كانت بيوت قرية " كديميس " ترتفع شيئا فشيئا كلما ابتعدت عن الشاطئ، فيستطيع الجار الأبعد رؤية البيوت من أسفله بكل وضوح وكان منزل جبر الأقرب للشاطئ فكان واضحا للجميع، لا يبعد كثيرا عن الميناء الذي يتوسطه لسان ممتد بعيد عن الشاطئ عليه منارة تنير البحر على الدوام بعد غروب الشمس، وقد بنيت بالقرب من منزله ساعة رملية ضخمة ترتفع على بناء اسطواني حجري بني لها، وثبتت تحت سقف عال، تتقلب من تلقاء نفسها كل 12 ساعة يراها جميع أهالي القرية ويعرفون وقتهم بها، زجاجها شديد القساوة صعب الكسر، قاومت الكثير من العواصف، يتضح ذلك من الخدوش اللتي أصابتها من جهة البحر بناها بحار قديم يدعى " بينيت" ورحل ليكمل رحلاته واكتشافاته ولكنه لم يعد، فكانت النساء تخوف أبنائها الذين أرادوا الإبحار بمصيره ..
كان بيت السيد فيليب يعلو بيت جبر بعدة أمتار للأعلى وهو أقرب جار له..وكان ذلك المطعم أو حتى المكتبة على ارتفاع 4 بيوت من بيته على الناحية الأخرى من الدرج العريض افقيا الذي كان يقسم البلدة إلى نصفين ..
لا يدري جبر بماذا كان يفكر السيد" جوسيا "عندما قام ببناء مكتبة في مطعم، لعله يخاف على نفسه من الجوع، ولكن لا بأس هذا جيد، هكذا يستطيع أن يمضي وقتا أكبر بين الكتب دون الشعور بالجوع..
" لا تقترب من البحر يا بني إلعب في ساحة المطعم، فآريس ليست بمزاج جيد "
" حاضر يا أمي لن نقترب من البحر "
لا بد وأن القرية كلها مصابة بالذعر من صوتك الحزين يا آريس، كان جبر يحدث نفسه، ويصعد مقتربا من المطعم، وعندها قابلته إحدى العجائز ضاحكة تصرخ فيه بصوت متقطع :
"هيـــــه جــــبر ألم تتزوج بعد!؟ ، لدي حسناء تنتظر إشارة منك "
يبتسم لها جبر متجاهلا ما قالته ويسلم عليها ويمضي..
كانت مارلين الوحيدة التي أخذت كلامها على محمل الجد، واتجهت لأمها صارخة :" ألن تكف عجوز النحس تلك عن اصطياده في كل مرة تراه بها، لتقنعه بالزواج، وما شأنها به، إنها تعد أيامها الأخيرة، فلتقم بعمل جيد يجبرنا يوما ما أن نحضر لها جنازة لائقة "
ولكن أمها قد اعتادت هذا الكلام في كل مرة لتعيد ذات الإجابة :
" وما شأنك أنت به أيضا، لو أراد أن يتزوجك لفعل ذلك منذ زمن "
فتتأفف ساخطة وتذهب لتجمع الملابس المغسولة حتى تنشرها على سطح بيتهم، فيما يتسنى لها أيضا مراقبة جبر، ولا تدري أن " داني " كان دائما ما ينتظرها حتى تطل من النافذه أو حتى تصعد للسطح ليسترق النظر إليها..
إنه إبن عمدة البلدة، ضعيف البنية فهو لا يحتاج للعمل كباقي شباب القرية، يعيش على مكانة ومنصب أبيه الذي يستمر في تدليله هو ووالدته..
فبالرغم من ثرائه، لم تكن الفتيات تطمح بالزواج منه فلديه شخصية ذميمة ولسان قذر، ولكن بعضهن يستغللن صداقتهن به ليحصلن على المال أو يستفدن من منصب والده ، وهو بدوره لا يمانع ..
يصل جبر إلى المطعم وأثناء دخوله يرتطم رأسه بعارضة الباب العلوية فقد كان الأطول بين الجميع في هذه القرية والأكثر قوة فكيف له أن يصنع السفن إن لم يكن كذلك، تجاهل ما حصل فقد اعتاد على ذلك، ثم نظر إلى جميع الرجال هناك صائحا :
" هيه كيف حالكم يا بحارة ؟"
واتجه مباشرة إلى المكان الذي تعود أن يجلس فيه العم جوسيا، ثم تهافتت العبارات منهم.. فصاح أحدهم :
" هل ما زلت تطارد الحوريات!؟ ، سوف يأخذنك للجحيم "
ثم تتعالى الضحكات ويردف آخر :
" لماذا لا تتوقف أنت أيضا!؟ ، لقد توقف الجميع منذ زمن عن صيدهن ، أم لعلك عشقتها ؟"
جبر ضاحكا :
" الجميع فعل ذلك في فترة ما حتى أنت يا رجل لن تنكر ذلك ها "
يعاود الجميع للضحك
وآخر :
" هيه جبر هل توقفت عن صناعة السفن، أين تغيب كل تلك الفترة ؟"
جبر :
"لا ولكنني أستريح منها لبضعة أيام فقط، فالعمل في الشتاء أكثر صعوبة كما تعلم "
لقد زادت كثافة لحيتك وأصبحت رجلا تشبه أبيك تماما..
جبر :"لقد اشتقت لإجتماعاتكم هنا يا رجال "
"تعال وشاركنا الغداء"
" شكرا لكم، سأوافيكم..كيف حالك يا عم جوسيا ؟"
كان العم جوسيا يحب الجلوس على كرسيه العالي في زاوية المطعم، يراقب الداخل والخارج ويستمع للأحاديث المتناقلة فيعرف أحوال القرية جميعها وأحيانا يقوم بقراءة كتاب من الكتب التي يضعها في مكتبته..
يقال أن العم جوسيا هو الوحيد الذي ظفر بصيد حورية، ولكنها استطاعت الهرب منه بعد مدة قصيرة، عندما كان شابا وكان العم فيليب ذا الرقعة يبحر معه
، ويقال أيضا أنه الوحيد الذي يعرف أسرار الحوريات جميعها، ولكن لم يجرؤ، أحد على سؤاله وتذكيره بحوريته الهاربه..ولكن جبر لا يتوانى عن سؤاله عن أي شيئ..
نظر العم جوسيا ل جبر برهة من الزمن، وقال:" تذكرني بأبيك، هو الوحيد الذي كان يملك هذا الطول وهذه اليدين العريضتين، أما عينيك فعينا والدتك ..تكلم يا جبر لا أظنك جئت تسأل عن طرق جديدة لصيد الحوريات ! "
" خمن إذا، هل تسعفك خبرتك في معرفة عما جئت أسألك عنه هذه المره "
نظر إليه العم جوسيا وابتسم وكأنه يهزأ بما قاله وأغلق كتابا كان بيده وقال له :
"لا تعشق الحوريات أحدا يا بني، لا يمكن الوثوق بهن "
تفاجأ جبر وقال للعم جوسيا :" ولكن كيف عرفت أنني جئت لهذا !؟ "
فقال مبتسما :
"خبرتي قالت لي ،اتبعني للداخل"
يتبـــــــــــــــــــــع
آرائكم الجميلة 🌸 وتصويتكم 💛
أنت تقرأ
آريس الحورية الهاربة
Fantasiaدائما ما كان يحدث نفسه بها إنها شغفه كانت ولم تزل حتى إذا اعتادت مطاردته لها شعرت بالحنين وما بينه وبين البحر احتارت حتى اختارت العودة للهروب ولكنها ارتبطت في الغربة بشيء من نوع آخر فهل تعود؟