الفصل الحادي عشر

1.1K 48 10
                                    

أنهت هزان شرب قهوتها و وقفت..ودعت زملاءها و خرجت نحو موقف السيارات..فتح لها ياغيز الباب فركبت و صعد هو خلف المقود..واصلت هزان تأمله و مراقبته فسأل" هزان هانم..مالأمر؟ لماذا تنظرين الي هكذا؟" ردت"لا شيء..أحاول أن أتعرف عليك فقط" تجهم وجه ياغيز و قال" لا داعي لذلك سيدتي..أنا فقط حارسك الشخصي و لست رجلا يتقدم لخطبتك" و ضحك و كأنه القى نكتة..لم تضحك هزان بل التفتت اليه و قالت" لا تضحك..أعلم جيدا بأن تساؤلاتي تزعجك..لكنك ترتدي قناع البرود الذي تعودت عليه..لكنه صار يزعجني صراحة..أريد أن ارى وجهك الحقيقي..انفعالاتك و احاسيسك و ردات فعلك..أريد أن أراك على حقيقتك..و ليس كما تحاول أن تظهر نفسك أمام الجميع" ثم وضعت يدها على ذراع ياغيز و قربت وجهها منه و اضافت" اخبرني..من أنت ياغيز؟" ابتلع ياغيز ريقه بصعوبة و سحب نفسا عميقا قبل أن يجيب" انا ياغيز ايجمان..الحارس الشخصي لسيادة الوزير..و بمجيئك صرت حارسك انت..هذا انا..و لا داعي لكثرة الأسئلة" تراجعت هزان الى الخلف و مررت يدها على عنقها بعصبية ثم قالت" تمام..فهمت بأنك لن تجيبني أبدا..لكنني أعدك بأنني سأعرف كل شيء عنك..و لن تستطيع الاختفاء أكثر من هذا" تظاهر ياغيز بالابتسام لكنه كان خائفا في اعماقه من ان تعلم هزان حقيقته..كيف ستتقبله عندئذ؟ كيف ستنظر الى وجهه؟ هل سترضى بأن يبقى قريبا منها؟ هل ستتجاهل حقيقته المرعبة تلك و تبقيه بقربها؟ ..أسئلة تبث الرعب في نفسه و لا يريد حتى التفكير فيها..نظرت هزان الى ساعتها و قالت" اوووه..لقد حان وقت الغداء..و انا جائعة جدا..خذني الى أي مطعم قريب..أريد أن آكل" رد" كدنا نصل الى القصر..تأكلين هناك اذا اردت" هزت هزان رأسها بالنفي و قالت باصرار" اريد الذهاب الى المطعم..لو سمحت" ..قاد ياغيز السيارة الى اقرب مطعم ثم نزل هو و هزان و دخلا الى الداخل..بقي ياغيز واقفا فسالته هزان" ألن تجلس؟" اجاب" اعتذر..لست جائعا" رمقته هزان بنظرة شك ثم قالت" تعالى و اجلس امامي..هذا أمر" تأفف ياغيز بضيق ثم سحب كرسيه و جلس قبالتها..

طلبت هزان لنفسها شرائح لحم مشوية مع السلطة و رقائق البطاطا اضافة الى نبيذ أحمر..نظرت اليه و سألت" الن تطلب شيئا لنفسك؟" هز رأسه بالنفي فقالت" تمام..كما تريد" ..امسكت شوكتها و سكينها و أخذت تأكل على مهل مستمتعة بطعم الأكل اللذيذ..قطعت قطعة لحم حملتها بالشوكة و قربتها من فمه..نظر اليها و كأنه يرجوها بألا تفعل لكنها ابتسمت و اصرت أن يأكل..وضع ياغيز قطعة اللحم في فمه و تظاهر بأنه يمضغها..ارتسم الارتياح على وجه هزان و انشغلت بأكلها دون ان تنتبه أن ياغيز قد اخرج القطعة من فمه و اخفاها في المنديل الذي أخذه من على الطاولة لكي يمسح به آثار الطعام..رفعت هزان كأس نبيذها الى فمه و احتست منه رشفة ثم نظرت اليه و سألت" هل اسكب لك كأسا؟" رد ببرود" لا شكرا..انا لا أحتسي النبيذ" زمت هزان شفتيها و علقت" انت حر" ..نظر ياغيز عبر النافذة فرأى الشمس تشق الغيوم و تعلو في كبد السماء..تجهم وجهه و بدا القلق جليا على ملامحه..ماذا سيفعل الآن؟ و كيف سينجح في اخفاء ذلك الأثر الذي يظهر على وجهه بمجرد تعرضه لأشعة الشمس؟ صمت و اخذ يفكر في حل..انهت هزان طعامها و استأذنت منه في الذهاب الى الحمام ..اخبرها بأنه سينتظرها في السيارة و خرج مسرعا بعد أن دفع الحساب..انظمت اليه هزان بعد لحظات في السيارة..انطلق بها مسرعا و قد انزل اللوحة الأمامية التي غطت اشعة الشمس و منعتها من الوصول الى وجهه..كان صامتا و مضطربا طوال الطريق و لاحظت هزان ذلك لكنها خيرت بألا تتحدث اليه و ان تبحث بطريقتها الخاصة عما يخفيه..و بمجرد الوصول الى القصر ..انتظر ياغيز نزول هزان و ادخل السيارة الى المرآب..ثم ذهب مسرعا الى غرفته..بعد ساعة من الراحة في غرفتها..نزلت هزان الى الأسفل فوجدت والدها جالسا مع زوجته ميلدا التي قالت بود" عزيزتي هزان..تعالي و اجلسي معنا" رمقتها هزان بنظرة باردة ثم اقتربت من امين و قبلت خده و هي تقول" كيف حالك بابا؟ هل انهيت عملك باكرا اليوم؟" اجلسها الرجل بجانبه و رد" لقد اتيت لكي آكل و ارتاح قليلا ثم سأغادر من جديد..لدي اجتماعات حتى ساعة متأخرة من الليل" ربتت هزان على يد أبيها و قالت" ابي الحبيب..أرجوك..لا ترهق نفسك كثيرا في العمل..أخاف عليك و على صحتك" ابتسم أمين و اجاب" لا تقلقي علي يا ابنتي..انا بخير..و اذا شعرت بأنني متعب..فورا آخذ قسطا من الراحة..لكن كما تعلمين يا ابنتي..لا أستطيع اهمال مسؤولياتي و واجباتي كوزير" عانقت هزان أباها و قالت" معك حق..لكن لا تهمل صحتك..ليس لي احد آخر غيرك في هذه الحياة" سألها" ماذا فعلت اليوم؟ هل ذهبت الى الجامعة؟" اجابت" نعم..ذهبت و قاموا بتوظيفي..غدا سأباشر عملي" ابتسم أمين و علق" هذا رائع..مبروك حياتي" باركت لها ميلدا فاكتفت بهز رأسها ثم وقفت و استأذنتهما في الخروج الى الحديقة..مشت هزان تحت الأشجار و هي تقوم بحركات رياضية..نظرت الى الجهة التي كانت فيها غرف الحرس و الخدم..رغما عنها تسلل ياغيز الى تفكيرها..انه شخص غريب و مثير..و يجبرها على الانشغال به و على الانجذاب اليه..سارت على مهل نحو غرفته و نظرت من النافذة..كان واقفا و بيده زجاجة نبيذ..رفعت هزان حاجبها استغرابا و حملقت فيه..كان يشرب بشراهة و كأن العطش استبد به..لقد رفض أن يشرب معها و أخبرها بأنه لا يشرب النبيذ..و الحال أنه يشرب..غضبت هزان بشدة و لم تعد قادرة على اخفاء انزعاجها منه و من طريقته المستفزة في معاملتها..التفت نحو الباب و فتحته دون ان تطرق و هي تصيح" أتعلم بأنك شخص كاذب و وقح سيد ياغيز؟" تفاجئ ياغيز بدخول هزان فانفلتت الزجاجة من يده و سقطت على الأرض و تحطمت الى قطع صغيرة..ارتبك ياغيز و سأل" هزان هانم..ماذا تفعلين هنا؟" ردت هزان بعصبية" أتيت لكي اخبرك بأنك شخص كاذب و مخادع..اخبرتني بأنك لا تشرب النبيذ و الحال انك تشرب هنا في الخفاء..لماذا تفعل هذا؟ لماذا تصر على استفزازي؟" تقدمت هزان نحوه دون ان تنتبه الى قطعة الزجاج الكبيرة التي داست عليها و جرحت رجلها من الأسفل..أنّت بألم و انحنت لتجد الدم يسيل من قدمها..أسرع ياغيز نحوها لكنه جمد في مكانه بمجرد رؤية دمها..تغير لون عيونه و صار يجاهد لكي ينجح في السيطرة على نفسه..هذه هي نقطة ضعفه..دمها و رائحته..

ضغط ياغيز بيده على فمه لكي لا تظهر أنيابه و ينفضح أمره أمام هزان..أغمض عيونه و سحب نفسا عميقا فتسللت رائحة دمها الى اعماق اعماقه..تحرك مسرعا نحو الباب و هو يقول" سأحضر علبة الاسعافات الأولية و أعود" و من حسن حظه أن هزان لم تنظر اليه بل كانت منشغلة باخراج قطعة الزجاج من جلدها..فور خروجه من الغرفة..أخذ ياغيز يهدئ نفسه و يحاول السيطرة على تلك الحال الرهيبة التي يصبح عليها بمجرد رؤية الدماء..و خاصة دم هزان..ذلك الذي يمثل نقطة ضعف بالنسبة اليه..لحظات و عاد الى حالته الطبيعية..فأسرع الى المطبخ و طلب من الخادمة أن تأخذ علبة الاسعافات الأولية الى غرفته و معالجة قدم هزان المجروحة..لن يكون هو قادرا على معالجتها و رؤية دمها من جديد..مقاومة رغبته في امتصاص دمها ليست بتلك السهولة..بل هي عبارة عن عملية جهاد و محاربة..خرج من المطبخ و اختفى بين الأشجار..تملكته حالة العطش من جديد و كأنه لم يكن يحتسي زجاجة دماء كاملة منذ قليل..تلك الزجاجة التي ظنت هزان أنها زجاجة نبيذ و لامته و غضبت منه لأنه كذب عليها..نجحت هزان في اخراج قطعة الزجاج من قدمها ثم اخذت تطهر الجرح و تضمده..رفعت نظرها نحو الخادمة و سألت" نيفين..أين ياغيز؟" اجابت" لا أعلم سيدتي..لقد تركته في المطبخ" تجهم وجه هزان و تمتمت بعصبية" حقير..لقد تركني رغم أنه رأى أنني جرحت..لم يهتم حتى بالسؤال عني..سأحاسبه على ذلك..نيفين..ساعديني لكي أقف" وضعت نيفين يدها تحت ذراعها و ساعدتها على الوقوف ثم اخذتها الى غرفتها..

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن