الفصل 1 (حديثي مع النجوم)

2.2K 25 4
                                    


أنهت صلاتها ورفعت يديها تناجي الله ودموعها لا تتوقف عن الانهمار ... تريد الخلاص ... النجاة ... السكينة ... أحيانًا تريد الموت.

نهضت تطوي سجادة الصلاة وهي تنظر لذلك المدعو زوجها ببغض وهو مستغرق في النوم بعد أن أشعرها بالغثيان من قربه منها. كالعادة لم ترفضه، وكيف عساها تفعل وليس لديها عذر قاطع يمنعه من ذلك؟! أي عذر قد تتصنعه سيفتح عليها باب جحيم غضبه، وسيلًا من الإهانات التي لا تنتهي.

كانت قد هرعت إلى الحمام بمجرد أن فرغ منها لتغسل آثار لمساته وأنفاسه التي باتت تثير اشمئزازها، ورغم هذا عليها الاحتمال.

خرجت إلى الشرفة تنظر إلى القمر المتواري خلف الغيوم وتلك النجوم اللامعة تشكو لها حزنها وضيق صدرها ... ومن سوى النجوم لها كي تخبرها بما اقترفه ذلك البغيض في حقها؟! ... ماذا عساها تشكو؟! ... ألم روحها أم ألم جسدها؟! ... فكلاهما تمزق إربًا بعد هذا الزواج الذي نصحها به الجميع كونه فرصة لن تتكرر لمن هم في مثل عمرها وظروفها.

قبل بضعة شهور فقط كانت فتاة سعيدة تخلو من الهموم رغم كل الظروف. لم يكن يعكر صفو حياتها سوى موضوع الزواج الذي يردده على أسماعها القاصي والداني، القريب والغريب، كأن الجميع بات يرى زواجها مسؤوليته الخاصة ويترأس قائمة أولوياته في الحياة. رغم كل ما أنجزته في حياتها العملية والمهنية من نجاح وتفوق إلا أن الجميع لا يزال يراها ناقصة فقط لأنها بلغت الثلاثين ولم تتزوج بعد.

درست تخصص الهندسة البرمجية الذي رغبت به وأحبته. أبدعت، وتعبت، ونالت فرصة جيدة للعمل في إحدى الشركات الكبرى. ليست مبذرة، لذا تمكنت من جمع بعض المال فهي تحلم بإنشاء عملها الخاص يومًا ما. لمَ لا وهي قادرة على ذلك من ناحية المهارات والذكاء، وبوسعها منافسة العديدين في هذا المجال، لكن يبقى العامل المادي هو ما يعيقها. لم تيأس قط وبقيت تحاول تطوير نفسها كي تحقق حلمها يومًا ولا تعتمد على أحد حتى عائلتها.

الشهادات ... النجاح ... التفوق ... العمل ... كله بلا معنى بجانب الزواج وليس له أدنى أهمية في نظر البعض ... لنقل في نظر معظم الناس.

ليس الأمر أنها لم تجد شخصًا مناسبًا وحسب طوال هذه السنوات، ولكن الحادث الذي جعل من الزواج شبحًا يطاردها هو العائق الحقيقي. تعرضت لإصابة أفقدتها السمع في إحدى أذنيها بالإضافة إلى تشوهات شديدة في منطقة الأذن وشيئًا من العنق.

لم يكن يؤلمها منظر التشوه وفقدان حاسة السمع في أذنها كما كانت تؤلمها نظرات الشفقة في عيون الآخرين ممن عاصروا مرورها بهذه المحنة. بالنسبة لها فالأمر ابتلاء من الله ورضيت به بعد صراع، ودعاء، وبكاء وهي تناجي الله طالبة معجزة إلا أنها بعد سنوات لم تعد تبالي بالأمر. بالنسبة لشخصيتها هي تدرك تمامًا بأنها لولا ما أصابها لم تكن لتنكب على الدراسة وتطوير نفسها بهذا الشغف، لذا هي تحمد الله كونه جعل ابتلاءها سببًا في إصرارها على النجاح.

عمرُ روحيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن