الفصل السادس عشر

30 2 81
                                    

كانت ديما مترددةً في اختيار قرار الصعود إلى غرفة ميلارد ، ولكنه عندما تأخر فضلت أن ترى كيف أصبح حاله الآن ، وصلت أمام غرفته التي كان بابها مغلقًا وقامت بطرق الباب ولكنها لم تجد إجابة فظلت تطرق الباب حتى وجدته يُفتح لها ، كان يقف أمامها ووجهه قد أصبح شاحبًا للغاية وعيناه قد تلونت باللون الأحمر من أثر البكاء ، وشعره فوضوي وكأنه ليس نفس الشخص الذي قد رأته في الصباح ، وبعد أن فتح لها الباب وحملق بها قليلًا ذهب وألقى بنفسه على السرير كجثةٍ هامدة ، ووجدت ديما فانيتاس يقف بجانبها ويبدو أنه هو الأخر قد صعد ليواسي ميلارد ، فهمس فانيتاس لديما قائلًا: سأحاول معه أنا وإن لم أنجح فلتحاولي أنتِ .

فهزت ديما رأسها بالموافقة ، ودخل فانيتاس إلى ميلارد وحاول الحديث معه قائلًا: ميلارد لا بأس عليك يا صديقي ، فعليك أن تتعايش مع الوضع الحالي .
لم يلتفت ميلارد الذي كان يعطي ظهره لهما وهو مستلقي على السرير ولكنه رد على فانيتاس بصوتٍ خافت: إنني أحاول النسيان وأقول أن الأيام ستطفئ نار ولعي وشوقي بمرورها ، ولكن ما ألقاه ما هو إلا زيادةً في الشوق والألم والحزن ، ماذا عسايَّ أفعلُ يا فانيتاس إنني أشتاق لهما كثيرًا ولوجودهما ولسماع صوتهما ، لا تدري كم أشتاق لصراخهما عليَّ حين عودتي متأخرًا من المنزل ولا كم أشتاق لتناول الطعام معهما على طاولةٍ واحدة ولا كم أشتاق لاهتمامهما بكل تفاصيلي الصغيرة ، أتمنى كل يومٍ يومًا بعد يوم لو كانت روحي هي التي سُلبت وليس هما .

أنهى كلامه وأنهار في البكاء مجددًا وبدلًا من أن يوقفه فانيتاس عن البكاء جلس على كرسيٍ كان بالغرفة وصمت تمامًا وعيناه تدمع هو الأخر ، فقد كان يشتاق لهما هو الأخر فقد كانا بمثابةِ والديه وليس فقط جيرانه ، كما أنه لا يدرك ماذا يفعل لحالة صديقه المُنهار أمامه ، بدأت ديما تنظر لكليهما في ارتباك وتسأل نفسها كيف انقلب الحال إلى ما هو عليه الآن؟ ولكنها قررت أن تتصرف بالمنطق لا العاطفة وأن تستغل كونها الأقل تأثرًا بوفاة والدي ميلارد في هذه الغرفة لأنها لم تقابلهم شخصيًا ولم تعرف عنهم شيئًا ، فدخلت إلى الغرفة بعد أن كانت تقف على الباب وأضاءت نورها وقالت: بالنسبة لنا نحن أهل الحياة الدنيا قد نظن أن الموت هو أسوء شيءٍ قد يُذكر أو يحدث لدرجة أننا أسميناه "هادم اللذات" ، ولكن في الواقع هذه الفكرة تنبع من كوننا نعامل الموت على أنه نهاية حتمية بينما هو في الواقع البدايةُ الفعلية .

فقال ميلارد بصوتٍ خافت وحزين: وما المقصود من كلامك؟
فردت هي: لن يُشفى صدرك من الشوق حين معرفتك بأن الموت كما فرقنا سيجمعنا من جديد ولكن باختلاف الأزمان والأوقات ، ومع هذا فسيجعلك معرفة ذلك تصبح أكثر منطقية و واقعية وصبرًا على شوقك ، تقول أنك تريد الذهاب لوالديكَّ باختيارك لطرقٍ مثل الانتحار ولكنك في نفس ذات الوقت تقول أن والديكَّ كانا شخصين جيدين ، وسواءً اقتنعت بهذا أم لا فقد ماتا بطريقةٍ ترضي الله وهو من اختارها لهما ، وإن قررت الذهاب إليهم بالطريقة التي في رأسك والتي لا ترضي الله فلا أظن أن طرقكم ستتلاقى من جديد ، لا أقول لك انسى فنسيانك لهم أمرٌ مستحيل لا يفعله إلا قليل أصل ولكن أقول لك حاول أن تتخطى ، فلا أظن أنهما كانا سيكونان سعيدين بحالك الآن فقد أحبوك للغاية وتعبوا حتى يروك تغدو رجلًا ، ولكنك بهذا تدمر كل ما فعلوه وتمحي أثرهم الحقيقي فيك .

    صوب هاوية الهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن