ضج عقل هزان بالأسئلة المؤرقة و التي لم تجد لها أجوبة..نظر اليها جينك و سأل بقلق" هزان..لماذا لم تسمعي كلامي؟ لماذا تأتين الى مكان مخيف كهذا و لوحدك ايضا؟ هل تريدين أن تموتي؟ ألم أحذرك من الاقدام على عمل جنوني؟ لماذا فعلت هذا؟ لماذا؟" صمتت هزان قليلا ثم أجابت" جينك..أعتذر لأنني أخفتك و جعلتك تقلق علي..لكن..صدقني..هناك أمر غريب يشدني نحو الغابة..و كأن هناك شخصا ما يناديني و يجذبني اليه بكل الطرق..انه هو..ذلك الرجل الذي رأيته تحت الماء..لقد أنقذني عندما اقتربت مني الذئاب..مد يده نحوي و جذبني تحت الماء..قد تستغرب ما تسمعه مني..أو ربما قد تعتقد بأنني جننت و فقدت عقلي..لكنني أقول الحقيقة..هو من كان يظهر لي في منامي ..لم اكن أرى سوى عيونه البلورية..اما اليوم فقد رأيت وجهه..انه.." قاطعها جينك بعصبية" تمام هزان..فهمت..لكن ارجوك..تذكري جيدا بأن حياتك مهددة و انت دائما في خطر..لذلك لا معنى لكل هذه المغامرات المجنونة التي تقومين بها..دعينا نقضي هذا اليوم المتبقي لنا بسلام و دون مشاكل..ثم نعود بعد ذلك الى رودوس..ارجوك هزان..ما حدث هنا يوحي بخطر قريب و محدق..لذلك كوني حذرة و عقلانية..و لا تبحثي عن بلاءك..لو سمحت" هزت هزان برأسها و قالت" تمام..لن افعل ذلك" لكنها كانت في أعماقها مقتنعة بأنها لن تتوقف عن البحث و التساؤل و المغامرة الى حين تصل الى الحقيقة و تفهم علاقة ذلك الرجل الغريب بها..وصلوا بعد دقائق الى منزل جينك الذي وضع حقيبته على الأريكة ثم راح يجهز الأكل لكليهما لكي يتناولان طعام العشاء..جلست هزان بجانب النافذة و هي تداعب تلك القلادة التي تزين عنقها..همست بصوت خافت" أنت..يا من أنقذتني اليوم..يا من حميتني من الذئاب..انت..يا من لا أعرف اسمك..ان كنت تسمعني..أو تشعر بي..فأعطني اشارة..أعلم جيدا بأنك أنت صاحب هذه القلادة..لذلك..اعطني اشارة بأنني رأيتك فعلا..و بأنني لم أكن أتهيأ ما رأيته..أرجوك..أعطني اشارة" نظرت الى القلادة منتظرة منها أن تضيء و أن تلمع بعد كلامها ذاك..لكن هذا لم يحدث..كررت كلامها من جديد..لكن دون جدوى..جلست قبالة جينك و راحت تلعب بملعقتها في الصحن..لم تكن جائعة و ليست لديها شهية للأكل لأن عقلها كان مشغولا بصاحب القلادة..في الغابة..جلس ياغيز تحت شجرة كبيرة و جسده مبلل بالمياه..مرر اصابعه خلال خصلات شعره الرطب و قال بنبرة يختلط فيها الحزن بالفرح" هزان..لقد عدتي..لا أكاد أصدق..كيف حدث هذا؟ وجودك هنا أسعدني و أخافني..كنت يائسا و أظن بأنني لن أراك من جديد..كنت أوكل مهمة حمايتك لتلك القلادة التي تزين جيدك الجميل..
واصل ياغيز كلامه و دموعه تترقرق في عيونه البلورية" تلك القلادة هي التي كانت تؤثر على عقلك و تجعلني اظهر امامك بصورة غير كاملة في احلامك و كلما أغمضت عيونك التي اعشقها..هزان..لو تعلمين كم تعذبت من دونك..لو تعلمين كم كنت أحترق من غيرتي عليك لأنك معه..مع جينك الذي أعلم جيدا بأنه يحبك..و الذي لطالما كنت قادرا على سماع افكاره..حتى و أنا وسط المياه الجليدية..عدتي الآن..و أعلم جيدا بأنك لن تتوقفي قبل معرفة الحقيقة..و قبل أن تتذكري كل شيء..لكن ما لا تدركينه هو مدى خطورة ذلك عليك و على حياتك..لقد فعلت ما فعلته لكي أحميك..منهم..و من نفسك قبل كل أحد..أنت كنت تصرين على أن تتحولي و تصبحي مثلي..و أنا لن أقبل ذلك..تليق بك الحياة و السعادة و الفرح..لا يليق بك أن تكوني مجرد وحش بلا حياة..هزان..أرجوك..ارحلي من هنا قبل أن يفتضح أمرك و قبل أن يعلم المجلس بأنك مازلت على قيد الحياة..عندها لن أكون قادرا لا على حمايتك و لا على حماية نفسي منهم حتى..أقول هذا رغم أن رحيلك هو الموت بالنسبة الي..ألا تكوني أمامي..و الا اراك..و ألا أشتم رائحتك..و ألا ألمسك..هو الموت بالنسبة الي..أن تكوني برفقته..و أن يكون هو الذي يراك و يرعاك و يعتني بك و يحميك..و..يحبك..حتى و لو كنت لا تبادلينه نفس المشاعر..فهذا قاسي جدا و مؤلم..و موجع..أستطيع تحمل كل الألم الموجود في هذه الحياة البائسة التي أعيشها..لكن ألم غيابك أقوى من قدرتي على التحمل..آاااه هزان..أعلم الآن بأنك تبحثين عني و تنادينني..لكنني لا أقوى على اجابتك..قربك مني يعني نهاية حياتك..ظهورك امام الجميع يعني انفضاح أمر الخطة و معرفة المجلس بما فعلته..و تعرفك علي و تذكرك للماضي يعني جنونك من جديد..و اصرارك على التحول..و انا لن أقبل من جديد..و لن أكون قادرا على منعك هذه المرة..يالله..ساعدني..ماذا علي أن أفعل؟ لقد تعبت من هذه الحياة التي لا أريدها ان لم تكن هزان شريكتي فيها..و لا استطيع أن أكون أنانيا و أقبل بجنونها..أنا واقع بين نارين أحلاهما مر و محرق..لم يسبق لي أن كنت عاجزا الى هذه الدرجة..انا عاجز عن فعل أي شيء..انا عاجز" ..انزوت هزان في غرفتها بعد العشاء و جلست أمام حاسوبها..كتبت اسمها على محرك البحث غوغل و قرأت بعض المعلومات الخاصة بها..عن حياتها و عن عائلتها و عن موتها..رأت بعض الصور لها مع ابيها و مع طلابها و مع أصدقاءها..و لها صورة واحدة مع حارسها الشخصي الذي كان يعطي بظهره للعدسة و لم يكن وجهه ظاهرا..قطبت هزان جبينها و راحت تكتب اسمها مرفوقا بكلمة حارس شخصي لعلها تجد صورة له معها و وجهه يظهر فيها..لكن دون جدوى..
لم تكن تعلم بأن ياغيز كان متفقا مع جينك بأن يمحو كل الصور التي تجمعها به او التي يظهر فيها معها او مع ابيها من كل مواقع البحث لأنه كان واثقا بأنها ستبحث و ستتساءل و سيقودها فضولها الى التدقيق في الماضي و في كل ما له علاقة بحياتها السابقة في اسطنبول..لذلك حرص على ألا تحصل و لو صدفة على أية معلومات عنه..بحثت هزان المرة تلو الأخرى لكن بلا فائدة..الى أن أنهكها التعب و نامت..في الغابة..سمع ياغيز وقع خطوات تقترب منه و كان يعلم جيدا هوية الشخص القادم..رفع عيونه نحوه و قال" مرحبا جينك" مد جينك يداه نحوه و جذبه بشدة من ياقة قميصه الأسود و صاح به" مرحبا؟ و تقولها بكل برود أيضا؟ لماذا ظهرت من جديد ؟ لماذا؟ لماذا تجذبها نحوك و تناديها و تؤثر على عقلها؟ لماذا؟ لماذا جعلتها تراك ؟ لقد اخبرتني بأنك ستختفي الى الأبد و بأنك لن تظهر أمامها من جديد..ألم نتفق على هذا؟ ألم توكل الي مهمة حمايتها؟ ألم تحرص على حمايتها من الماضي و من المجلس و من نفسها؟ مالذي تغير الآن؟ لماذا تثير فيها الفضول و حب المعرفة و تعيدها الى الماضي؟ لماذا؟ هل انتهى خوفك عليها؟ هل ستكون قادرا على حمايتها من جديد من كل شيء؟ قل شيئا..لا تصمت..أجبني هيا" لم يبدي ياغيز ردة فعل عليه و لم يزح يدي جينك اللتان امسكتاه لكنه رد بصوت خافت" انا لم أفعل شيئا..أقسم لك بأنني قضيت عاما كاملا و أنا متجمد تحت الجليد..كنت متأرجحا بين الحياة و الموت لأن المجلس رفض طلبي بإنهاء حياتي..لم اتواصل معها بأية طريقة كانت و لم اتزحزح من مكاني..هي من أتت الى هنا..أنت من أحضرها الى اسطنبول رغم أنني حذرتك كثيرا بألا تفعل..بمجرد وصولها الى هنا ستستيقظ لديها تلك الرغبة بالبحث في دفاتر الماضي..ألم تسألك عن ماضيها طيلة العام؟ ألم تحاول أن تفهم ما حدث؟ ألم تصر على العودة الى هنا؟ لماذا لم تمنعها؟ لماذا لم تفعل شيئا؟ لماذا تصر على القاء اللوم علي انا؟" انزل جينك يديه عن ياغيز و رد" لأنني رأيت القلادة التي كانت حول رقبتها..لأنني أعلم بأنك تعمدت وضعها حول عنقها لكي تذكرها فيك و لكي تتواصل مع عقلها متى أردت ذلك..ياغيز..أنا اعترف بأنني فشلت في منعها من القدوم الى هنا..و فشلت كذلك في جعلها تحبني او تحب أي شخص آخر غيرك أنت..أنت افقدتها ذاكرتها نعم..لكن قلبها ممتلئ بحبها لك و كل حواسها تتذكرك و ترتبط بك بطريقة أو بأخرى..عام كامل لم ينجح في جعلها تتجاوزك و تتجاوز حبها الجنوني لك..رغم أنها لا تتذكرك و لا تستطيع أن ترى وجهك..لكنها مسكونة بك و بشدة..أنا آسف ياغيز..لقد صببت كل غضبي عليك..و هذا بسبب خوفي على هزان التي لن تتوقف أبدا"...
أنت تقرأ
حب من عالم آخر
Romanceقد تصادفكم قصص حب غريبة و مختلفة..و قد تتخيلون حكايا متفردة و نادرة لعشاق يلتقون و يفترقون و قد يجتمعون في النهاية و يكتبون نهاية سعيدة لقصتهما..أما هذه القصة فهي لا تشبه مثيلاتها من القصص..و حكاية الحب هذه لا يمكن لعقولكم أن تستوعبها..لأنها ببساطة...