سَيِّدِي الغالِي، اشتقتُ إِلَيْكَ ج... مهلًا، أَلَم نكبُر على العِراكِ بِالنِعالِ؟! لم يكُن خمسةُ أَشْهُرٍ غِيابًا، اعذرنِي حقًّا.
هيّا، انزل هذا النِعال حتّى نتحدَّث. بالطبعِ لن نتحدَّث رجلٌ لِشِبشبٍ! ادخُل لِتحمِي نفسك مِنْ بردِ الشِتاءِ القارِس، بينما أُحضِّر لكَ مشروبًا ساخِنًا لعلَّهُ يبعث الدِفءَ في جسدِكَ الذي نهشهُ البرد.
ها قد أتيتَ، هل تأخَّرتُ عليكَ؟ تفضَّل كُوبَ الشاي الساخِن -احذر كي لا تحرق لِسانكَ-. ربَّما تفاجأتَ أنّ حليم لا يُغنِّي في الخلفيَّةِ مثل كُل جلساتِنا سويًّا، حتّى تستطِيع سماعِي جيِّدًا.
المُهِم، سيِّدِي، اشتقتُ لكَ حقًّا واشتقتُ لجلساتِنا التي كانت تتكرَّر في الشَّهرِ أكثرَ مِنْ مرَّةٍ. لا تنظُر إليَّ هكذا، عرفتُ أنّني السَّبب.
أتعلم؟ طِيلةَ حياتي -القصيرة- لو أنَّ هناك أمرًا تعلَّمتُه، فهو أَلّا نُعلِّق آمالًا كثيرةً على مجهولٍ قد يُسعِدنا وقد يُحزننا.
لعلَّ أكثرَ خُذلانٍ تعرَّضتُ لهُ هو الخُذلانُ مِنَ المرحلةِ الجامعيَّةِ. ظننتُ أنّها ستكون أفضلَ مِنْ ذلك، ظننتُ أنَّ تلك المرحلةَ ستكون الأفضلَ فِي حياتِي كُلِّها، لن أنساها كما يقول الكُل: (أفضلُ فترةٍ فِي حياةِ الفرد هي المرحلةُ الجامعيَّة.)
لن أُنكر أنَّني تعرَّفتُ على أشخاصٍ جيِّدين ومِثلي وقريبين جدًّا مِنْ تفكيري، بل أضِف عليهم الطَّابِع الدِّيني الذي يُريحني، كما نقول: (صُحبةٌ صالِحة).
أتذكُر حينما تحدَّثتُ معكَ عن القلقِ؟ وكيف كان ولا يزال يُعذِّبني؟ لم أكن أعرِف أنَّ قلقَ الصَّفِّ الأوَّلِ الثَّانويّ سيكون هيِّنًا لما سأُلاقِيه في الجامعةِ، وكأنَّهُ كُتِبَ على نفسي القلِقة أن تُحرَمَ مِنَ الطُّمأنينة، وكُتِبَ على قلبي أن لا يرتاح ولو في محطَّةٍ واحدةٍ، وكُتِبَ على روحي أن تظلَّ حائرةً في سماءِ القلق، فلا تُحلِّق لتنفكَّ مِنْ قيودِ القلق ولا تستسلمَ لهُ.
وبالطبعِ، أصدقاءُ المدرسةِ لا نزالُ أصدقاءَ، وللهِ الحمد. ولكن لا أعرِف أين المشكلة؟
قِيل لي مِنْ أحدٍ يُحبُّني ويخاف عليَّ: «ظننتُ أنَّكَ ستُحبُّ الجامعةَ أكثرَ مِنْ هذا. الذي أنتَ فيه لا أستطيعُ فهمَه.»
أتريدُ الحقَّ -سيِّدي-؟ أنا لا أفهَمُ نفسي، في يومٍ صِرتُ غريبًا على الكُلِّ، حتَّى على نفسي، ماذا حدث؟ لا شيء حقًّا.
نبَّهني أصدقائي إلى اتِّساعِ الفجوةِ التي بيننا، وأنَّني صِرتُ لا أُحادِثهم كثيرًا كما مضى. وقِيل لي مِنْ صديقٍ أُحبُّهُ ويُحبُّني: «أين ذهب صِياحُكَ؟ أين ذهب صِياحُكَ عن حليم؟ اشتقتُ لصِياحِكَ ولتعبيرِكَ عن حُبِّكَ له.»

أنت تقرأ
آراء مُتسلطة
Randomمَنْ أنا؟ لَرُبما تسألت سَيْدي عَنْ مَاذا أكون؟ باختصارٍ سَيْدي، أنا صوتُ صِياح كُل طَالِبٍ أو مُرَاهِقٍ مصري أو مصريةٍ، أنا الصوتُ المُهَمَّش غير المَسْمُوع. أنا الأفكَار والآراء التي يُهمِلها الكُل بِحُجّة صُغر السِنْ. أنا دائمًا المَنسِي وَسَط...