية..لكن قلبي كان يقودني نحوك و يمحو كل اشارات الاستفهام من عقلي..أستطيع الآن أن أفهم كيف نجحت في ذلك..يدك التي أمسكها تضاهي الجليد برودة..و صرت كذلك واثقة بأنك لست شخصا طبيعيا..و ربما هذا ما يخيفك من اعادة ذاكرتي لي..اطمئن ياغيز..كن واثقا بأنني لن أتخلى عنك مهما كانت حقيقتك..ياغيز..أنا و أنت خلقنا لكي نكون معا..لا مفر من ذلك..مهما قاومنا و مهما هربنا و حاربنا..لن ننجح في البقاء بعيدين..لذلك..توقف عن تعذيب نفسك و تعذيبي..و أعد لي ذاكرتي لو سمحت..أريد أن أتذكر كل ما يخصك..و كل ما يتعلق بك..لأن عقلي و ذاكرتي بدونك بلا فائدة..و لا أريد حياة لا وجود لك فيها..ساعدني ياغيز..و لنواجه كل الخطر معا..مهما كان قويا و مخيفا" نظر اليها ياغيز و تأملها لبرهة ثم توقفت عيونه عند شفاهها الممتلئة و التي اشتاق اليها حد التعب..لم يستطع مقاومة تلك الرغبة الملحة في تقبيلها..

مال ياغيز برأسه و احتوى شفاه هزان بشفتيه..تمهل في تقبيلها و كأنما ليطفئ على مهل نيران ذلك الشوق الذي أرقه و أتعبه و أحرقه طيلة عام كامل..انتقل ببطء بين شفتيها العلوية و السفلية..امتصهما و ارتشف من رحيقهما ما زاد من عطشه اليها و رغبته فيها..جال بلسانه في اعماق فمها بحثا عن لسانها الذي التقى به و رقص معه..اختلطت انفاسهما و غلت الدماء في عروقهما..لفت هزان عنقه بذراعيها و راحت تداعب خصلات شعره الذهبي من الخلف اما هو فوضع يده على خصرها و قربها منه حتى التصقت به و كأنه يخشى أن تتسرب من بين أصابعه و يفقدها الى الأبد..سحب شفتها السفلية بين أسنانه و عضها بخفة قبل أن يطلق سراحها و يضع جبينه على جبينها و همس" هزان..حياتي..يا أنا..أنا أعشقك..أهيم بك..و كل ما فعلته سببه خوفي عليك و رعبي من أن يصيبك مكروه بسببي..سأعيد لك ذاكرتك..لكن عديني بأن تتعقلي قليلا و ألا.." قاطعته هزان بقبلة جديدة طبعتها على شفاهه ثم تمتمت" سأعدك بأن أحبك حتى آخر نفس أتنفسه..سأعدك بأن أجن بك حتى ييأس الجنون من تعقلي..سأعدك بألا أتخلى عنك مهما حدث..هذا ما أعدك به و ما سأفي به..لا تطلب مني أمرا آخرا..أريدك فقط أن تعيد الي ذاكرتي..أريد أن أتذكر كل لحظة رائعة عشتها معك..ان كانت قبلة منك جعلتني أشعر بأنني فوق الغيوم و بأنني لا ألامس الأرض..فكيف كانت باقي اللحظات التي جمعتنا؟ ..ياغيز..أرجوك..أعد الي ذاكرتي..لم أعد قادرة على الانتظار أكثر" هز ياغيز برأسه و أحاط وجهها بيديه ثم وضع شفاهه على جبينها و راح يتمتم بكلمات بلغة غريبة و من ثم مرر يده على رأسها..و ما هي الا لحظات حتى أغمضت هزان عيونها و راحت تتجلى أمام ناظريها كل تلك اللحظات الجميلة التي عاشاها معا.. كل الحقائق التي سعى الى ابعادها عنها..و كل تلك الأمور المخيفة التي كان ياغيز يحميها منها..راقب ياغيز ملامح وجهها المضطرب و ظل ينتظر أن تفتح عيونها..ثواني..و فتحت هزان عيونها و نظرت اليه ثم قالت" ليسامحك الله ياغيز..حبيبي..كيف طاوعك قلبك و استطعت محو كل هذه الذكريات الجميلة من عقلي؟ الآن فهمت لماذا كنت أشعر دائما بأن هناك قطعة تنقصني..و الآن اكتملت..و لن أتراجع قبل أن نكون معا الى الأبد"...

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن