الفصل الثالث عشر

1.1K 50 0
                                    

في المساء..جلست هزان مع أبيها و زوجته حول المائدة يتناولون طعام العشاء..كانت هزان صامتة و هادئة على غير عادتها..نظر اليها والدها و سأل بقلق" هزان..صغيرتي..ما بك؟ لماذا تبدين ساكنة على غير العادة؟ هل هنالك ما يزعجك؟" رسمت هزان على وجهها ابتسامة و ردت" لا تقلق ابي..أنا بخير..كنت افكر فقط..غدا سأباشر عملي في الجامعة..و انا متحمسة بعض الشيء" ربت ابوها على يدها و قال" لو كنت فعلا متحمسة لما كنت صامتة هكذا..لكنت تتحدثين و تقفزين هنا و هنا..لكنك لست كذلك..هناك ما يزعجك و لا تريدين اخباري به..أستطيع تفهم ذلك..لكن ما يهمني دائما هو ان تكوني بخير" قبلت هزان يد ابيها و قالت" اعلم ذلك جيدا..لا تقلق حبيبي..انا بخير" ثم وضعت شوكتها و سكينها من يدها و وقفت و هي تقول" لقد شبعت..صحة و عافية..سأخرج الى الحديقة" هز ابوها براسه و تابع ابتعادها بعيون قلقة..نظرت اليه زوجته ميلدا و قالت" ليتها تسمح لي بالتقرب منها و الحديث معها..لكنت ساعدتها و استمعت اليها..لكنها ترفضني و ترفض كل محاولاتي للتقرب منها" تجهم وجه أمين و قال" انها صعبة المراس و عنيدة..تظن بأنك سرقت مكان امها لذلك لا تتقبلك..لكنني أعتقد بأنها ستتقبلك ذات يوم..ستفعل ذلك عاجلا أم آجلا" امسكت ميلدا بيد زوجها و قالت" و انا سأفعل كل ما بوسعي لكي أهتم بها..انا حقا أحبها من كل قلبي و اعتبرها ابنتي" لمعت دمعة في عين امين و همس بصوت مخنوق" ميلدا..اذا حدث لي شيء او اصابني أي مكروه فاعتني بها..انها أمانة لديك..حتى ولو لم تتقبل مساعدتك فافعلي ذلك دون أن تعرف..افعلي ذلك من اجلي" عانقت ميلدا زوجها و تمتمت" ليحميك الله حبيبي..سأفعل..اعدك بذلك" ..خرجت هزان الى الحديقة فوجدت ياغيز يقف هناك مع مراد الذي كان يلقي نكاته التافهة كالعادة و يضحك عليها لوحده..

انتبه مراد لوجود هزان فاستوى في وقفته و توقف عن الضحك..نظر ياغيز الى هزان و سأل" هل تريدين شيئا آنستي؟" رمقته هزان بنظرة باردة و اكتفت بهز رأسها بالنفي..مشت هزان و هي تضع يديها في جيوب سروالها الرياضي الأبيض ..شعرت بوقع خطوات خلفها..التفتت لتجد ياغيز وراءها..سألت بعصبية" ماذا تفعل هنا؟ لماذا تتبعني؟" ابتسم ياغيز و رد ببرود" لأن هذا عملي..من واجبي ان اكون معك حيثما تكونين" هزت هزان بكتفيها و قالت" لست مضطرا لذلك..أنا في القصر و لست ذاهبة الى أي مكان..اذهب و اسهر مع اصدقاءك او مع حبيبتك" رد ياغيز" لم ينتهي دوامي بعد..و ليست لي النية للخروج خارج القصر هذه الليلة" نظرت اليه هزان بصمت فسألها" لماذا تنظرين الي هكذا؟" اقتربت منه هزان كثيرا حتى صار قادرا على الشعور بأنفاسها الدافئة تلفح وجهه و قالت" أريد أن أعرف..مالذي يميزك عن البقية؟ لماذا تبدو مختلفا جدا عنهم؟ لماذا تبدو جذابا الى هذه الدرجة؟ لماذا اعجز عن ازاحة نظري عنك في كل مرة اراك فيها؟ اخبرني ياغيز..لماذا؟" تراجع ياغيز الى الخلف هربا من رائحتها التي تفقده صوابه و رد ببرود" لا اعلم سيدتي..لا ارى في نفسي شيئا مميزا الى هذه الدرجة..انا مجرد رجل عادي" اقتربت منه هزان من جديد و وضعت يدها على وجهه ففوجئت ببرودة بشرته..حملقت فيه لوهلة ثم سألت" ياغيز..انك بارد جدا..ك..كالموتى..ما هذا؟ لماذا تبدو هكذا؟ انك غريب فعلا" تجهم وجه ياغيز لكنه تدارك الموقف و قال" الا ترين برودة الطقس..انني اكاد اتجمد..هذا كل ما في الأمر" هزت هزان رأسها بالنفي و هي تقول" لا..هذا ليس صحيحا..في المرة الماضية أيضا كنت باردا هكذا رغم ان الطقس كان دافئا و مشمسا..ياغيز..انت تخفي عني امرا ما..لماذا لا تصارحني؟ انك تبدو غريبا حقا..و بك شيء يدعو للشك" هم ياغيز بإجابتها لكن اقتراب جينك منهما منعه..بدا الانزعاج واضحا على جينك و هو يرى ياغيز الواقف مع هزان ..اقترب من هزان و قال" مساء الخير يا حلوة..كيف حالك؟" ردت" مرحبا جينك..انا بخير..و انت" اجاب" انا بخير ما دمت معك..ما رأيك أن نخرج للسهر معا؟" اجابت" لا اعتقد ان هذا ممكن لأن غدا هو اول يوم لي في العمل..و يجب ان انام باكرا" ابتسم جينك و قال" تمام..لكنك لن تطرديني بهذه السرعة..هل استطيع ان أجلس معك قليلا؟" مشت هزان معه نحو المقاعد الموضوعة في الحديقة و جلست بجانبه و هي تقول" اكيد..تفضل"..طلبت هزان من الخادمة ان تحضر لهما بعض المشروبات و الحلويات ثم التفتت الى جينك و قالت" ما اخبارك؟ كيف حال والدك؟" ابتسم جينك و رد" بخير..بخير..هزان..لم آتي الى هنا للحديث عن أبي..اتيت لكي اراك و أستمتع بصحبتك..لقد كان يومي طويلا و مملا..ليتنا قضيناه معا لكان اصبح رائعا" ابتسمت هزان و قالت" شكرا لك على المجاملة لكنني فعلا كنت مشغولة..سنعوض ذلك في المرة القادمة ان شاء الله" امسك جينك يدها و قال بحماس" اجل..لنفعل ذلك..هزان..قد تستغربين ما سأقوله لكنني معجب بك و اريد أن اقضي كل وقتي معك" رمقه ياغيز بنظرة باردة..تمنى ان يكسر يده تلك التي تمسك يد هزان و أن يبعده عنها لكنه لا يملك الحق لكي يفعل ذلك..سيتورط اذا قام بأي تصرف غير محسوب..لا يجب أن يمنع هزان من أن تعيش حياة طبيعية بما انه لن يضمن بأن تبقى معه اذا عرفت بحقيقته..و الأصعب هو انه لا يستطيع الابتعاد عنها..لقد انتظرها منذ مئات السنين..هي المرأة التي تخيلها و احبها و عاش مع صورتها التي رسمها في خياله..هي البشرية التي تمثل نقطة ضعفه و مصدر الخطر المحدق به..هي الانسانة التي يتمنى أن يشرب دمها الذي يعشق رائحته و الذي يجعله يفقد السيطرة على نفسه..دمها الذي سيسعى كل ابناء جلدته الى امتصاصه اذا عرفوا بأنه الدم الذي سيمنحهم الخلود و الأبدية..لذلك يجب ان يبقى الى جانبها لكي يحميها منهم و من نفسه ايضا..رفعت هزان عيونها نحو ياغيز فوجدته شاردا بنظراته بعيدا عنهما و كأن ما يحدث لا يعنيه..و كيف سيعنيه و هو لديه حبيبة و حامل منه كذلك..عادت تتحدث مع جينك و تجاريه في مجاملاته رغما عنها..كانت تحاول ان تشغل نفسها عن التفكير به و الغرق فيه اكثر..لكنه كان مسيطرا على كل ذرة فيها دون ارادة منها..

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن