الفصل 17 (ليلة وداع)

613 17 2
                                    

صمت وشرود ودموع متحجرة بالكاد تمنعها من الهبوط على وجنتيها، فكلما أوشكت على السقوط مسحتها بسرعة. يمسك بيدها ويرمقها بحزن شديد وهما في سيارة الأجرة ليوصلها إلى منزلها.

كلاهما يفكر بالفراق والبعد الذي سيؤرق لياليهما .. يفكران بالشوق والألم الذي سيعتصر قلبيهما في فترة البعد هذه .. كيف لهذا الحب أن يكبر بهذه السرعة ويصبح بتلك القوة خلال هذه الفترة البسيطة .. كلاهما يعلم بأن هذا العشق ليس وليد نظرة أو يوم ولا حتى شهر .. هو عشق قلوب التقت في أظهر بقاع الأرض لتخبرهما بأنهما النصيب الجميل للآخر .. أن كلًا منهما هو توأم روح الآخر، وجزؤه المفقود الذي كان يبحث عنه لسنوات .. لم يكن لقاءهما صدفة على الإطلاق .. بل قدر .. قدر جميل أتى ليعوضهما عن سنوات العذاب والضياع والألم.

كان لدى حور مخاوف كثيرة تشغل تفكيرها فيما يخص هذا الفراق. لا تدري لماذا راودتها فكرة بأنه قد يهجرها، وبأن هذا الزواج لن يتم مطلقًا. هل ستفقده للأبد بعد أن جعلها تعرف معنى الحب الذي لم تشعر به سوى معه؟! هي ليست مستعدة لشيء كهذا مطلقًا؛ لأنه إن حدث حقًا فلن تنهض من أسفل الركام أبدًا هذه المرة، بل ستدفن تحته للأبد.

توقفت السيارة أمام منزل حور، ففاقت من شرودها على باب السيارة الذي فتحه لها زين لتنزل بعد أن طلب من السائق الانتظار قليلًا ليعيده إلى الفندق. مشى معها حتى دخلا البوابة ووقفا في الحديقة قليلًا، فبدأت دموعها بالهبوط بغزارة وهي تقف أمامه. ها قد حانت لحظة الفراق الذي لا تدري إن كان سيعقبه لقاء أم لا.

مسح دموعها بيديه وهو ينهاها عن البكاء رغم أن قلبه يعتصر ألمًا، ويود لو يبكي هو الآخر، لكن عليه التماسك ليخفف عنها. فراقها ليس بالسهل، وقد جربه من قبل وكاد أن يفقد عقله، فكيف له بفراقها بعد أن جرب قربها؟! هذا أصعب بكثير على قلب العاشق المشتاق.

ضمها إلى صدره بقوة وهو يحاول القول بابتهاج مصطنع: يا حوري! لمَ كل هذه الدموع يا روح قلبي؟! إنه محض شهر وسأعود لكي نتزوج، وسنبقى معًا للأبد حتى تملي مني.

لم ترد ولم تأبه لمزحته السخيفة، بل أجهشت بالبكاء وهي تدفن رأسها في صدره، فضم شفتيه محاولًا التحكم بعواطفه ودموعه التي بدأت تتجمع في عينيه، ليردف قائلًا: حبيبتي .. توقفي عن البكاء فأنت تزيدين وداعنا ألمًا .. لا توجعي قلبي بدموعكِ هذه .. سنبقى دائمًا على تواصل .. صدقيني سأزعجك كثيرًا و ...

قاطعته بسرعة وهي ترفع رأسها وتنظر إليه قائلة: ابقَ معي الليلة .. أرجوك .. يمكنك أن تغادر في الصباح من هنا إلى الفندق .. لكن ابقَ معي الليلة.

كيف عساه يرفض فقد كان يتمنى ذلك على أي حال؟! صمت للحظات وهو ينظر لها بحيرة، ثم تساءل قائلًا: ماذا عن والديكِ؟

ردت حور بثقة: أنا سأتحدث معهما .. لا تذهب.

أومأ لها بالموافقة، ثم قال: حسنًا، سأحاسب سيارة الأجرة وأعود إليكِ.

عمرُ روحيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن