يجر يأسه بقدميه المتثاقلتين ،خارجا من مكتبته القديمة ، يغلق باب مطعمه الخشبيّ، مصدرا صوتا عاليا في الزقاق الفارغ في منتصف الليل ، لكن لا صوت يعلو فوق صوت البحر و موجه اللذي يضرب الشاطئ بشراسة ، يتمشى العم جوسيا نزولا من البيوت المرتفعة ، قاصدا تلك المنارة القابعة على أطراف لسان الشاطئ البعيد ، وكأنها وحيدة يحيط بها البحر إلا من طريق حجريّ متسع بعض الشيء ، تضيء بضوء ساطع أبيض يدور في بهوها الزجاجيّ المرتفع ، تدلّ السفن التائهة في الليل المظلم لتبصر الطريق ..
لا صوت لخطواته في هذا الطريق الحجريّ ، فقط صوت ألسنة الموج المحيطة به تبدو وكأنها تمتد لتنال منه بغضب ، وكأنها تمنعه من التقدم ..
يصل لبابها ويعتلي درجها الخشبي المنحدر بشدة ، يتبعه صدى صوت دعساته بسبب تهالك الدرج ورطوبة بعضه، متكأً على الجدار ، وما إن وصل لباب البهو الكبير في الأعلى ، وقف مترددا في الدخول ، حتى بادره صوت في الداخل :-
"أدخل أيها العجوز ، وأخيرا تنازلت عن غرورك يا جوسيا "
ابتسم العم جوسيا بسخرية عندما تذكر بعض لقطات من الماضي جمعته مع صديقه القديم بارتولوميو ، حيث وصفه جوسيا عندها بالجنون ، ولكنه يحتاجه الآن ، ويحتاجه بشدة ، دخل بهدوء قائلا له :-
" أما زلت مجنونا كالسابق "
"بالطبع يا صديق ، وهل يمكن لعاقل أن ينجز هذا .."
فأزاح نفسه عن مدى نظر العم جوسيا لتظهر خلفه مخطوطة طويلة ممتدّه على لوح مائل كالمسند اللذي يستخدمه الرسام للوحاته ، كانت عبارة عن آلاف القطع الصغيرة الممزّقة ، كان بارتولوميو قد أمضى قرابة الثلاثين عاما في تجميعها ..
فقد كان في صغره يلهو مع صديقه جوسيا على الشاطئ ، واختبأ عنه حتى دخل في مغارة مظلمة ، تعثّر حتى وقع في منحدر فوجد في آخره غرفة مليئة بالكتب القديمة ، ظنّها كتبا عادية في البداية ، حتى وقع نظره على مخطوطة ممتدّة تترجم اللغات اللتي كتبت بها تلك الكتب ، أخذ يتمشّى بالقرب منها ، ويقرأ تلك التوضيحات والأحرف الغريبة وترجمتها ، حتى تملّكه الشغف في معرفة محتوى الكتب ، وعندها اقترب من المخطوط يريد أخذه معه هو والكتب ، وما إن لمسه حتر تكوّم كالتراب على الأرض قطعا صغيرة، أصابته صدمة لما حصل للمخطوط ، فخلع قميصه وأخذ يجمع فيه قطع الورق الصغيرة تلك مدة طويلة ، بحث عنه صديقه جوسيا ولكنه لم يجده ، اعتبره مزاحا ثقيلا في البداية ،ولكن مع مرور الوقت أصبح غيابه مقلقا ، وعندما جمع بارتولوميو تلك القطع الصغيرة وحمل الكتب على ظهره ، خرج من تلك المغارة بصعوبة قبل مغيب شمس اليوم التالي ، وقصد المنارة، مكان عمل والده ، وأخفى الكتب والقصاصات هناك ، نسي كل شيء منذ ذالك الوقت واستمر بمحاولة تذكر الرموز وتجميع المخطوط ..
وعندما اكتشف جوسيا وجوده في المنارة ، ذهب إليه وهو غاضب ،فلم يكترث بارتولوميو بقلق صديقه عليه وانصب اهتمامه على ترميم المخطوطة ، دخل إليه جوسيا إلى المنارة يصرخ فيه :-
أنت تقرأ
آريس الحورية الهاربة
Fantasyدائما ما كان يحدث نفسه بها إنها شغفه كانت ولم تزل حتى إذا اعتادت مطاردته لها شعرت بالحنين وما بينه وبين البحر احتارت حتى اختارت العودة للهروب ولكنها ارتبطت في الغربة بشيء من نوع آخر فهل تعود؟