الحرب الأخيرة(ترانيم النهاية)

431 56 10
                                    

القلب مضغة عجيبة في أجسادنا، فهو يشبه كرة ثلج صغيرة، تتدحرج على الذي تربت عليه فتكبر وتزداد وتيرة سرعتها وتبتلع كل ما في طريقها، فإن دحرجت فيه كرة تسامح صغيرة، سيتربى هذا القلب على التسامح بأضعاف ما بدأ به تتدحرج وتتضاعف ، وإن دحرجت فيه كرة كره أو حسد أو بغض صغيرة، ستكبر فيه أيضا أضعافا أضعافا..

وهذا ذاته ما حصل في قلب ماري، ازداد سوادا على سواده، إنها تملك الآن أسرار كل الموجودين في مملكة هوجا،. وتمكنت من جعل هوجا يقتل جميع زوجاته بعدما أقنعته بأنهن يقتلن أبناءها اللذين تنجبهم بعد ولادتهم غيرة منها، إلا أنها كانت بالخفاء تأخذ ترياقا لتنجبهم متوفين..

وها هي اليوم تقف متباكية أمام قبره بتمثيل مقنع أوهم الجميع بصدقها، وبعدها بعدة أيّام توجّت نفسها ملكة على الهمج بوصية من هوجا نفسه، وحزمت أمرها بعد ذلك وجهّزت جيشها للانتقام من الجميع في كديميس، من صديقتها روز، وأخيها الذي ربته ولكنه تخلى عنها برأيها، وجاك الذي لم يلتفت إليها وجبر ومارلين والجميع، الجميع دون استثناء، وستضم كديميس لحكمها، هكذا كان يتضخّم طموحها في الانتقام، كانت تفكر بالقتل وإراقة الدماء فحسب..
ومع انتهاء تلك الهدنة الطويلة، جمعت جيشها كلّه، وسحبته من المدن الكثيرة لتحصل على أعداد ضخمة لتغزو بها كديميس فقط، وأعطت أوامرها بأن قطع الرؤوس مسموح به، بل إنها ستكافئهم بعدد الرؤوس التي يقطعها الجندي مالا، فأذكت فيهم الرغبة في خوض تلك الحرب..

وبدأت زحفها إلى هناك، أيّام قليلة وستصل إلى أعتاب المدينة وفي نفسها أنها وبقوتها هذه ستعيث فيها خرابا..

على عكس صديقتها روز التي بقيت وحدها بعد وفاة والدتها، واهتمت هي وداني بدار الأوبرا تلك على سبيل المرح قبل الرزق، حتى إنها سمحت لجبر بأن يقيم حفلا خاصا لابنته الخرساء إيديليا على سبيل المرح والاستهزاء بها، فكيف لخرساء أن تغني!..

أما جبر فقد كان قلقا طوال تلك الفترة، فتلك الكتب التي أودعها بارتو لديه تحمل تفاصيلا مذهلة لما مرّ به في رحلته في عالم الحور وبخاصة ذلك الكتاب الأزرق، وأيقن تماما أن الكتب الثلاث مختلفة في أمور بينما تتشابه في أمور أخرى، إنها كالخرائط وجدت لتدلنا على ما يجب أن نفعله، كتاب في البحر كتاب في كديميس وآخر بحوزة الأوتغارت، وما زاد قلقه أنه تقاتل مع رجل قادم من البحر، يشبهه طولا وقوة وفي تقاسيم جسده، ولكنه هرب ولم يتمكن من تمييز ملامحه، والظاهر من وجوده في الكهف أنه كان يبحث عن الكتب،. هكذا استنتجا العم بارتو وجوسيا سويا..

لم تكن مارلين تريد الغوص كثيرا بتلك الكتب فقد كانت تهتم بأشياء أخرى كثيرة، بيتها وجبر وإيديليا والخياطة، كانت آريس تزور مارلين سرا لتطمأن على ابنتها دون علم جبر التي كبرت وأصبحت نسخة صغيرة من أمها كانت تشبه آريس وكأنها هي ، وتوصيها بأن لا تكلمها بطريقة الحور، حتى لا تبدأ باستخدام هذه الطريقة مع البشر ويفزعوا منها، ولهذا لم تتواصل مارلين مع إيديليه بهذه الطريقة واكتفت بالإشارات..

بينما في عالم البحار البعيدة، فقد شبّ جيرون وأصبح بجسد قويّ وشخصية مخيفة، وكان هو الآخر يشبه جبرا والده بشدة، فسبع سنين بالنسبة لحوري كافية ليصبح رجلا، مع أنه لا يمكنه التواصل مع الحور بطريقتهم، ولم يلتقِ بالبشر من قبل ليتعلّم كلامهم، ليكتفي بالتواصل معهم بالإشارة هو الآخر..

ولهذا قرر لوتش بداية تتويجه ملكا لمملكة الحور تنفيذا لتلك النبوئات التي يملكها في مكتبة أبيه، مع أن المناوشات بين الحور عادت للبحر وتفاقمت بعد هذا القرار لينقسم الحور إلى قسمين، الهيدرا بقيادة أورشيال والكرودايا بقيادة هانك، كانا قد اجتمعا على قتال مملكة تشرا وموزيريس والميتسابا بقيادة نوّاه بعدما أقنعتهم تانيا بالانضمام إليهم، وبالرغم من ذلك أصرّ لوتش على تنصيب جيرون، كان جيرون يفهم كل ما يجري حوله ولكنه يعجز عن التعبير بالرغم من جهارة صوته ، لم يكن ليفهمه أحد أكثر من آريس والدته وإفان والده الذي رباه ويرافقه يحميه أينما يذهب..

لم يكن من الممكن أن تقام حفلة التنصيب دون حضور جميع قبائل الحور، ولهذا أعلن لوتش أن من لم يحضر سيُنفى، أو ليقدم سببا لعدم رفضه، ووصل هذا الخبر لأورشيال وهانك، الذين قررا الحضور بعدما ضمر أورشيال في نفسه بخبث سببا لرفضه لجيرون سيقدمه له عمليا في الحفل!..

وعندما أُقيم ذلك الحفل المهيب، وأثناء انحناء جيرون أمام لوتش ليقلّده تاجه وصولجانه، قفز أورشيال وهانك مرة واحدة ليقطعا رأسه، وبذلك يثبتان عدم جدارته كفتى صغير في قيادة مملكة الحور، ولكنّ جيرون سحب سيف تانيا اللتي سبحت  بجوار لوتش على اللوح البلوري فور اقترابها منه، وقطع رأسيهما بضربتين سريعتين، لينتفض جسديهما غارقين مع رأسيهما أسفل الماء، دون حتى أن تزيد نبضات قلبه أو أن يتوتر بل عاد بكل هدوء إلى وضعيته، فأيقن لوتش أن دم أبيه جبر وشجاعته يسريان في عروقه وأنه هو الملك الجديد بجدارة وهذا ما أحس به الجميع في تلك اللحظة، فجمع الحور بحركة واحدة تحت إمرته..

أما جلير فقد سمع صوتا عذبا قادما من الأفق، صوت طفلة حور صغيرة تغني، تجاهل الأمر ولكنه فجأة تذكّر تلك العبارة وبأنه يجب أن يتبع صوت الغناء، وبالفعل أخبر الأوتغارت بأنهم سيتبعون الصوت ليصلوا للوطن، وكان هذا آخر أمل لهم جميعا..

يتـــبـــــــع

آريس الحورية الهاربةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن