الفصل الرابع عشر

1K 45 9
                                    

دخل ياغيز الى غرفته و صفق الباب خلفه بقوة حتى كاد ينتزعه من مكانه..مرر يده على رقبته بعصبية و هو يحاول جاهدا ان يسيطر على غضبه الذي اذا زاد عن حده يصبح خطرا و مدمرا حقا..كيف حدث هذا ؟ كيف فقد سيطرته على نفسه و كيف انهارت مقاومته و سمح لنفسه بتقبيلها؟ هل نسي بأنه سيعطيها املا و سيشجعها على التعلق به و التقرب منه ؟ هل نسي بأن علاقتهما مستحيلة حتى و لو كان يعشقها حد الجنون؟ لم يكن يجب ان يضعف و يفعل هذا..لم يكن يجب أن يقبلها و يفقد سيطرته على نفسه..لقد أخطأ و خطئه كبير جدا..و لا يعرف كيف سيتجاوز ما حدث و كيف سيتصرف و كأن هذا لم يحدث..ما يخشاه حقا هو الا ينجح في اعادة علاقتهما الى حالتها السابقة بعد تبادلهما لتلك القبلة السحرية و التي مازالت آثارها على شفتيه..وجد نفسه يمرر لسانه على شفاهه و يغمض عينيه لكي يعود الى تلك اللحظات الرائعة..حتى ذلك القلب الميت الذي لاينبض بين جنبيه خفق و تأثر بتحقيق حلمه بأن يقبلها..و كأنه لم يعد تلك الجثة الباردة و التي لا حياة فيها و عادت الدماء فجأة لتضج في عروقه و تملأه حياة و دفئا..هزان هي الحياة بالنسبة اليه لكنها مستحيلة و ممنوعة عليه..هذا ما يجب أن يفكر فيه فقط..على قدر حبه لها يجب ان يحميها من نفسه اولا ثم من أبناء عشيرته..في الحديقة..مشت هزان بلا هدى هنا و هناك..احاسيسها مختلطة و قلبها مازال ينبض بشدة و كانها مازالت تشعر بشفاهه على شفتيها..لقد كانت تلك اللحظات ساحرة و مميزة بالنسبة اليها..لقد انهزم امامها و نسي نفسه و تواصل معها كما ارادت و كما اراد..لن يستطيع ان ينكر بأنه قبلها بشغف رجل يحبها منذ زمن و كان يمني نفسه بأن يقترب منها..لن يستطيع ان يقنعها بأنه لم يكن راغبا بما حدث بينهما و بأنه كان سعيدا بذلك التقارب الذي حصل..رغم كل شيء..و رغم علاقته بأخرى تحمل طفلا منه..و رغم قوانين مهنته..وضعت هزان يدها على قلبها و كأنها تحدثه بأن يهدأ و بأن يبطئ نسق خفقاته المجنونة و ألا ينسى بأن هذا الرجل الذي تبادلت معه قبلة منذ قليل لا يخصها و لا ينتمي اليها..بل يخص امرأة أخرى..و كم يؤلمها ذلك..مشت هزان الى غرفتها و هي تتلفت باتجاه غرفته لعلها تراه او تلمحه لكن ضوء الغرفة كان مطفئا...

في الصباح..انتزعت هزان نفسها من سريرها انتزاعا لأنها لم تنم جيدا في الليلة الماضية..عقلها لم يهدأ و ظل يفكر بلا توقف..ارتدت فستانا أسودا متوسط الطول و تزينه طيات عديدة على الجانبين و حزام فضي في المنتصف..اطلقت شعرها القصير و وضعت مساحيقها ثم احتذت حذاءا اسودا بكعب مريح و حملت حقيبتها و نزلت مسرعة الى الأسفل..كان ياغيز يقف أمام البوابة و يتحدث عبر الهاتف..ارتشفت هزان رشفة من قهوتها و قبلت والدها الذي قال" اجلسي يا ابنتي و تناولي فطورك" ردت" لا أريد أن اتأخر على دوامي..الى اللقاء يا روحي" ثم خرجت مسرعة..سمعت فور وصولها بجانب ياغيز كلامه..كان يقول مخاطبا هوليا" اجل حبيبتي..سأراك بعد انتهاء الدوام..اشتقت اليك و أحبك..الى اللقاء جنم" جمدت هزان في مكانها و اخذت تحملق فيه و كأنها لا تصدق بروده و مقدرته على تجاوز ما حدث بينهما سريعا..التفت اليها و قال و هو يقفل ازرار سترته السوداء" صباح الخير هزان هانم..هل نذهب؟" ضغطت هزان على حقيبتها و هي تشعر بأن قلبها يتمزق الى قطع صغيرة..تنفست بعمق لكي تمنع دموعها من الانطلاق..اخفت عيونها بنظاراتها السوداء و اومأت اليه بالايجاب..فتحرك بخفة و فتح لها الباب..تجاوزته و ركبت و جلس هو خلف المقود و اخذ يقود و هو يصفر بسعادة..أبقت هزان على النظارات على عيونها لكي لا يفهم بأنها تنظر اليه و تراقبه..تمنت أن تحطم فمه الذي يطلق الصافرات و لا يتوقف عن الابتسام..فتح الراديو فانطلقت منه اغاني ايقاعية فرحة و تظاهر هو بأنه يتراقص مع انغامها فرحا..فتحت هزان النافذة و تظاهرت بأنها تتامل الطريق و البنايات لكنها في الواقع كانت تهرب من تصرفاته المستفزة و اللامبالية بها..وصلا بعد دقائق الى الجامعة فادخل ياغيز السيارة الى الموقف و رافقها الى المدرج حيث ستلقي محاظرتها الأولى..قالت فور وصولها الى الباب" ابقى في الخارج لو سمحت..لا أريد للطلاب أن ينزعجوا من وجودك..ساعتان و تنتهي المحاضرة..تستطيع الوقوف هنا او الانتظار في السيارة اذا اردت" و دخلت..وضع ياغيز يده على خشب الباب و تمتم بصوت ضعيف" آسف هزان..أنا مضطر أن افعل ذلك..يجب أن تبتعدي عني و ان تكرهيني..لأنني لا استطيع أن أؤذيك..آسف"

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن