سنة كاملة مرت على ياغيز و هو متجمد في مكانه ..متأرجح بين الحياة و الموت..بين تمسكه بحياة فيها هزان ..و بين رغبته في موت لإنهاء حياة لا وجود لها فيها..على حاله هو..في نفس المكان..بنفس المشاعر الجياشة التي يكنها لها منذ اعوام طويلة..بنفس التعلق الرهيب بها و بنفس خوفه عليها و رغبته في حمايتها..بعشقه الأزلي لها و الذي جعله يتخلى عنها عندما خاف عليها من نفسها و من عالمه المظلم المخيف..فدفعها بيديه بعيدا عنه..و إئتمن عليها أكثر شخص يغار عليها منه..لسبب واحد فقط..هو انه يحبها..و لعل ما اتعبه فعلا طيلة هذا العام هو ان هذا الجليد الشديد البرودة الذي لفه و احتواه لم ينجح في اخماد نيران غيرته التي تلتهمه طوال الوقت..هي هناك..معه..في مكان بعيد عنه..دون أن يستطيع معرفة ما يحدث معهما..و هل تطورت علاقتهما يا ترى؟ و مالذي يمنع؟ فهزان الآن لا تتذكره..و لا تدري شيئا عما عاشاه معا في السابق..لقد اطفئ بنفسه ذلك الجنون الذي كانت تكنه له..هو الذي حرم نفسه من هذا الحب الذي لم يرى مثله..و لا يستطيع لوم نفسه..فحياتها و بقاءها بأمان اهم بالنسبة اليه..هناك..في رودوس..وقف جينك أمام هزان و قال" هزان..سأغيب يومين ..لدي عمل مستعجل في اسطنبول..اريدك ان تعديني" سألت هزان" بماذا؟" اجاب" بألا تغادري الجزيرة او تذهبي الى أي مكان آخر..ممنوع ان تتحركي لوحدك..و ان كنت تريدين الذهاب الى أي مكان..انتظريني حتى أعود..اتفقنا؟" زمت هزان شفتيها و قالت" و إلى متى سيتواصل هذا الوضع..لقد سئمت من قصة المجموعة الارهابية التي تحاول قتلي..ها قد مرت سنة كاملة..أيعقل بأنهم مازالوا يلاحقونني؟" رد جينك" اكيد..هزان..ارجوك..غايتي الوحيدة هي حمايتك..عديني لو سمحت" صمتت قليلا ثم سألت" الا استطيع المجيء معك الى اسطنبول؟ و اعدك بأنني لن اغادر المنزل..ماذا قلت؟" حاول جينك الاعتراض لكنها اصرت و وعدته بأنها لن تقوم بأي عمل جنوني ..فقبل بالنهاية و سافرا معا..
بعد اكثر من ساعة في الطائرة..وصلت هزان صحبة جينك الى منزله الخاص في اسطنبول..وضع جينك حقيبته و حقيبة هزان في الرواق امام الغرف ثم نظر اليها و قال" هزان..سأذهب للقاء والدي و اصدقائي و لدي بعض الاجتماعات في الشركة ثم سأعود..لن امنعك من الخروج من المنزل..لكن..اذا خرجت فحاولي أن تتخفي جيدا..حاولي الا تظهر ملامحك و حاولي ألا تتاخري في الخارج..هزان..اياك أن تغلقي هاتفك ..و أجيبي على اتصالاتي في كل وقت..و الا سافقد عقلي و أجن" رفعت هزان يديها بإستسلام و قالت" تمام..فهمت..لن أتأخر في الرد عليك و لن أذهب الى أي مكان يعرفني فيه أحد..قد أذهب لاحتساء قهوة في مكان هادئ بعيد..و قد أتسوق قليلا..و قد انزوي في مكتبة لكي أقرأ كتابا ما..هذا كل ما في الأمر..و أعلم جيدا بأنك لا تستطيع اخذي معك الى منزل والديك لأنهم يعتبرونني ميتة..و لا الى الشركة ايضا..لذلك أعدك بأنني لن أقوم بأي شيء يحرجك او يضعك في موقف كهذا لأن غايتك حمايتي..و لن اعرض نفسي للخطر..أعدك" ابتسم جينك و اقترب منها و عانقها بقوة و هو يقول" تمام..المهم أن تكوني بأمان لأنني لن اجازف بخسارتك مهما كانت الظروف..هزان..لقد وعدتك بأنني لن افتح الموضوع من جديد لكن ..انت تعلمين جيدا بأنني أحبك حتى و لو كنت مصرة على رفض هذا الحب رغم عدم وجود أي سبب يمنع..لكنني أخشى عليك و اخاف أن اخسرك" ابتعدت هزان عنه و ردت" جينك..اعلم انك تحبني..و قضينا عاما كاملا معا..لكن مشاعري تجاهك لم تتغير..اراك دائما كصديق..و كأخ حتى اذا اردت..الحب في حياتي مفقود..او ربما له علاقة بماضي..و كأن قلبي به فجوة عميقة لا يقدر أحد على سدها..او ربما كأن قلبي مكتوب بإسم شخص مجهول..يمنعني حتى من فتح بابه لأي أحد..كم تقرب مني من احد في رودوس..و كم حاول الكثير فتح علاقة معي..لكنني لم أقبل..دون سبب..جينك..اعتذر ان كنت جرحتك..لكن هذه أنا..و لن اكذب عليك و لن أستغلك..لأنك تحبني..أنا و انت لا ننفع أن نكون الا أصدقاء" هز جينك برأسه بحزن و قال" تمام..هزان..انا معك..و بجانبك..بأي صفة تريدينها..سأذهب الآن و كما اخبرتك..لا تغلقي هاتفك و لا تتأخري في الاجابة على اتصالاتي"..
راقبت هزان خروج جينك من النافذة و هي تشعر براحة غريبة انتابتها بمجرد وصولها الى اسطنبول..و كأنها تنتمي الى هنا..و كأن حياتها كلها كتبت هنا بحروف ذهبية..نقشت كالنقش في الحجر..و هذا النبض الغريب المتسارع في قلبها و الذي يوحي بأنها ستجد ما كانت تبحث عنه و تحلم به طيلة عام كامل..لا يكف عن الضجيج داخل صدرها..وضعت قبعة على رأسها و اخفت عيونها بنظارات شمسية سوداء و حملت حقيبة صغيرة و خرجت..مشت قليلا في الشارع ثم دخلت الى مقهى صغير في منطقة بعيدة..جلست قبالة النافذة و طلبت قهوتها الاسبريسو و اخذت ترتشفها على مهل..سحبت نفسا عميقا الى داخل صدرها و اغمضت عيونها مستمتعة بالنسيم البارد الذي تسلل من الشباك..الطقس كان غائما و باردا و السماء ملبدة بغيوم سوداء توحي بنزول المطر..بمجرد اغماضها لعيونها..لمحت وجها يخفيه شال أسود..لا تظهر الا عيونه..تلك العيون البلورية اللامعة التي لا تشبه غيرها..و التي كانت تلاحقها خلال نومها و صحوتها و تظهر لها كلما أغمضت عيونها طوال العام الماضي..لكن صاحب العيون يرفض أن يريها وجهه..و كأنه يهرب منها و يخشى أن تراه..فتحت هزان عيونها التي امتلأت فجأة بالدموع..بلا سبب..و اعتراها شعور غريب بالحزن و الانكسار و الفقدان..و ربما..الخيبة..من هذا الشخص؟ و لماذا يسيطر على افكارها و على خيالها؟ لماذا يتسلل الى عقلها و يجبرها على التفكير فيه؟ ..انهت هزان احتساء قهوتها و خرجت من المقهى..ركبت سيارة اجرة و وجدت نفسها تذهب بإتجاه قصر والديها..ذلك المنزل الذي اشتاقت اليه و الى كل ركن فيه..اشتاقت الى صوت ابيها الذي يناديها و يطمئن عليها..اشتاقت الى وجه أمها و الى ذراعيها التي تحتويها بحنان..اشتاقت الى شيء مجهول لا تعلم ما هو..قد يكون موجودا هناك..في القصر..أو حوله..ترجلت هزان من السيارة و وقفت للحظات أمام البوابة الحديدية الكبيرة ..ازداد ذلك الشعور العميق بالحزن و الأسى و اليتم و الوحدة..لم تستطع ان تخطو خطوة واحدة الى الداخل رغم وجود مفاتيحها معها في حقيبتها..لم تجد في نفسها الجرأة اللازمة لكي تفعل ذلك..او ربما الشجاعة الكاملة..التفتت لترى الغابة امامها..انتابها شعور غريب..و كأن يدا غريبة تشدها نحو الغابة..او كأن شخصا ما ينتظرها هناك..مشت كالمسحورة و هي تنظر يمنة و يسرة..الى أن وصلت الى ذلك الجزء المعزول و الذي يبدو أبرد من بقية الأطراف..
أنت تقرأ
حب من عالم آخر
Romanceقد تصادفكم قصص حب غريبة و مختلفة..و قد تتخيلون حكايا متفردة و نادرة لعشاق يلتقون و يفترقون و قد يجتمعون في النهاية و يكتبون نهاية سعيدة لقصتهما..أما هذه القصة فهي لا تشبه مثيلاتها من القصص..و حكاية الحب هذه لا يمكن لعقولكم أن تستوعبها..لأنها ببساطة...