الفصل الثامن و الثلاثون

999 40 0
                                    

حملق ياغيز في كل ما يجري بعيون حزينة كلها خيبة أمل..انشغلت هزان بمعانقة ميلدا و جينك و أصدقاءها الذين أتوا للاحتفال بعيد ميلادها أما ياغيز فرمق جينك بنظرة حادة ثم وقف بعيدا و الغضب يأخذ منه كل مأخذ..كان يعلم جيدا بأن جينك هو صاحب هذه الفكرة..فكرة اقامة حفل عيد ميلاد هزان و تقديم الهدايا لها لكي يتقرب منها و لكي يثبت له بأنه يعرف هزان أفضل منه و بأنه يستطيع سرقتها منه..فبالنهاية العلاقة بينه و بين هزان ممكنة و ليس فيها خطر عليها..أما علاقته هو بها فهي مستحيلة و مؤذية على جميع النواحي..مرر ياغيز يده بعصبية على عنقه و حاول أن يهدئ من غضبه الذي اذا زاد عن حده يصبح خطرا عليه يهدد بانفضاح امره في كل لحظة..خاصة مع تغير لون عيونه الى لون غريب يلفت الأنظار..و لعل مازاد من انفعاله هو قدرته على سماع افكار جينك الذي كان مسرورا لأنه استطاع ان يفعل شيئا مميزا لهزان عجز هو عن معرفته او القيام به..عانق جينك هزان بقوة و هو يقول" عيد ميلاد سعيد يا حلوة..أتمنى بأن تعجبك المفاجأة التي أعددناها لك" ربتت هزان على ظهره و ردت" شكرا لك من كل قلبي جينك..لقد نسيت هذا التاريخ حقا..لو لم تفعلوا هذا لما تذكرته أبدا..أنت حقا صديق رائع" قال جينك يحدث نفسه" ليتني أكون اكثر من صديق" جمع ياغيز قبضته بعصبية و خرج الى الحديقة..تلقت هزان التهاني من الموجودين و اخذت تقطع قالب الحلوى فيما راح جينك يلتقط لها الصور..بحثت هزان بعيونها عن ياغيز في انحاء الغرفة لكنها لم تجده..همت بالخروج للبحث عنه لكن جينك استوقفها قائلا" هزان..الى أين؟ سنقدم لك الهدايا" ترددت هزان لوهلة بين البقاء و الذهاب ثم أخذت تتلقى الهدايا من اصدقاءها فيما كان عقلها مشغولا بياغيز..تقدمت منها ميلدا و أعطتها صندوقا متوسط الحجم و قالت" صغيرتي..هذه هديتنا انا و أبوك لك..أتمنى أن تتقبليها مني و أرجو ان تعجبك" اخذت هزان الصندوق من يدها و عانقتها بقوة و هي تقول" طبعا اقبلها..شكرا لك ميلدا أبلا..الآن فهمت أنني كنت أظلمك بسوء معاملتي لك..أعتذر عن ذلك..و أتمنى أن تسامحيني" ربتت المرأة على شعرها بحنان و قالت" لقد نسيت ما مضى و لا داعي للاعتذار..المهم أن تكوني مرتاحة و سعيدة..و لا تنسي..أنا دائما هنا من أجلك" تذكرت هزان أن هذه آخر كلمة سمعتها من أبيها فنزلت دمعة سخية على خدها لم تستطع منعها و لا السيطرة عليها..ليته كان موجودا اليوم معها لكي لا تشعر بهذا الفراغ الكبير و المؤلم..تقدم جينك نحوها و مسح دمعتها ثم اعطاها هديته و هو يقول" لا تبكي..هزان..أكره أن ارى دموعك..اليوم يوم للفرح و ليس للحزن..انظري..احباءك كلهم حولك"..

نظرت هزان حولها و كأنها تبحث عن حبيبها الذي تريده أن يكون دائما موجودا بجانبها لكنه لم يكن هناك..استغلت هزان انشغال جينك بالحديث مع ميلدا و خرجت مسرعة للبحث عن ياغيز..كان يقف وحيدا في الحديقة و الحزن باد على ملامحه..اقتربت منه هزان و سألت بقلق" ياغيز..لماذا أنت هنا؟ لماذا تجلس لوحدك في الحديقة؟" رد بنبرة حزينة" لأنه لا مكان لي في الداخل" احاطت هزان وجهه بيديها و همست" مكانك هنا" و اشارت الى قلبها ثم اضافت" لا أريد أن أكون في أي مكان لا تكون أنت متواجدا فيه..لماذا انت حزين هكذا؟" تمتم ياغيز بصوت مخنوق" لأنني لم أستطع أن أفعل شيئا مميزا لك بمناسبة عيد ميلادك..لم اعرف بتاريخه أيضا..جينك هو من فعل..هو من احتفل لك بعيد ميلادك..و احضر لك هدية..و جمع اصدقاءك..و ماذا فعلت أنا؟ لا شيء..لهذا أنا حزين" ابتسمت هزان و قالت" ياغيز..هذا كله لا يعنيني..عيد الميلاد و الهدايا و غيرها..ما يعنيني هو أن أكون معك أنت..مع حبيبي..ياغيز..أنا أحبك أنت..و لست مهتمة بغيرك..مهما فعل و مهما قدم لي..افهم ذلك" تكلم ياغيز بعصبية" لكن جينك يحبك..الا تستطيعين رؤية ذلك هزان؟ انه يفعل كل شيء لكي يلفت انتباهك و يفوز بحبك..و معه حق..انه شخص طبيعي..علاقتكما تكون طبيعية و معقولة..أما معي أنا ف.." قاطعته هزان بأن وضعت اصبعها على شفتيه و همست" انا اريدك أنت..فلتفهم ذلك..و أقبل بعلاقتنا مهما كانت مستحيلة..أنا أرضى بها..و أقبلها..فليحبني كل من في الأرض..أنا لا أهتم الا بك أنت..و أحبك انت فقط ..هل هذا واضح؟" هز ياغيز برأسه فاضافت" تمام..لنعد معا الى الداخل اذا..و لنحتفل معا..و تستطيع تعويضي بشراء هدية في وقت لاحق..المهم ألا تحزن او تغضب" و سحبته من يده ليدخلا معا الى الداخل..لم تكن هناك موسيقى و لا رقص احتراما لحالة الوفاة التي لم يمضي على مرورها سوى أسبوع واحد..بل كان الموجودون جالسين هنا و هناك على شكل مجموعات يتجاذبون اطراف الحديث و يمزحون..رفع جينك رأسه و تغيرت ملامحه فور رؤيته لياغيز وو هو يدخل خلف هزان..التقت عيونهما فابتسم ياغيز ابتسامة انتصار ذات معنى أغاضت جينك و اشعلت فتيل غضبه فاستأذن هزان في الذهاب و خرج مسرعا..

أخذ الحاضرون ينصرفون الواحد تلو الآخر عندما تأخر الوقت و صارت الساعة تشير الى منتصف الليل الى أن بقيت هزان لوحدها مع ياغيز بعد أن صعدت ميلدا الى غرفتها لكي تنام..حمل ياغيز الهدايا الى غرفة هزان و تبعته هي..سألت" ماذا سنفعل الآن؟" وضع ياغيز الهدايا و سأل بدوره" هزان..هل تريدين عيش مغامرة لم تقومي بمثلها في السابق؟" أجابت هزان بحماس" أكيد" سألها من جديد" هل تثقين بي؟" ردت و هي تنظر مباشرة داخل عينيه" نعم..أكثر من نفسي حتى" لمعت عيونه و قال" تمسكي بي جيدا اذا" جعلها ياغيز تصعد على ظهره و فتح النافذة و همس" اغمضي عينيك اذا أردت" قالت بتصميم" لا..لن أفعل" ابتسم ياغيز بسعادة و قفز عبر النافذة بسرعته الرهيبة ليصل خلال ثانية واحدة الى الشجرة المقابلة للقصر..شهقت هزان بصوت عالي و هي تضغط بأصابعها على كتفيه..لم تغلق عيونها بل خيرت أن تعيش المغامرة كما يجب..اخذ ياغيز يتسلق الشجرة لكي يصل الى قمتها ..كان كأنه يطير و يداه لاتكادان تلامسان جذع الشجرة..من على القمة..رأت هزان مدينة اسطنبول بأضواءها المتلألئة و مساكنها المضاءة و مبانيها الشاهقة..كان المشهد أكثر من رائع..حملقت هزان فيما تراه و هي تفغر فاها من الدهشة و الاعجاب..قالت بصوت مرتعش" واااو..هذا رائع..ياغيز..لا أكاد أصدق ما أراه..لم يسبق لي أن رأيت هذا" سألها" ألست خائفة؟" هزت هزان برأسها و ردت" لا..أعلم جيدا أنني بأمان معك" ضحك ياغيز و سأل" ما رأيك اذا بتجربة شيء آخر؟" قالت" مواقفة" و في نفس اللحظة كانا ينزلان بالسرعة القصوى الى الأسفل..راقبت هزان ما يجري بعيون مندهشة و متحمسة..ترتفع نبضات قلبها حماسا و ليس خوفا..تحب ما يحدث معها و ما تعيشه بوجود ياغيز معها..لكنها لا تخاف منه أبدا..قفز بها من جديد فوجدت نفسها فوق سطح القصر..نزلت عن ظهره و أخذت تتحرك بحماس هنا و هناك..نظر اليها ياغيز و سأل" كيف تشعرين؟" ردت و هي ترفع يديها عاليا" أشعر بأنني أطير..أشعر بأنني مميزة حقا..ياغيز..حبيبي..شكرا لأنك جعلتني أعيش مغامرة كهذه..هذه اجمل هدية أتلقاها على الاطلاق" ابتسم ياغيز و قال" أنا سعيد لأنني جعلتك سعيدة.. و الآن ..يجب أن تعودي الى غرفتك لكي تنامي..لا تنسي أنك تعملين في الصباح..هيا..لقد تأخر الوقت" اعاد حملها على ظهره و نزل بها بحركة واحدة الى غرفتها..دخلا عبر النافذة فوضعها ياغيز على سريرها و هم بالابتعاد لكنها لم تسمح له..قالت بصوت مبحوح" ابقى معي..أريد أن أنام بين أحضانك" هز ياغيز برأسه و استلقى بجانبها فوضعت رأسها على صدره و لفت جسده بيدها..

حب من عالم آخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن