الفصل الخامس عشر

1K 40 0
                                    

كان لقاء هزان مع طلابها جميلا و مشجعا..هناك وجدت نفسها و استعادت حماسها و تغير مزاجها الى الأحسن..أعطت محاضرتها الأولى بعد تعرفها على طلابها..حدثتهم عن تاريخ الانسانية ككل و عن عصور ما قبل التاريخ..لطالما كان الحديث عن التاريخ و تصفح صفحاته الغنية متعة بالنسبة اليها و باعثا على السعادة و السكينة..ساعتان من الهدوء و الاطمئنان رغم كل تلك الأحاسيس السيئة التي كانت تنهشها نهشا من الداخل..عقلها كان عاجزا على استيعاب قدرة ياغيز على التصرف معها ببرود و على تجاهلها بعد ما حدث بينهما..و قلبها يتمزق حزنا من كلمات الحب التي كان يقولها لهوليا على الهاتف..و كأن شيئا لم يحدث..و كأنهما لم يتبادلا تلك القبلة ليلة البارحة..ارتعشت يدها و هي تجمع أشياءها و تستعد للخروج من المدرج..ستعود للواقع الكريه و لبرود ياغيز المستفز و المزعج..ستراه امامها دون أن تتمكن من ملامسته..ستجبر نفسها على معاملته بنفس طريقته لعلها تخرس صوت قلبها الذي يحرضها على معاتبته و لومه..لكن بأي حق ستفعل ذلك..ابتسمت بسخرية و هي تراه ما يزال واقفا أمام الباب..تحرك بخفته المعهودة أمامها و هو يسأل" الى أين الآن؟" اجابت بنبرة هادئة" الى مقهى الجامعة..سأشرب قهوة و آكل ثم سأعطي محاضرتي الثانية..قد اجلس قليلا في مكتبي لكي أستعد قبل المحاضرة..تستطيع الذهاب الى أي مكان تريده..سأتصل بك عندما انتهي..او ربما اعود لوحدي..تصرف كما ترغب" نظر اليها ياغيز و سأل" هل انت بخير سيدتي؟" ابتسمت هزان و ردت" انا بخير..شكرا على السؤال" مشى معها الى المقهى و بقي واقفا و هي تجلس و تطلب قهوتها الاسبريسو ..رفعت عيونها اليه بعد ان خلعت نظاراتها الشمسية..هرب بعيونه منها و تظاهر بأنه يتفقد المكان..طأطأت رأسها و أخذت تلعب بهاتفها..رمقها هو بنظرات حزينة دون ان تنتبه له..يحزنه أن يراها هكذا..أن يؤذيها دون قصد..ان يؤلمها و يحرق روحها..لكن هذا الألم يعتبر هينا أمام ذلك الذي قد تشعر به اذا عرفت حقيقته..أغمض ياغيز عيونه فجأة و قد شعر بالخطر المحدق و الوشيك..اندفع نحوها بسرعة و انزلها تحت الطاولة و هو يصيح بأعلى صوته" لينزل الجميع الى الأسفل..انها رجة ارضية حادة" و فعلا حصل ما قاله..اخذت الأرض تهتز بقوة و الأشياء تتساقط هنا و هناك و من حسن حظ الموجودين بأنهم اتبعوا نصيحته و نزلوا الى الأسفل..لكن حالة الهلع و الرعب كانت تسيطر عليهم..في الخارج..كان هناك بعض الجرحى و المصابين و ضج المكان بسيارات الاسعاف و بصوت صافراتها المزعج..شعرت هزان بثقل جسد ياغيز فوقها و هو يحيطها بذراعيه و يحميها..رفعت عيونها نحوه فالتقت نظراتها و نظراته..

سألها بقلق" هل أنت بخير؟" هزت برأسها و أجابت" بفضلك" نهض عنها و رد" هذا واجبي سيدتي" رمقته بنظرة كلها شك و قالت" انا لا اتحدث عن قيامك بواجبك تجاهي..أنا أتحدث عن شعورك بالرجة قبل أن تحدث..و لا تقل بأن هذا ايضا أمر طبيعي في عملكم..لن تستطيع اقناعي هذه المرة..أخبرني..كيف استطعت الشعور بالخطر قبل حدوثه؟" ابتسم ياغيز و اجاب بهدوء" لنقل انها مزيج من الحاسة السادسة و سرعة البديهة..أحسست فجأة بالأرض تهتز تحت قدمي و تحرك داخلي شعور غريب بأن الخطر قادم لا محالة لذلك سارعت الى حمايتك و الى تحذير الجميع..هذا كل ما في الأمر" لم تبدو هزان مقتنعة باجابته لكنها قالت" تمام..سأحاول أن أصدقك رغم هذا الشعور الداخلي الذي يحدثني بأنك تخفي أمرا ما و لا تريد أن يعرفه احد عنك..تعالي لنذهب الى الخارج لعلنا ننجح في تقديم المساعدة" مشى ياغيز امامها و هو يتنفس بعمق و يحاول اخفاء علامات القلق التي ظهرت على وجهه..لقد أخطأ من جديد و أثار شكوكها..لكنه لو لم يفعل ذلك لكان أصابها مكروه لا سمح الله و لما كان سامح نفسه أبدا..تحركت هزان هنا و هناك و هي تحاول ان تقدم المساعدة للطلاب و للعاملين الذين أصيبوا بحالة هلع جراء ما حدث..رن هاتفها فردت على والدها الذي كان خائفا عليها و يريد الاطمئنان أنها بخير..قالت" أنا بخير أبي..لا تقلق..و انت؟ أين كنت عندما حدث الرجة الارضية؟ هل كنت في المنزل أم في الوزارة؟ هل انت بخير؟" اجاب" انا بخير يا ابنتي..كنت في الوزارة و لم يصب المبنى بضرر كبير..و العاملون هنا بخير عدا عن بعض حالات الرعب و الخوف..المهم أنني اطمأننت عليك حبيبتي..هيا عودي الى المنزل..انا انتظرك" قالت" تمام بابا..قادمة" التفتت الى ياغيز و قالت" هيا نذهب الى المنزل" سبقها الى السيارة و فتح لها الباب و انتظر صعودها ثم جلس خلف المقود و انطلق مسرعا..تأملته هزان للحظات ثم سألت" هل تحبها؟" قطب ياغيز جبينه و قال" عفوا؟ عمن تتكلمين سيدتي؟" قالت" عن هوليا..سألتك هل تحبها؟" نظر اليها ياغيز عبر المرآة المثبتة امامه و رد بعد صمت" نعم..أحبها كثيرا" طأطأت هزان رأسها و اضافت" هل ستتزوجها؟" ابتلع ياغيز ريقه بصعوبة و رد بصوت مبحوح" غالبا" غالبت هزان نبرة الحزن التي سيطرت على صوتها و قالت" أتمنى لكما السعادة" هز برأسه و قال" شكرا لك سيدتي" ثم ساد الصمت بينهما الى أن وصلا الى القصر..

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن