في صباح اليوم التالي بدأت حور مهمتها اليومية في محاولة إيقاظ زوجها مصطفى بعد أن أعدت الفطور والقهوة. لقد اعتادت أن تضبط المنبه كل يوم مبكرًا كي تقوم بهذه المهمة التي بدأتها منذ زواجها من باب اللطف والحب لعلها تجد صدى لديه، ولكن بالنسبة له كان واجبًا عليها القيام به في كل الأحوال. سواء كانت سعيدة، حزينة، متعبة، مرهقة، مريضة، لا يهم. أخطأت في إحدى المرات واكتفت بإيقاظه وهي تعاني من ألم أول أيام عذرها الشهري، ليبدأ بالصراخ وإطلاق السباب اللاذع متهمًا إياها بالإهمال. أخبرته بأنها متألمة ومتعبة، ولكنه دحض حجتها بأن حبة مسكن للألم ستكون كافية أما هو من يعمل ويتعب من الصباح الباكر حتى المساء كثير عليه فطور وفنجان من القهوة.
لم تعد تجرؤ أن تقصر في أي شيء يريده أو يطلبه مهما كان تافهًا، ليس خوفًا منه، بل لأنها لا تريد سماع تذمره ومقارنته الدائمة لها بزوجته السابقة ريم.
غضبت في إحدى المرات بعد أن جرحها وقارن بينهما بشيء أثناء انفعاله، فقالت: ما دام كل ما تفعله هي يعجبك، وتراها جميلة، وتلبي كل طلباتك ورغباتك لماذا طلقتها؟ لماذا قبلت بالزواج مني وأنت تراني أقل منها؟
ظنت حينها بأنه سيصرخ في وجهها أو يؤكد على كلامها هذا إلا أنه اقترب منها ومد يده بهدوء مرورًا بوجنتها حتى خلف عنقها، وأمسك بشعرها، لكن دون مبالغة، وقال وهو يحدق في عينيها: أنا لم أقصد هذا ... لا تظني بأنكِ أقل منها ... لقد تزوجتك لأنكِ أفضل منها.
تسابقت الدموع في عينيها وقالت: لكنك لا تراني كذلك ... دائمًا تشعرني بالنقص وتقارني بها.
أومأ برأسه نافيًا وقال: كلا، بل لأنني أريدك أفضل منها.
ردت حور باكية: أنت بهذا تجرحني وتهينني ... ما تفعله لا يحثني على أن أكون أفضل منها، ولست بحاجة لتقارنني بها أو أتفوق عليها في شيء.
عقب مصطفى قائلًا: أريدك مثالية ... كي لا ندع مجالًا لأي أحد أن ينتقدكِ أو ينتقد اختياري لكِ.
ردت حور قائلة: لكنني أفعل كل ما بوسعي ... حتى أنني تركت عملي من أجلك ... رغم أنك وعدتني بأنك ستدعمني وتشجعني، ولن يكون لديك أي مشكلة في الأمر، وبين ليلة وضحاها بات الأمر ممنوعًا ... دون أي مقدمات.
صمت مصطفى لبرهة وأبعد يده عنها وقد احتدت نظراته قائلًا: أليس بوسعكِ أن تضحي بعملك من أجلي ومن أجل أطفالنا في المستقبل؟
ردت حور بانفعال: كان بوسعي الحفاظ على عملي إلى أن نرزق بأطفال ... عندئذ سأرى إن كان يتوجب عليَّ تركه أم لا ... لم أكن لأتردد بتركه إن كان الأمر يؤثر على أطفالي وأسرتي بأي شيء ... صدقني.
قال مصطفى بغضب: توقفي عن ترديد الشعارات النسوية الفارغة ... لستِ بحاجة للعمل طالما أوفر لكِ كل شيء ... كوني شاكرة لذلك فهناك كثيرات لا يحظين بربع ما تحظين به ... إن كنت ترين بأن تضحيتك بوظيفتك أمرًا عظيمًا فزواجي بك كان تنازلًا عظيمًا أيضًا ... لم تكوني تحلمين بزواجك من شخص مثلي ... أمثالك إما أن يتزوجن رجالًا بعمر والدهن أو رجلًا ذو إعاقة أو يبقين دون زواج ... لذا إياكِ أن تمني عليَّ أو تذكريني بأنكِ تركتِ العمل من أجلي ... هل فهمتِ؟
أنت تقرأ
عمرُ روحي
Romanceلا تسألني كم عمري ... اسألني كم عمر روحي. لماذا دائمًا ترتبط فرص زواج الفتاة عكسيًا بالعمر؟! ... كلما زاد عمرها قلت فرصها؟ ... ماذا لو لم يكن الأمر مقتصرًا على عمرها وحسب؟ كم ستنخفض نسبة هذه الفرص الضئيلة في مجتمعاتنا؟ ... هل الزواج هو طوق النجاة له...