الفصل الثاني و الأربعون

972 40 0
                                    

في المساء..وقف ياغيز بجانب كمال و هوليا و نيلوفر و رضا في استقبال اعضاء المجلس الأعلى..أربع رجال يلبسون رداء أسودا ينتهي بقبعات كبيرة تخفي وجوههم..دخلوا الى القاعة الكبرى التي لا تضيئها سوى المصابيح المعلقة على الحائط ..جلس الرجال الأربع على المقاعد الكبيرة في الطرف المقابل فيما ظل ياغيز و البقية واقفون..تكلم كبيرهم دون أن يزيح الغطاء عن وجهه" مرحبا بكم جميعا..كيف حالكم أيها الزعيم كمال؟ هل كل الأمور على ما يرام؟" تقدم كمال خطوة و أجاب" مرحبا بكم أيها الكبار..نحن بخير في ظل وجودكم..و أمورنا على خير ما يرام" قال آخر" و أنتم أيها السادة.. هل تنجحون في اخفاء أنفسكم جيدا بين البشر؟" ردت هوليا" نعم..نحن نعيش بينهم بصورة عادية دون ان نلفت انتباههم كما علمتمونا" وقف احد القادة الأربع و أمسك يد كمال و هو يقول" كمال..يبدو أنك تعتني بعشيرتك جيدا..و يبدو أنكم تتعايشون مع البشر بصورة لا تلفت انتباههم..هذا جيد جدا..أهنئك" هم كمال بإجابته لكن الرجل رفع يده في وجهه مشيرا له بأن يصمت..كان كأنه يشتم رائحة غريبة ..أغمض عيونه لوهلة ثم فتحها و قد لمعت بلون أحمر قاني و قال بصوت مرعب" انني أشتم رائحة بشرية..هل جهزتم لنا وجبة عشاء خفيفة أم ماذا؟" تجهم وجه ياغيز على الفور و قد اشتم هو الآخر رائحة بشرية يعرف جيدا من تكون..انها هزان..التفتت بحثا عنها فوجدها تختبئ خلف احدى القوائم..لم يكن بيده شيء يفعله لها..لا يستطيع أن يهربها و لا يستطيع أن يواجه المجلس من أجلها..قال القائد بصوت رقيق" أيتها البشرية..اقتربي..اقتربي و لا تخافي..اما أنك شجاعة جدا لكي تأتي الى هنا..أو أنك بلا عقل و مجنونة..هيا..أظهري وجهك..من تكونين يا ترى؟ و ماذا تفعلين هنا؟" خرجت هزان و تقدمت نحوه..لقد غلبها فضولها فتبعت هزان و هوليا الى قصر الظلال..و لم تحسب حسابا لما قد يحدث..نظر اليها ياغيز بعيون عاتبة تلومها على تهورها و تصرفها الخاطئ الذي سيجلب لها متاعبا لا يستطيع حمايتها منها..كانت تشعر بشجاعة غريبة او ربما جازفت بالقدوم هنا لكي يحدث ما يرفضه ياغيز..فربما اذا علم اعضاء المجلس بأنها تعلم بأمرهم يوافقون على تحويلها..وقفت أمام القائد الذي نزع الغطاء عن وجهه و حملق فيها بعيون حمراء..سحب رائحتها الى اعماقها و قال" اوهااا.انها رائحة رائعة..ما اسمك يا فتاة؟" اجابت" هزان" مد يده نحوها و قال" هلا سمحتي بوضع يدك في يدي؟" نظرت هزان الى ياغيز الذي أشار لها بألا تفعل..لمح القائد ما حصل فانفجر ضاحكا و قال" يبدو أنني فهمت ما يجري..هل وقعت في حب هذه البشرية سيد ياغيز؟ لا ألومك صراحة..انها جميلة و ..لذيذة...

تقدم ياغيز نحوه بكل سرعته و هو يصيح" لن أسمح لأي منكم بإيذاءها" و قبل أن يصل الى القائد أو يتمكن من ابعاده عن هزان كان القائد قد رفع يده نحوه و بحركة واحدة رفعه عاليا و جعله يرتطم بالحائط بقوة و يسقط أرضا..عاود ياغيز النهوض لكن واحدا آخرا من القادة نظر الى عينيه و نطق كلمة واحدة هي " ألم" فراح ياغيز يتوجع و يصيح بأعلى صوته و الألم يمزق أطرافه..كان وجهه يعكس ذلك الألم الرهيب الذي يشعر به..تقدم منهم كمال و جثى على ركبتيه أمامهم و قال بنبرة توسل واضحة" لو سمحتم..اوقفوا هذا..ارحموا ياغيز و اغفروا له خطأه..انه يحبها و يخاف عليها..أرجوكم..أوقفوا هذا" ..أبعد القائد عيونه عن ياغيز فارتمى أرضا و قد أنهكه الألم الكبير الذي كان يشعر به..جرت هزان نحوه و لامست وجهه بحنان و هي تقول" أنا آسفة حبيبي..لم أكن اعلم بأن كل هذا سيحدث..أنا السبب..سامحني" ثم التفتت نحو القادة و قالت" ماذا تريدون أن تفعلوا بي؟ أنا أعلم بأنكم مصاصو دماء..و لست خائفة منكم..أنا أعشق ياغيز و أريد أن اكون معه..لا تؤذوه و لا تلوموه..لا ذنب له في كل ما يحصل" ابتسم القائد و أشار اليها لكي تقترب ففعلت..أمسك بيدها و قال" لنرى بماذا تفكرين أيتها البشرية؟" أغمض عيونه و صمت لوهلة..ثم فتحهما على آخرهما و اضاف" مستحيل..هذا أمر لا يعقل..أنا عاجز تماما عن قراءة افكارك ايتها الصغيرة..يبدو أنك مميزة" ثم نظر الى رفيقه و أشار اليه بأن يحاول ايلامها كما فعل مع ياغيز..نظر اليها الرجل داخل عيونها و انتظر أن تصيح و أن تتألم..لكن شيئا من هذا لم يحدث..لم تتأثر هزان بنظراته و لم تشعر بأي شيء..صفق القائد يديه بحماس و صاح" هذا لا يعقل..هذه الفتاة مميزة حقا..نحن لا نستطيع ايذاءها أبدا مهما فعلنا" ثم نظر الى هوليا و قال" هوليا..ماذا ترين في مستقبل هزان؟ أخبرينا لنرى" تقدمت هوليا من هزان و أمسكت يدها و هي تغمض عيونها للحظات ثم فتحتهما و ردت" ايها الكبار..هزان ستصبح واحدة منا..لا تخافوا منها..لن تؤذينا و لن تفضح أمرنا..ستصبح أقوى مصاصة دماء بيننا" نهض ياغيز و راح يحملق في هوليا..كان يتمنى أن تكون كاذبة و أنها تخدع القادة..لكن يبدو بأنها كانت تعني كل كلمة قالتها..ربت القائد على كتف هزان و قال" أن تصبحي واحدة منا فهذا أمر رائع للغاية..سأنتظر بفارغ الصبر أن تتحقق نبوءة هوليا..و الى أن يحين هذا الوقت..لن يتعرض لك احد و لن يؤذيك أحد..ستكون مهمة تحويلك من نصيب ياغيز..سيفعل هو ذلك لكي تكونا معا بما أنكما تحبان بعضكما..لن نحدد له وقتا..سندع ذلك لكما تقررانه معا..لكن اذا تأخر..فسنتدخل نحن عندئذ..و سنقوم نحن باللازم"..

لمعت نظرة حزن و أسى في عيون ياغيز التي تأمل بها هزان..تلك الفتاة البريئة و المجنونة التي جمعته الحياة بها..تلك التي أحبها بكل ذرة في كيانه و بكل جارحة من جوارحه..تلك التي لطالما حماها من كل مكروه أصابها و من كل الأذى و الأخطار..لكنه عجز في النهاية عن حمايتها من نفسها..و من جنونها و تهورها..لم يستطع منعها من الحصول عما سعت اليه ..بسبب حبها له و تعلقها به..هذا ما لم يتوقعه منها..أن يبلغ بها الجنون أقصى حدوده و أن يسرق منها حبها له تعقلها و منطقها..يستغرب منها أحيانا أن تستسهل تخليها عن بشريتها و انسانيتها..عن حياة طبيعية بظروف عادية ..عن كل مميزات العيش الطبيعي و البشري..لكي ترضى بأن تتحول الى جثة بشرية باردة تعيش على الدماء ..أيفعل الحب كل هذا ؟ أيفقد الشخص عقله و صوابه و تفكيره الى هذه الدرجة؟ أيجعله يضحي بأغلى ما يملك من أجل أن يكون مع حبيبه؟ نعم..يبدو أنه يفعل كل هذا..و هزان هي أكبر دليل على ذلك..غادر المجلس الى مقره المعتاد بعد أن اطمئن على سير الأمور مع عشيرة كمال و وجه توصيات صارمة بخصوص الاعتناء بهزان ..ارتمى ياغيز على كرسي خشبي بعد ذهابهم و وضع رأسه بين يديه..كان حزينا و مهموما و مثقلا بأفكار سوداء..اقتربت منه هزان و جثت أمامه على ركبتيها..وضعت يدها على كتفه و همست بصوت خافت" ياغيز..لا تحزن..أرجوك..أنا أعلم جيدا ما أريده..و .." رفع ياغيز نظره المتعب نحوها و قال مقاطعا اياها بحدة" هزان..اصمتي..لقد تعبت من جنونك و من تهورك..و كأنك فتاة مراهقة تستسهل ما تطلبه او لا تجيد التفكير المنطقي..ها قد حصلت على ما أردت..و سيتوجب علي أن أحولك الى وحش..و سأخالف كل القواعد و القوانين..و سأفتح على نفسي باب حرب مع الذئاب بسبب افسادي للمعاهدة التي تجمع بيننا و التي تنص على منع تحويل أي بشري الى مصاص دماء..انت لا تعلمين ما فعلت بي هزان..و اتعلمين ماذا..لا تهمني الحرب و لا يهمني أن اموت أو أن اقضي على عشيرتي..بل ما يؤلمني هو ما ستصبحين عليه بسببي..آاااه هزان..لقد قتلتني"

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن