ليالي مشبعة بالأرق عاشتها منذ أن التقت به في الفندق. لا تدري أي صدفة جمعتهما من جديد لتتساءل في داخلها إن كان هذا الرجل هو قدرها ونصيبها الحقيقي. لا زال يطاردها ولا ينفك يحاول إقناعها بالموافقة على زواجها به. لم تعد تستطيع النوم فكل ما تفعله في ليلها هو الصلاة والدعاء طالبة من الله أن يهدي قلبها، ويرسل لها إشارة لتتمكن من اتخاذ قرارها.
قلبها يخفق بجنون كلما رأته وتحدثت معها، فكيف وهو لا ينفك يحاول إثارة إعجابها، ويخبرها كيف كانت حالته في بعدها، وكيف بحث عنها كالمجنون لدرجة أنه كان على وشك استخدام علاقاته رفيعة المستوى ليسألوا له عنها، ويعرفوا أي طريقة توصله لها.
أدهشها وأثار إعجابها، ولكنها لا زالت تخشى الارتباط من جديد، فلعلها محض مشاعر مؤقتة وسيندم لاحقًا. التقطت العديد من الصور لمكان التشوه وأرته له، لكنه لم يأبه، بل كان يتخطى جميع مواقفها الجدية السلبية التي تحاول إبعاده فيها عنها بشكل مرح.
بينما كان يلاحقها في أحد أسواق اسطنبول وهو لا يتوقف عن الحديث كعادته منذ أن التقيا توقفت فجأة ونظرت له بحنق:
- ما الذي تريده مني؟ لمَ كل هذا الإصرار بعد كل ما أخبرتك به.
- لا شيء مما قلته لي يثنيني عن قرار الزواج بكِ.
- وكيف ستنفذ هذا القرار إن لم أوافق عليه؟!
- ستوافقين يا حور.
- رغمًا عني؟
- كلا، برضاكِ بالطبع.
- وكيف يمكن أن يحدث ذلك وأنا أستمر برفضك.
- حور .. أنتِ لم ترفضيني .. أنتِ فقط خائفة من فكرة الارتباط من جديد .. تحاولين صدي بإظهار عيوبك كلها لعلي أبتعد وأرجع عن رأيي.
دمعت عينا حور، فاقترب خطوة منها وقال بلطف: لن أبتعد يا حور .. لا يمكن أن أبتعد بعد أن وجدتكِ .. أنا واثق تمام الثقة باختياري لكِ .. أنتِ لا تعلمين ما فعلته بقلبي الذي ظننته ميتًا .. أليس لقاؤنا هذا دليل على أن الله وضع كلًا منا في قدر الآخر؟! .. لماذا تهربين من الحقيقة؟
طأطأت حور رأسها وقد انسابت دموعها، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا عنه لتمسح دموعها وإذا به يقترب ليقف مقابلها من جديد، وأردف قائلًا: يا حور! هل حقًا لم تشعري بأي شيء تجاهي حتى الآن؟ يمكنني رؤية الكثير في عينيك .. أحاديث كثيرة تحاولين إخفاءها عني .. ألم يراودك الفضول حتى بشأني طوال الأشهر الماضية؟
أشاحت بوجهها هربًا منه وقد سارعت الخطى لتتهرب من الإجابة، فابتسم وهتف وهو يسارع الخطى خلفها: اهربي بقدر ما شئتِ .. حتى لو هربتِ لآخر الدنيا سأتبعكِ .. لقد حصلت على إجابتي وسأتزوجكِ يا حور.
ابتسمت خلسة من بين دموعها وهي تهمس قائلة: مجنون!
لم تعد حور تتمكن من صده خاصة عندما تتسع ابتسامته وتظهر غمازتيه. تشعر بنفسها تغرق فيهما، ولا يعود بوسعها رفض أي شيء مما يقوله أو يفعله من أجلها. قبلت منه الورود والهدايا البسيطة التي كان يحضرها لها، والتي كان يتعمد أن تكون بسيطة للغاية كي لا ترفضها حتى لو كانت قطعة كعك أو دمية صغيرة. استمرا على هذا الحال حتى اليوم الأخير لهما هناك، واستطاع في النهاية انتزاع الموافقة من بين شفتيها، ليشعر بأنه ملك الكون بأسره، وعقب سعادته تلك راوده الارتباك وهاتف أمه ليخبرها بأنه تمكن من إقناع حور، وبأنه سيرتب أمر السفر ليذهبوا ويطلبوا يدها للزواج من أهلها.
أنت تقرأ
عمرُ روحي
Romansaلا تسألني كم عمري ... اسألني كم عمر روحي. لماذا دائمًا ترتبط فرص زواج الفتاة عكسيًا بالعمر؟! ... كلما زاد عمرها قلت فرصها؟ ... ماذا لو لم يكن الأمر مقتصرًا على عمرها وحسب؟ كم ستنخفض نسبة هذه الفرص الضئيلة في مجتمعاتنا؟ ... هل الزواج هو طوق النجاة له...