منتصف قاعة الطعام العتيقة للقصر ذو التصميم القوطي المشئوم برهبة، طاولة طويلة متينة من خشب داكن مصقول، حولها كراسٍ مرتبة بعناية، مبطنة بالمخمل الأحمر، مطلعها جالس، بهدوء مربك، يصدر صوت احتكاك الشوكة و السكين الذهبية و الصحن بوضوح أثناء تقطيعه شريحة اللحم الطرية الغنية بالعصارة.
الأرضية الرخامية تعكس لألئة ضوء الثريات الذهبي المتدلية من السقف العالي، والجدران العالية مزينة بلوحات أثرية متفاوتة الحجم على زواياها زخارف ثلاثية الأبعاد. .
فتحت البوابة ببطء عندها دلف فيير بخطوات متزنة يصدر صوت وقع حذائه على البلاط يعكر السكون السائد.
" توقعت حضورك أبكر."
رفع جوناثان سوان عينيه السوداء الباردة بعد قوله، يعيد نظره إلى الطبق أمامه.
توقف فيير أمام المائدة يشابك يديه خلف ظهره
"بلغني أنك تريد مناقشة قراري بشأن الرهينة."
نطق فيير برسمية
"أطلقت سراحها دون استشارتي. أعتبر ذلك تجاوزاً.""قراري كان مدروساً."
"أعطيتهم انطباعاً بأنك متساهل. تصرف كهذا يترك أثراً، ولا يهم إن كان مدروسة في نظرك."
كف جوناثان عن تقطيع شريحة اللحم إلى لقيمات بيد خبيرة ثم رفع رأسه يتبع بنبرة هادئة "ربما عليك ترك هذه النظريات جانباً الآن. هناك أمور أكثر أهمية تستحق تركيزك."
"هل تشير إلى موضوع الخطبة؟"
تراجع يسند ظهره إلى الكرسي، يعقد ذراعيه
"ضع كل طاقتك في ذلك، و لا تجعلني أذكرك دائماً بمكانتك."
حرك فيير رأسه في إيماءة باحترام
"سألتزم بما يتطلب و متوقع."
حرك جوناثان يده يأذن له للانصراف عندها انحنى فيير بلباقة ثم استدار فيير و استأنف خطواته مغادرا.
_"كيران رفض عرض ارتباطه بأنجلينا كوبر!"
كسر صوت ايلينور المفعم بالدهشة هدوء غرفة المعيشة، حيث سينا جالسة على الأريكة، كانت عيناها تتأملان فنجان الشاي في يدها بصمت قبل أن ترفع رأسها تنظر أمامها حيث جلست لويز وإيلينور.
التفتت لويز بسرعة نحوها بتعجب ثم مالت برأسها تنظر في الجريدة:
"تمزحين؟! أين؟!!"
تحركت حدقتاها تقرأ السطور بتمعن فساد صمت قصير قبل أن تنطق بدهشة عارمة
"فعلها حقا!"
تقطب حاجبا سينا بحيرة:
"من تكون أنجلينا كوبر؟"
نظرت لويز نحوها باسمة بخفوت:
"أنجلينا كوبر، ابنة دوق كامبريدج أنارثا. قبل أن تظهري في حياة كيران و يقرر الزواج بك كان هناك اتفاق بأن يرتبط بها. الجميع كان يعتقد أن زواجهما محسوم."
تبادلت إيلينور ولويز النظرات قبل أن تكمل لويز، نبرتها أصبحت أكثر جدية:
"لكن الأمر لم يتوقف هنا... أنجلينا لديها إعجاب كبير، لا، هوس غريب بكيران. كانت تتحدث عنه كثيراً كأنه ملكها بغرور قبل ذلك، في النهاية إنها ابنة والدها المدللة، توصل الطرفان إلى اتفاق باعتباره زواجا سياسيا من طرف الإمبراطورة، الجميع كان يتوقع أنها ستصبح زوجته، لكنك قلبتِ الأمور رأسًا على عقب."
ارتفع حاجبا سينا قليلاً للحظة ثم رفعت كأس الشاي إلى مستوى فمها ترتشف منه.
" يبدو أنني أخذته من بين يدي الكثيرات "
ابتلعت ثم ردت باستهزاء ساخر
" وضعه و مركزه مثالي للنسب فعلاً لذلك قرار الزواج صعب بالنسبة له"
ضحكت ايلينور بشماتة تتبع:
"أريد رؤية وجهها بعد أن رفضت للمرة الثانية"
ضحكت لويز ضحكة خافتة عندها اتبعت ايلينور بنبرة مشاكسة:
"وبوقاحة أيضًا! اسمعن ما أدلى به."
تنحنحت ايلينور ثم اقتبست من الخبر تقرأ ببطء:
" قال: لقد وعدت امرأة بالزواج، وأنا ممتن لوجودها في حياتي. اسمها محفور في قلبي و باطن خاتمي."
تقطب جبين لويز بريبة و فوراً التفتت نحو سينا تقول بدهشة:
" اسمها محفور على خاتمه! أعتقد أنه يتحدث عنكِ سينا! "
ومضت عيناها بتفاجؤ من الاستنتاج الغريب و رغم ارتباكها الداخلي، بقيت صامتة، تضع الفنجان على الطاولة برفق. تشعر بضيق كئيب خانق و غصة.
" لا .. "
نطقت ثم رفعت بصرها تنظر إلى إيلينور ولويز بثبات تضيف مشككة:
" الخاتم في إصبعه مختلف... ليس خاتم زواجنا."
ارتفع حاجبا لويز بتفاجؤ، عندها وضعت إيلينور الجريدة على الطاولة ثم انحنت قليلاً نحو الأمام تسأل باهتمام:
"ماذا تقصدين؟"
" الخاتم الذي يرتديه ليس خاتم زواجنا المعتاد. لقد لاحظت ذلك مؤخرًا، بدا مختلفًا تمامًا."
ردت سينا بضيق و صعوبة
"مهما كان، من الواضح أن كيران أراد أن يرسل رسالة واضحة. يبدو أنه يريد إثبات أن هناك شخصًا مميزًا في حياته، سواء كنتِ أنتِ أو..."
لمعت عينا سينا بحدة، فانقطع صوت ايلينور و بقي فمها مفتوحا
"أنا أو ماذا؟"
بصوت هادئ لكنه مشحون بالضيق وتر الأجواء
ابتلعت إيلينور اللعاب بصعوبة مع ما تبقى من كلماتها تشعر بأنفاسها مختنقة في حلقها، تبادلت نظرة سريعة مع لويز بارتباك تستنجدها.
"لا داعي للتوتر، سينا. إيلينور كانت فقط تفكر بصوت عالٍ، أليس كذلك؟"
لويز سارعت بمحاولة لتلطيف الجو المشحون بابتسامة خفيفة
إيلينور تنهدت بخفة وأعادت نفسها إلى رباطة الجأش، ثم أجابت:
"أجل! صحيح، ما كنت أقصده هو أن كيران واضح جدًا في تصرفاته. سواء كان هذا الخاتم مختلفًا أم لا، يبدو أنه يريد أن يثبت للعالم أن قلبه مع شخص معين."
كممت لويز فم إيلينور بسرعة، تحاول إيقافها عن تقول المزيد. قائلة بنبرة متداركة، وابتسامة متوترة ترتسم متذبذبة على وجهها:
"إنها لا تعي ما تقوله، لا تأخذي كلامها بجدية، سينا."
إيلينور أبعدت يد لويز عن فمها برفق، وقالت بنبرة متمردة، غير مبالية بالتوتر في الغرفة:
"لماذا؟ أقول الحقيقة فقط."
ثم نظرت مباشرة إلى سينا، وأردفت بوضوح ودون تردد:
" لستما معًا الآن، لقد تطلقتما. ألا يعني ذلك أن كيران حر في فعل ما يحلو له، وأنتِ الآن مع جاهانغيس؟"
التزمت سينا الصمت، عيناها مركزة على إيلينور، شاردة، تفكر في كلماتها تبحث و تنتظر الإجابة عن سؤال لم يُطرح بعد.
أنا .. لا أفهم ..
فكرت سينا بحيرة
كان زواجهما محرد وهمٍ على ورق قديم. مع ذلك، لم تستطع منع قلبها من التشبث برابط لم يعد موجودًا، أمل غير معرف، رغم محاولاتها المستمرة في دحض ذلك مشاعرها تنقلب عليها.

أنت تقرأ
شمس أوستن
Fantasíaلَقَد رَاوَدنِي حُلْم ، كَانَ هُنَاك شَخْصٌ بأَحَاسِيسَ مُلبَّدةٍ مُظْلِمَةٍ ، لَمْ أسْتَطِعْ رُؤيَةَ مَلامِح وَجهِه بِوضُوحٍ لكِنَّنيِ أَذكُر أنَّ لدَيهِ عَيْنَينِ زَرْقَاوَيْنِ تُصبِحَانِ أكْثَرَ بَريِقًا مَع كُلِّ خُطوَةٍ يَخطُوهَا نَحْوِي حَامِل...