الفصل 70 (هدوء .. غضب)

378 13 6
                                    

لا تنسوا التصويت فضلًا❤️ ... بالضغط على النجمة⭐️

بدأ تنفيذ الخطة بشقيها حيث عمل جواد على إرسال الأدلة المتعلقة بابن عادل إلى أمه ليخبرها بأن عادل اختطف طفلها وأوهمها بوفاته مع صوره وكافة المعلومات عنه لتتمكن من التواصل معه، وفي الوقت ذاته طلب معاذ من رجاله إيصال المعلومات عن الأم لابن عادل، وعن كل ما فعله أبيه وخطفه له وإخباره بأن أمه ماتت في حين أنه قد خطفه منها. أشعل كل منهما النار في جهة وما عليهما سوى الانتظار ليريا ماذا سيحدث خاصة أنهم يعلمون بأن زوجة عادل السابقة من عائلة ذات نفوذ وحتى نفوذ زوجها الحالي لا يستهان به، لذا هي قادرة على استعادة ابنها.
................................
كانت ندى تجلس في غرفتها تبكي حالها وتنتظر الفضيحة التي سيتناقلها الجميع عندما يظهر حملها؛ فهي ما زالت لم تعلم بسجن خالد وكل ما حدث معه. رن هاتفها وتفاجأت باسم زين، فمسحت دموعها وحاولت التحكم بنبرة صوتها لتبدو عادية، ثم أجابت على اتصاله ليرد هو بجمود دون مقدمات: أود مقابلتكِ ... بعد ساعة في الشركة.
تساءلت ندى باستغراب: لماذا؟ ما الأمر؟
أجابها بنفس الجمود: عندما تأتيتن ستعرفين.
أنهى المكالمة وهي تشعر بالحيرة إلا أنها نهضت واغتسلت، وحاولت إخفاء آثار الإرهاق التي على وجهها بمساحيق التجميل وخرجت متوجهة إلى الشركة.
قبل مرور الساعة كانت ندى تقف أمام ليان تخبرها بأن لديها موعد مع زين. دخلت ندى عقب خروج ليان ومدت يدها نحو زين لتصافحه، لكنه تجاهلها وطلب منها الجلوس، ثم جلس مقابلها.
- من البداية وقبل أن تذهبي بتفكيرك بعيدًا لسبب هذه المقابلة سأخبركِ بأنني أعلم بكل شيء يخص تعاونك أنت وخالد وكذلك زينة لسرقة ملف المناقصة.
- زين أنا ..
- لا تقاطعيني ... أعلم بأن زينة ندمت ولم تعد تتعاون معكما، ولكن خالد بات مهووسًا بها ويلاحقها بسبب تمنعها ورفضها له ... لم أحضركِ هنا لأناقشكِ فيما حدث.
- ماذا تريد إذًا؟
- خالد في السجن ولن يخرج قبل سنوات طويلة، والتسجيلات التي يمتلكها لذوي النفوذ ستجعله في ورطة كبيرة معهم ... لقد تخلى عنه الجميع ولم يعد يملك شيئًا يهدد به أحد.
- ماذا؟ وأين باتت هذه التسجيلات؟ بيد من؟
- اهدئي ... استخدمت علاقاتي وتمكنت من أخذ التسجيلات الخاصة بالنساء اللواتي خدعهن كي لا يتورطن أو يفتضح أمرهن بالتحقيقات ... وخلال ذلك وجدت ملفًا باسمك ... ها هي ناقلة البيانات التي تحوي التسجيلات الخاصة بكِ.
مدت يرها المرتعشة لتأخذ ناقلة البيانات ودموعها تنهمر على وجنتيها، ثم قالت: لا تقل بأنك شاهدتها من فضلك.
احتدت نظراته قائلًا باستنكار: ماذا تحسبينني؟! هل جننتِ؟ لم نشاهد أي شيء من التسجيلات القذرة التي لديه .. فقط أعدنا لكل فتاة ما يخصها حتى تتلفه بنفسها ... وهو سينال عقابه على كل ما اقترفه.
أحكمت قبضتها على ناقلة البيانات وطأطأت رأسها وهي تشعر بخزي شديد، فعقب ما فعلته بليان وبه ومحاولتها فضحهم إلا أنه حافظ على شرفها ولو كان رجلًا غيره لانتقم منها شر انتقام ونشر هذه المشاهد ليفضحها. سمعته يقول: لقد استدعيتك لأعطيك ما يخصكِ، ولكي أخبركِ بأنني لا أريد رؤية وجهكِ بعد الآن ... عيشي حياتكِ بعيدًا عنا ... هل فهمتِ؟
أومأت برأسها موافقة وهي لا تزال تبكي ولا تكاد ترفع رأسها خجلًا منه، وبعد لحظات من الصمت رفعت رأسها تنظر إليه وهتفت برجاء: هل يمكنك مساعدتي بأمر أخير وأعدك بأنك لن ترى وجهي بعدها أبدًا؟! أنا في ورطة كبيرة ولا أحد يسعه مساعدتي سواك يا زين ... أرجوك.
استغرب زين رجاءها بهذه الطريقة المليئة بالحرقة فقد أعاد التسجيلات وتخلصت من التهديد، فماذا تريد بعد؟!
- ماذا تريدين؟
- اجعل خالد يتزوجني لبضعة شهور ويطلقني بعدها.
- لماذا؟ إنه في السجن وقريبًا سيعلم الجميع بما فعله، وليس من مصلحتكِ أن تبقي زوجة له وسط هذه الفضائح.
- أنا مجبرة على ذلك لأنني ... حامل منه.
أشاح زين بوجهه وابتسم بتهكم وعدم تصديق، لتسارع قائلة: رغمًا عني ... ذهبت إليه لأخبره بأن ننهي علاقتنا ونقطع عقود الزواج العرفي التي بيننا والتي لم أكن أعلم بأنها مزورة، فاعتدى عليَّ ذلك الوغد وضربني وهددني بأمر التسجيلات ... لم أكن أعلم بأي شيء من هذا من قبل ... ولا يمكنني إجهاض الجنين لأن في ذلك خطرًا على حياتي ... أرجوك ساعدني يا زين.
أخذ زين نفسًا عميقًا وقال: سأحاول ... سأتحدث مع جواد وأرى إن كان هناك وسيلة لنضغط عليه بها كي يتزوجكِ.
شرعت تشكره وتعبر عن امتنانها له ونهضت لتقترب منه، فأشار لها بيده كي تتوقف وفعلت، ثم قال بهدوء: عندما يطرأ جديد سأبلغكِ ... يمكنك الذهاب الآن.
غادرت مكتبه وهي تمسح دموعها وتلعن نفسها على اليوم الذي فكرت فيه بالتخلي عنه مقابل ذلك العجوز الثري .. كيف لها أن تترك رجلًا كهذا؟! .. الذي رغم كل ما فعلته به إلا أنه حافظ على شرفها وسيساعدها حتى لا يفتضح أمرها بين الناس.
......................................
جلست مع أمها وأختيها في حديقة المنزل الصغيرة يرتشفن الشاي ويأكلن الكعك الذي أعدته الأم، فتساءلت الأم بحزن وقلق على حال بناتها:
- ماذا سنفعل الآن يا ابنتي؟ وإلى متى سنبقى هنا؟
- لا أدري يا أمي ... ولكن ربما يكون لوقت طويل.
- ومدرسة أختيكِ؟ لا يعقل أن تبقيا دون مدرسة.
- سأقوم بنقلهن إلى المدرسة هنا يا أمي لا تقلقي.
- من الصعب أن يتأقلمن ونحن في هذا الوقت من السنة.
- لا حل آخر لدينا يا أمي ... لا يمكنني ترككن وحدكن في هذا الوضع .. تعلمين الظروف.
أشارت لأمها التي فهمت مقصدها بأنها تخاف أن يتعرض لهن أحد بالأذى بسبب ذلك الرجل الذي شكته لمديرها، ولكنها لا تريد التحدث أمام أختيها كي لا يشعرن بالخوف، فاكتفت الأم بإيماءة من رأسها، ثم تساءلت قائلة: بما أنكِ دون عمل الآن، فماذا عن راتبك؟ كيف سنتدبر مصروفنا يا رنا؟ كل مدخراتك اشتريتِ بها تلك الشقة والآن هذا البيت.
ابتسمت رنا قائلة: اطمئني يا أمي ... هذا البيت دفعت ثمنه الشركة التي أعمل بها ... لم أدفع شيئًا، وبالنسبة للمصروف كنت أفكر بأن نفتح مطعمًا هنا ... نحن ماهرات بالطهي وإعداد الحلويات ... سنعد مأكولات شرقية وغربية وسنجرب وصفات جديدة باستمرار لنضيفها إلى قائمة المطعم ... ما رأيك؟
صمتت الأم للحظات، ثم قالت: فكرة جيدة، ولكن لا نعلم إن كان سينجح في مكان كهذا.
ابتسمت رنا بحماس قائلة: سينجح بإذن الله يا أمي ... سندع الأمر لله فهو الرزاق ... سأخرج ابتداءً من الغد لأسأل عن مكان مناسب وأستأجره ومن ثم نبدأ تجهيزه.
ابتسمت الأم وبدأت تدعو لها بالتوفيق والرزق في حين كانت رنا تنظر لأختيها اللتين تلهوان في الأرجاء مستمتعين باستكشاف المكان الجديد. تعلم بأن طريقها سيكون طويلًا ومتعبًا، ولكنها ستصبر وتتعب لتحصل على المال الحلال وستستخدم المال الذي ادخرته من عملها طوال السنوات الماضية لفتح هذا المطعم.
.......................................
بعد حديث زين مع جواد بشأن ندى بات جواد يفكر بطريقة تجعل خالد يقبل بعقد قرانه على ندى؛ فهو بيد الشرطة ولم يعد هناك ما يخسره، فلمَ عساه يتزوج بها؟!
ذهب جواد لبيت ندى وما أن رآها لاحظ الإرهاق وآثار البكاء واضحة على وجهها. دعته للجلوس وطلبت من الخادمة إعداد القهوة، ثم سألته بقلق: هل طرأ شيء جديد بهذه السرعة أم ماذا؟
أومأ لها جواد نافيًا وقال: كنت أفكر بطريقة للضغط عليه، ولكن لا شيء يخسره فقد خسر كل شيء بالفعل ... يمكنني استعمال القوة، ولكن لا نضمن رد فعله فما زال لديه مال مما يعني بأن هناك من يخدمه ... وهذا سيعرضك للخطر ... هل تفهمين قصدي؟
أومأت له ندى بتفهم وقد بدا عليها الإحباط واليأس، فسارع بسؤالها: هل تملكين أدلة ضده؟ أي شيء نساومه عليه قد يزيد من سنوات حكمه؟
تحركت عيناها بحيرة وتفكير، ثم قالت: لدي بعض الأوراق لصفقات مشبوهة كنت أحتفظ بها ضده، ولكن بعدما رأيته منه خفت من استعمالها لأنه لن يتردد بفضحي أو حتى قتلي.
هتف جواد بجدية: أريدها الآن.
نهضت ندى مسرعة لتحضر الأوراق حيث أخرجتها من خزنتها السرية وعادت إليه تحملها قائلة: تفضل ... ها هي.
تفقد جواد الأوراق بشكل سريع، ثم قال: هذا جيد! سأبحث في الأمر أكثر ربما أعثر على المزيد قبل أن أذهب لمقابلته وسأخبرك بما سيحدث.
نهض جواد ليغادر، فتبعته ندى وشكرته والدموع تملأ عينيها، لكنه رمقها بجمود وغادر دون أن ينبس ببنت شفة.
.....................................
أخذت حور من أمها المقادير الخاصة بأحد أنواع الحلويات تنوي إعدادها بعد أن شجعها زين كثيرًا على فعل ما تريده، وألا تدع فاطمة توجه لها كلمة واحدة. همت بالتوجه إلى المطبخ، لكنها ترددت وتساءلت لمَ عليها خلق مشكلة جديدة فيكفي ما حدث حتى الآن.
رأتها أم يزيد تقف شاردة، فاقتربت منها متسائلة: ما بكِ يا ابنتي؟ لمَ تقفين هكذا؟
ضغطت حور على هاتفها الذي تحمله بيدها وقالت بتردد: كنت أود ... أن ...
نظرت نحو المطبخ وصمتت، فعقبت أم يزيد: تريدين إعداد شيء ما؟
أومأت لها حور بالإيجاب، فابتسمت أم يزيد قائلة: تعالي معي.
دخلت كلتاهما إلى المطبخ وطلبت أم يزيد من العاملات مساعدتها هي وحور، لتبدأ حور بإخبارهن بالمواد اللازمة لترى إن كان ينقصها شيء. شرعت هي وأم يزيد بمساعدة العاملات بإعداد الحلوى وتنظيف الأواني أولًا بأول تحت أنظار فاطمة التي كانت تراقب كل هذا من الخارج بكل حقد وكره وهي تقول في نفسها: ماذا بها كي يفضلها على ابنة أخي؟! هذه الفتاة الغريبة التي اقتحمت حياته بغتة وأوقعته في عشقها وجعلت كل العائلة تحبها .. أي سحر هذا الذي جعل الجميع يحبونها لهذه الدرجة ويحتملون مرضها وفقدانها لجنينها وعجزها؟! هي لا تستحقه ولا تستحق كل هذ الدلال والأموال والهدايا ... لا تستحق هذه الحياة المترفة مطلقًا.
.....................................
عاد زين من الشركة وجذبته الرائحة الزكية التي تنبعث من المطبخ خاصة بعد عدم رؤيته لأحد في الأرجاء كالمعتاد. ابتسم وعلم بأن أمه وحور تعدان شيئًا ما، فاقترب بهدوء يراقب من بعيد وأشار لإحدى العاملات التي رأته بالصمت.
اتكأ على الحائط قرب باب المطبخ يتأملها وهي تتحدث مع أمه وتضحكان. كم يعشق رؤية ضحكتها وتلك اللمعة في عينيها التي تخبره بمدى سعادتها.
كانت حور تجلس على كرسي في المطبخ وتدور به يمينًا ويسارًا وهي تتحدث وتضحك بانتظار خروج الحلوى من الفرن. تنبهت أم حور التي تجلس مقابلها لوقوف زين، فأشار لأمه بالصمت سريعًا وبدأ يتسلل للداخل كي ينقض على حور إلا أنها همست باسمه والتفتت نحوه، فهتف بضيق مصطنع: لا يعقل بأنكِ كشفتِ أمري مجددًا ... لقد بدلت ثيابي للتو كي لا تتذرعي برائحة العطر.
بقيت هي تبتسم في حين قطع هو المسافة المتبقية بينهما وقبل جبينها، ثم قبل جبين أمه يسألهما عن حالهما وما يفعلانه فأخبرته أم يزيد، ثم طلبت من العاملات الخروج وخرجت هي كذلك لتتركهما بمفردهما حيث حاصرها بذراعيه قائلًا بمكر: تعدين الحلوى إذًا .. متى سيكون بوسعي تناولها؟
ردت حور بخجل من نظراته وقربه هذا: بعد خروجها من الفرن بقليل ... ستكون قد بردت قليلًا وسأضع لك طبقًا حينها.
قال زين وقد بات وجهيهما متقابلين: لا أريد تناول الحلوى من الطبق ... أريد تذوقها من بين هاتين الشفتين.
ابتسمت حور بخجل وعضت على شفتها السفلى قائلة: زين! تأدب.
ضحك زين مستمتعًا بخجلها هذا، ثم قال: أخبريني كيف عرفتِ بوجودي؟ ... بعد أن رأيتكما هنا ذهبت إلى الجناح بسرعة وبدلت ملابسي، ثم عدت مجددًا كي لا تقولي بأنكِ شممتِ رائحة عطري .. اعترفي.
ابتسمت حور وأخفضت نظرها قائلة: هل ستصدق إن أخبرتك بأن قلبي يشعر بوجودك؟! وإن حدث وعدت للبيت منزعجًا لسبب ما فإن قلبي يكون قد شعر بذلك ... العطر مجرد سبب إضافي لـ..
لم تكمل جملتها فقد أسر شفتيها بخاصته وهو يكاد يعتصر جسدها بين ذراعيه وبعد مدة لا بأس بها ابتعد عنها قائلًا بصوت متهدج: أحتاج لقلب آخر كي أملأه بالحب الفائض الذي أحمله لكِ بداخلي يا حوري.
قاطعهما جرس الفرن معلنًا الانتهاء، فهتفت حور قائلة: الحلوى!
همت بالنهوض، فمنعها قائلًا: ارتاحي .. أنا سأخرجها من الفرن.
أشارت له ليضعها على المنضدة الرخامية أمامها وهو يتساءل عن اسم هذه الحلوى، فأجابته قائلة: الهريسة أو البسبوسة كما تسمونها هنا، ولكن المكونات مختلفة بعض الشيء.
بدأت حور تسكب عليها مزيج الماء والسكر الذي حضرته مسبقًا وزين يراقبها باهتمام وقد تاق لتذوقها فالشكل والرائحة راودا نفسه بمهارة. لم يستطع الانتظار أكثر، فأحضر ملعقة وتذوق منها في حين هتفت هي قائلة: لا زالت ساخنة وتحتاج لبعض الوقت يا زين ... مذاقها لن يكون لذيذًا الآن.
همهم زين باستمتاع، ثم قال: إنها لذيذة منذ الآن، فكيف ستكون لاحقًا؟!
اتسعت ابتسامتها وقد شعرت بالرضا لأنها نالت إعجابه، ثم أردف قائلًا: الحمد لله أنكِ لا تعدين الطعام والحلوى كل يوم وإلا ازداد وزني.
ضحكت حور، ثم تساءلت قائلة: هل أعجبتك حقًا أم تجاملني وحسب؟
أجاب زين قائلًا وهو يتذوق المزيد: عندما تسمعين رأي الجميع بها ستتأكدين .. كما أنني سأجبرهم على أكلها كلها فأنا لن أخاطر بعضلاتي .. لن أتمكن من منع نفسي.
ضحكت حور، فأردف قائلًا: الحمد لله أنكِ ستعودين للعمل كي لا تشعري بالملل ... على ما يبدو شعورك بالملل يشكل خطرًا على عضلاتي.
نهضت من مكانها وعانقته بسعادة ليحكم تطويقه لها، ثم همس لها قائلًا: لنذهب إلى جناحنا يا حبيبتي.
نظرت له قائلة: حسنًا، دعني أغطيها أولًا.
قبل أن تقوم بتغطيتها وضع القليل في ملعقته وانتظر حتى انتهت، ثم طوق خصرها بذراعه ورفع الملعقة أمام شفتيها، فضمت شفتيها لتمنع ابتسامتها الخجولة وقد أدركت ما يريد فعله، فابتسم بتسلية قائلًا: هيا.
ما أن باتت قطعة الحلوى بين شفتيها سارع بتذوقها مستمتعًا حتى ابتعد عنها قائلًا: ألذ ما تذوقت في حياتي.
خبأت وجهها في صدره وضربته بقبضتها، فضحك قائلًا: ها قد تحولت وجنتيك إلى الفراولة .. لنذهب إلى الجناح قبل أن أتهور أكثر.
..................................
تناولوا العشاء معًا ومن ثم تذوقوا الحلوى التي أعدتها حور وقد نالت إعجاب الجميع وسط نظرات فاطمة الحاقدة التي رفضت تذوقها.
همست حنان لحور، ثم نهضت كلتيهما وقد بدا على حور التوتر حيث همست لحنان متسائلة: ألا يجب أن أخبر زين كي يأتي معي؟
ضحكت حنان قائلة: لا داعي لذلك ... سننتهي في بضع دقائق ... هيا.
لاحظ زين توتر حور أثناء حديثه مع أخويه، فلحق بها عندما رآها تنظر إليه بين الحين والآخر وهي مغادرة. وصلت كلتاهما نحو لمصعد، فأوقفهما صوت زين الذي ينادي على حور، فالتفتت له كأنها تستنجد به قائلة: جيد أنك أتيت ... تعال معي يا زين.
ضحكت حنان قائلة: جعلتني أشعر كأنني قمت باختطافك يا حور.
رمقهما زين باستفهام فقد نسي أمر مانع الحمل برمته، ثم أوضحت له حنان الأمر، فابتسم زين قائلًا: كل هذا التوتر يا حور من أجل ذلك؟!
صعد معهما زين إلى الجناح فقط كي تشعر حور بالهدوء والطمأنينة ويقل توترها، ولكنه خرج من الغرفة كي يترك حنان تقوم بعملها وبقي أمام الباب يتحدث بصوت مرتفع كي تشعر حور بوجوده ولا تتوتر.
مضت بضع دقائق وأعلنت حنان انتهاءها، فدخل زين الغرفة بسرعة، ليجد حور مستلقية على السرير متمسكة بالغطاء ووجهها أحمر في حين تنهدت حنان قائلة: لقد أتعبتني زوجتك ... ما كل هذا الخجل والتوتر؟! ... كان الله في عونك يا زين.
ابتسم زين وهو يمسح على رأس حور التي ما زالت ترتدي حجابها، ثم أمسك بوجنتها بين أصابعه قائلًا: أحب خجلها وتورد وجنتيها.
همت حنان بالخروج قائلة: سيكون هناك فحص بين الحين والآخر للتأكد من أن كل شيء على ما يرام.
خرجت حنان وتركت ذلك العاشق يرمق محبوبته بحب وتسلية وهو يمرر أنامله على وجنتيها اللتين ارتفعت حرارتهما متسائلًا: اهدئي .. لقد مضى الأمر.
قوست حور شفتيها بتذمر قائلة: لا ... تقول بأن هناك فحص بين الحين والآخر .. هذا محرج جدًا يا زين.
ابتسم زين ويده تتسلل خلسة أسفل الغطاء قائلًا: سأنسيك ما فعلته حنان ... استرخي وحسب.
انحنى نحوها يقبلها، فطوقت عنقه بيديها تاركة له الحرية ليبعثر مشاعرها ودقات قلبها كيفما يشاء.
...............................
كانت أيام الأسبوع تمضي سعيدة وجميلة على البعض ومملة بالنسبة لآخرين، وهناك من كانت تمر عليه كأنها سنوات مليئة بالقلق والتوتر والغضب.
كارمن تمضي يومها بين البكاء والغضب وهي تشتم جاسر الذي لم تره منذ ذلك اليوم، ولكنها كانت تشعر بأنه يدخل الغرفة أثناء نومها. ما زالت لا تصدق بأنه بعد الحب الذي رأته في عينيه وتصرفاته يكون هذا محض تمثيل.
رنا تمضي وقتها بالبحث عن محل في موقع مناسب وتقارن الخيارات المتاحة وتدرس الأمر، ليمر بها مصادفة ذلك الضابط المدعو حازم حيث بقي يراقبها من بعيد ويستمع لحوارها مع الرجال وقد أعجب بقوة شخصيتها ومساومتها لهم بشأن السعر وما إلى ذلك. لم تكن بحالة يرثى لها كالمرة السابقة ورغم ملابسها العادية المكونة من قميص وسترة وسروال وحذاء رياضي مريح، وشعرها الطويل الذي تربطه ويتمايل مع الهواء كذيل الحصان إلا أنها كانت بالنسبة له آية في الجمال.
تركت الرجل ومشت في طريقها وهي تحدق في هاتفها وتنظر لصور المحلات التي التقطتها بهاتفها وتقارن بينها لعلها تصل إلى قرار، ولكنها كانت تشعر بالحيرة ولا تريد أن تخدع بالسعر أو حتى الموقع؛ فهي ليست على دراية بأفضل موقع في هذه البلدة. بعد لحظات وجدت سيارة تقف بقربها، فظنت بأن هناك من يود مضايقتها واستنفرت لتدافع عن نفسها، لكنها تفاجأت بحازم يقف أمامها مبتسمًا وهو يقول: اهدئي ... هذا أنا.
بدا عليها الارتياح ووضعت يدها على صدرها قائلة: أخفتني.
سألها حازم عما تفعله وعن سبب سؤالها عن المحل وإيجاره، فأخبرته بالأمر مما جعله يهمهم بتفكير قائلًا: سأساعدكِ ... أنا أعرف البلدة جيدًا وسأجعلهم يخفضون الإيجار من أجلك وفي المقابل أريد وجبة مميزة في اليوم الأول من الافتتاح.
ضحكت رنا وأعلنت موافقتها، ثم عرض عليها أن يوصلها للمنزل، فنظرت من حولها وشعرت بالتردد مما جعله يقول: لا تقلقي ... الجميع هنا يعرفونني ويعلمون بأنني أساعد الجميع وأوصل الكثيرين في طريقي بالعادة.
وافقت على عرضه واستقلت سيارته ليوصلها إلى بيتها وقد وجدها فرصة سانحة ليتعرف إليها أكثر ويسألها عن حياتها، ولم تقم بإخفاء شيء سوى الجانب المظلم من حياتها مع خالد والذي تتمنى نسيانه أو حتى اختفاءه للأبد.
....................................
أمسك بياقة المحامي وهتف بغضب وهو يحاول إخفاض صوته كي لا يسمعه أحد رجال الشرطة خارج المكتب: ماذا تعني بأنكم لم تصلوا إليها حتى الآن؟! المخدرات ليست لي أيها الوغد ... لم يدخل منزلي أحد سواها ... هي التي وضعتها وهي التي حذفت كل شيء عن حاسوبي ... يجب أن تجدوا رنا ... وتجبروها على الاعتراف كي أخرج من هنا ... هل فهمت أيها الغبي؟!
فك المحامي قبضة خالد وابتعد عنه قائلًا: نحن نبذل أقصى ما بوسعنا لنصل إليها ... فلم يعد هناك وسيلة غيرها كي نخفف التهم الموجهة إليك.
غادر المحامي ودخل الضابط في حين بقي خالد صامتًا ينتظر أن يعيدوه إلى زنزانته إلا أن الضابط قال بأن هناك من يود زيارته. استغرب خالد الأمر فلا يسمح لأحد بزيارته في الوقت الحالي سوى محاميه لكونه قيد التحقيق.
دخل جواد بهيئته التي تثير الرعب والقشعريرة، فازدرد خالد ريقه وقد عرفه على الفور. خرج الضابط كي يتحدثا وأغلق الباب خلفه، فجلس جواد واضعًا ساقًا فوق أخرى وأشار بعينيه لخالد كي يجلس مقابله، فامتثل لأمره على الفور.
قال جواد ببرود: لن أطيل الحديث ... لدي أوراق وأدلة ستزيد مدة حكمك لنحو عشر سنوات ... عن صفقاتك المشبوهة ومحاولات تهديد وقتل وما إلى ذلك ... بيدك أن تختفي هذه الأدلة للأبد ... ما رأيك؟
تساءل خالد بقلق: ماذا تريد؟
ابتسم جواد وقال ببرود: أمر بسيط للغاية ... ستعقد قرانك على ندى لكونها حامل بطفلك ... من أجل الفضائح لا غير.
رد خالد بتهكم: ماذا؟ هل استنجدت بحبيبها السابق كي ينقذ شرفها؟!
عقب جواد بهدوء مخيف: ليس من شأنك؟ قرر الآن كي أعرف ماذا أفعل بالأوراق ... إما أن أقدمها للضابط أو ... أحرقها.
صك خالد أسنانه بغضب ساحق، ثم قال: موافق ... سأتزوجها.
ابتسم جواد ببرود قائلًا: أحسنت ... خيار حكيم.
أمسك جواد بهاتفه يجري مكالمة وطلب فيها من أحدهم الدخول، ليتفاجأ خالد بدخول ندى والمأذون وتبعهما الضابط. تمت إجراءات عقد القران وخرج المأذون، ليقول جواد: بعد ثلاثة الشهور سيتم الطلاق.
رد خالد بغيظ: وما الذي يضمن بأنك لن تقدم الأدلة؟
ابتسم جواد بتهكم وقال: الضمان كلمتي ... آه ... أنت لا تعرف شيئًا عن كلمة الرجل بما أنك لست رجلًا.
خرج جواد وخلفه ندى التي أوقفته فور خروجهما وشكرته من بين دموعها ممتنة لكل ما فعله من أجلها هو وزين، ليرد جواد بهدوء: سأفعل الأمر ذاته لأي شخص وقع في هذا المأزق، لكن أرجو أن تكوني قد تعلمتِ من أخطائك. تعلمين جيدًا ماذا كان سيحدث لو أن هذه التسجيلات وقعت بيد شخص عديم الأخلاق. لحسن حظك بأن زين وأخويه ذوو خلق ودين وإلا لكان انتقامًا سهلًا للغاية لقاء ما فعلته بهم.
أومأت برأسها موافقة فكلامه صحيح، وتدرك تمامًا حجم الكارثة التي كانت ستواجهها لولا وجودهم وموقفهم هذا.
...............................................
ضربت وتين سطح المكتب بيدها قائلة بغضب: لقد طفح الكيل ... في كل مرة تفعل هذا بي فقط لتسبب لي مشكلة بالعمل.
نظرت لها مرام متسائلة: ماذا هناك يا وتين؟
ردت وتين بغضب من بين أسنانها: اليوم هو الموعد النهائي لتسليم الموقع الذي تعمل عليه أماني، ولم تعطني أي قياسات أو أي شيء من المطلوب من أجل التصاميم، والآن تخبرني بأن عليَّ إنهاء كل التصاميم دفعة واحدة ولدي فقط ثلاث ساعات لإنهاء كل هذا.
تساءلت سلمى: ولم انتظرتها؟! كان عليك تفقد الموقع باستمرار وفعل اللازم وتقدير القياسات بنفسك يا وتين.
هتفت وتين بغضب وقد علت نبرة صوتها: لأنها أغلقت لوحة التحكم ولم تمنحني إذن الوصول للموقع.
عند هذه النقطة هتفت سلمى بغيظ: انهضي وأمسكيها من شعرها وامسحي بها القسم فهو يحتاج للتنظيف.
شعرت مرام الأخرى بالغضب قائلة: ليس من حقها فعل ذلك ... يجب إيقافها عند حدها كي لا تكرر الأمر.
استشاطت وتين غضبًا بعد كلمات سلمى ومرام ونهضت من مكانها متوجهة لمكتب أماني، لتقول بغضب وبصوت مسموع لجميع الموظفين: لمَ تفعلين ذلك بي؟ ما معنى أن تسلميني الموقع لأنفذ جميع ما يلزمه من تصاميم وصور خلال ثلاث ساعات؟!
رمقتها أماني باستخفاف قائلة: أظن بأنها أكثر من كافية ... كل ما ستفعلينه هو رفع بعض الصور على الموقع بعد ضبط قياساتها ... ليس اختراع صاروخ.
ابتسمت وتين بغضب واستنكار قائلة: رفع بعض الصور؟! إن كنتِ لا تفقهين شيئًا بالتصميم فلا يمكنكِ الاستخفاف بما يحتاجه من وقت.
خرج أوس من مكتبه بعد أن رأى النقاش المحتد أمامه، وتساءل ما الذي يجري وهو يوزع نظره بينهما، فأخبرته وتين بالأمر وحاولت أماني الدفاع عن نفسها بقولها أن العميل طلب العديد من التعديلات على الموقع، واضطرت لإجراء الكثير من التغييرات، لذا كانت التصاميم لتكون بلا فائدة لو أنها جعلتها تعمل عليها من البداية. رمقها أوس بحدة وقال: حتى لو كان الأمر كذلك فكان بوسعها حينها تعديل قياسات التصميم وضبطه على الشكل الجديد لا أن تبدأ به من الصفر ... حجتك فارغة ... تأخيرك في عملك يعد تقصيرًا منكِ ... وعدم منحك صلاحية الوصول للموقع للمصمم المسؤول عن الموقع خطأ آخر ... الآن سأدخل للموقع وأرى كل ما قمت بتعديله بالتفصيل منذ استلامك للموقع.
ارتبكت أماني وقد أدركت بأن أمرها سيكشف لا محالة في حين رمقتها وتين بنظرة انتصار وعادت لمكتبها. استغربت مرام موقف أوس الذي تضامن مع وتين رغم أنهن في الفترة الأخيرة يعاملنه بجفاء وتجاهل إلا في نطاق العمل وحسب ورغم ذلك لم يظلمها.
عاد أوس لها بعد دقائق وانحنى نحو أماني واضعًا يديه على مكتبها، ليقول من بين أسنانه: إن تكررت هذه الحيلة السخيفة فلن يبقى لكِ مكان هنا ... قومي بعملك كما يجب ... هل فهمتِ؟
قال كلمته الأخيرة بنبرة حادة وصوت مرتفع جعلتها تنتفض في مكانها، ثم أومأت له بالموافقة، ليتزامن ذلك المشهد مع دخول مرام إلى المطبخ حيث دخلت لتعد لنفسها مشروبًا ساخنًا وهي تتذمر بصوت منخفض: يتظاهر بأنه مدير صارم ... لأول مرة يفعل شيئًا جيدًا ... مغرور متغطرس .. لكن ..
همت لتكمل، ولكنها رأته يستند على الحائط بجانب الباب ويرمقها بنظرات حادة، فانتفضت ذعرًا وأوقعت الكأس من يدها في الحوض، وانسكب محتواه على يدها، فتأوهت وبدأت تنفض يدها متألمة، ليهرع أوس نحوها قائلًا بحنق: انتبهي .. لقد حرقتِ يدكِ أيتها البلهاء!
فتح حنفية المياه وأمسك بيدها، لكنها سحبتها بسرعة ورمقته بحدة وهي تتراجع للخلف قائلة: ابتعد عني ولا تلمسني.
رد أوس بحنق وتذمر: كفاكِ حماقة .. احترقت يدكِ .. هيا ضعيها تحت الماء .. انزعي هذا القفاز اللعين.
هتفت مرام بحنق: اخرج أولًا.
تأفف أوس بغيظ من عنادها، ثم اقترب منها وهو يرى الألم المرسوم في عينيها ورغم ذلك تعانده. تفاجأت به يجذب يدها بقوة ويثبتها بذراعيه ويخلع قفازها، ليظهر احمرار جلدها بسبب الحرق، ثم وضعها تحت الماء رغمًا عنها. بدأت تضربه بقبضة يدها الأخرى كي يتركها وهو يجذبها أكثر متعمدًا جعلها تلتصق به غير مكترث لضرباتها وشتائمها.
ترك يدها أخيرًا، فتراجعت للخلف بسرعة وخرجت شهقة مرتفعة رغمًا عنها مما جعله ينظر لها، فرأى الدموع في عينيها، فازدرد ريقه وقد شعر بغصة في قلبه مما جعله يتقدم خطوة منها قائلًا: مرام أنا لم أقصد ... أنا ... من أجل الحرق ..
هتفت مرام بصوت يحمل أثر البكاء رغم الغضب: ليس من شأنك .. أنا أكرهك .. لا أطيق رؤية وجهك .. حتى لو كنت أموت فلا أريدك أن تساعدني .. لذا إياك والاقتراب مني مجددًا وإلا أخبرت السيد زين بكل شيء .. لن أصمت بعد الآن .. هل فهمت؟
أمسكت بقفازها الذي ألقاه وخرجت مسرعة وجسدها بأكمله يرتجف خوفًا. وجدت قدميها تأخذانها إلى ليان حيث وقفت أمامها قائلة بصوت مرتعش: ليان! هل يسعني إيجاد مرهم للحروق هنا؟
تنبهت ليان لصوتها وكذلك جسدها الذي يرتعش، فنهضت من مكانها متسائلة: ماذا حدث معكِ؟ ما بها يدكِ؟
حمحمت مرام قائلة: كنت أعد مشروبًا ساخنًا وانسكب على يدي.
أجلستها ليان على مكتب زينة وذهبت لتحضر حقيبة الإسعافات الأولية، ثم عادت وبدأت تضع لها المرهم على يدها وهي ترى الدموع المتحجرة في عينيها، لتتساءل ليان قائلة: هل تؤلمكِ كثيرًا؟
اكتفت مرام بإيماءة تعني "نعم" إلا أن الحقيقة هي أنها مذعورة بسبب أوس وما فعله.
....................................
عاد لمكتبه وهو يشعر بالغضب من نفسه .. لأول مرة يرى نظرات الخوف والغضب في عيني فتاة بسببه .. لم يقصد إخافتها، بل هو من شعر بالخوف عليها، وعنادها جعله يتعمد إغاظتها كي يجبرها على جعلها تلتصق به وهو يثبت يدها .. لم يكن يعلم بأن قلبه سيهتز بهذه الطريقة من قربها .. الأسوأ من هذا هو رؤيته لدموعها التي انسابت بسببه .. ماذا عليه أن يفعل كي يكسب ثقتها؟! .. بل ماذا عليه أن يفعل كي تتوقف عن كرهه؟! .. لا يدري لماذا يشعر بالسوء من تلك الكلمات التي قالتها، ومنذ متى هو يكترث لرأي أحدهم به؟! .. لماذا كل ما تقوله هي له وقع مختلف على قلبه؟!.
.......................................
تأخرت سلمى ومرام نحو نصف ساعة بعد انتهاء وقت الدوام لمساعدة وتين بعد أن أتى أوس وأخبرها بأنه حاول كثيرًا إقناع العميل بتأجيل موعد التسليم، لكن دون جدوى، وأكد لها بأنها ستحصل على أجر هذه الساعات الإضافية. كان حينها يتحدث وعينيه تتابعان مرام التي تحاول إكمال عملها رغم الألم الذي تشعر به، وأراد أن يسألها عن يدها ويطمئن عليها، ولكنه لم يجرؤ على ذلك.
نظرت وتين لزميلتيها بأسف قائلة: آسفة لتأخيركما ... لقد شارفت على الانتهاء ... يمكنكما الذهاب.
رفضت مرام وسلمى الأمر إلا أن وتين أصرت خاصة أن مرام تشعر بالألم، وتجد صعوبة باستعمال يدها الثانية كما أن والدة سلمى هاتفتها قلقة لتعلم سبب تأخرها.
غادرت الفتاتان وعندما وصلتا باب الشركة التقيتا بيزيد ومعه جواد يتحدثان بشأن آخر تطورات التحقيق مع خالد، ليوقفهما يزيد متسائلًا: ما زلتما هنا؟ ظننت بأن جميع الموظفين قد غادروا.
ردت سلمى بإحباط: أجل، كنا نساعد زميلتنا وتين. حدثت مشكلة ويتوجب عليها إنهاء التصاميم لتسليم أحد المواقع الإلكترونية التي نعمل عليها وهي لا تزال هنا.
استغرب يزيد الأمر: لا زالت هنا؟ ولكن لم يبقَ أحد في الشركة والوقت تأخر.
غادرت الفتاتان بسيارة أجرة في حين نظر يزيد لساعته التي تشير إلى ما قبل الخامسة مساءً بقليل، ليقول: النهار قصير في الشتاء ... سيؤذن المغرب ويحل الظلام ... كيف ستعود هذه الفتاة وحدها؟!
سارع جواد قائلًا: أنا سأنتظرها وأوصلها بنفسي.
تنهد يزيد براحة قائلًا: سأكون ممتنًا لذلك ... حاول أن تسألها إن كان هذا العمل المتأخر بسبب أوس ومضايقاته.
رمقه جواد بثقة وغرور: لا يجرؤ على ذلك.
ابتسم يزيد قائلًا: حسنًا أيها الواثق ... سأغادر.
غادر يزيد، ثم تنهد جواد وصعد إلى معذبة قلبه، ولم ينسَ أخذ كوبين من القهوة وقطعة كعك فلعلها جائعة.
كانت وتين تعمل بأقصى سرعتها وهي تشعر بالذعر من البقاء وحيدة في هذه الشركة الكبيرة، فهل يعقل أن يغلقوا الأبواب ولا تتمكن من الخروج؟! هل ستعلق هنا، وتنقطع الكهرباء، ويعم الظلام كما يحدث في الأفلام؟! قوست شفتيها بحزن وبدأت تشتم أماني بصوت مسموع؛ فهي مطمئنة لعدم وجود أحد.
توقف هو مبتسمًا يستمع لتذمرها وشتائمها، لتبدو كطفلة غاضبة متذمرة وخائفة في الوقت ذاته. حمحم ودخل، ليقف قرب باب مكتبها، فشهقت ذعرًا في البداية ووضعت يدها على صدرها وهي تقول بارتياح: سيد جواد! لقد أخفتني.
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه وهو يقول: قابلت مرام وسلمى وعلمت بوجودك، لذا أتيت لأخبرك بأنني سأنتظرك لأوصلك لبيتك .. بسبب تأخر الوقت ... السيد يزيد طلب ذلك ... لقد كنا معًا عندما ..
اتسعت ابتسامتها وبالكاد كتمت ضحكتها وهي تراه يبرر بنبرة تظهر ارتباكه، وقاطعته قائلة: فهمت .. شكرًا لك.
تقدم ووضع القهوة وقطعة الكعك أمامها قائلًا: هذا لكِ .. سأنتظركِ في الخارج كي لا أزعجكِ.
هتفت وتين بسرعة: لا ... يسعك البقاء هنا.
ضمت شفتيها محرجة وقد شعرت بأنها تسرعت بما قالته، ولكنها قالت وانتهى الأمر في حين كان هو يتوق ليجلس معها ويراقبها بصمت إلا أنه كان محرجًا من فعل ذلك وها قد حصل على مراده. جلس على مكتب سلمى يرتشف قهوته بصمت ويتظاهر بالعبث بهاتفه في حين أنه يراقبها كالصقر، ويتأمل سكناتها قبل حركاتها، وكلما رفعت رأسها ونظرت له يبعد عينيه عنها سريعًا.
دقات قلبها تتسارع رغمًا عنها، وباتت تجاهد لتركز في عملها الذي أحبته فجأة، بل لا تريده أن ينتهي. باتت تعمل بحماس بعد أن كانت ناقمة على أماني، ولكن رغم سعادتها التي لا تعلم سببها بوجوده إلا أن هيئته تشعرها بالتوتر والارتباك. هذه الهيئة الرجولية الطاغية، والهيبة التي تجعل أقوى الرجال يهتزون أمامه، ونبرة صوته الرخيمة الدافئة التي تشعر بأنه يخصها بها دونًا عن غيرها؛ فلطالما سمعت نبرته الباردة الجافة وربما الحادة مع الآخرين هذا في حال تنازل ونطق ببعض الكلمات أمام أحدهم.
نظر للساعة على هاتفه ونهض عن الكرسي، فاتسعت عيناها ظنًا منها بأنه سيغادر ويتركها لسبب ما، لتتساءل باندفاع: إلى أين؟ هل ستتركني؟
ابتسم رغمًا عنه، ثم أجاب بهدوء: لا ... سأصلي المغرب.
شعرت بالحرج واحمرت وجنتيها وهي ترى نفسها تفقد رزانتها رغمًا عنها أمامه، ثم حمحمت قائلة: أنا أيضًا ... لم أنتبه للوقت ... ما أن اعود للمنزل سيكون قد حان موعد صلاة العشاء ... هل يسعك انتظاري حتى أتوضأ؟ .. لنصلي معًا؟
حل الصمت للحظات وكل منهما ينظر للآخر، فهتفت بحرج قائلة: أنا آسفة ... فكرت فقط ... بأن أجر صلاة الجماعة ..
قاطعها جواد قائلًا: سأنتظركِ.
ابتسمت ونهضت بحماس متوجهة إلى الحمام، لتعود بعد دقائق وتتوجه إلى درج مكتبها وتخرج سجادة صلاة، ثم أخرجت أخرى من درج مكتب مرام ومنحته خاصتها ليصلي عليها. لا تعلم كيف نطق لسانها أثناء سجودها بأنها تود أن تصلي معه عقب زواجهما، ولا تدري أي أمنية خفية خرجت من قلبها لتصبح دعوة أثناء سجودها وهي التي قالت بأنها لن تفتح قلبها لرجل مجددًا، ولن تثق بأي رجل بعد الآن، ولكن هل هو أي رجل؟!
..................................
رأيكم في الأحداث؟

عمرُ روحيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن