هي فتاة من من هذه الجبال بنت وحيدة بين صبيين لوالديها... كانت فتاة قروية مستقبلها واظح بالنسبة للجميع كما هي حال جميع فتايات ذلك الزمن وفي تلك الاماكن اي القرى وفي تلك الاوظاع اي الحرب ... كانت بدل الدراسة ستتزوج وتنجب وتربي وتخدم زوجها كما جرت العادة....
ولكن الاقدار لم تشىء لها هذا المصير الكئيب... و خبئت لها ما هو اجمل واسوء في ان واحد ...
عندما كان عمرها ٦سنوت ... نزلت العائلة الى المدينة لإقتناء بعض الاشياء... وعلى الطريق ... تعرفو على رجل متعلم قام بمساعدتهم لعبور احد الحواجز التي واجحتهم مشكلة فيها بسبب اللغة فهم لم يكونو يجدون الفرنسية مما كان يطيل العبور من الحاجز...
وكان يجيد لغتهم وكان طريقهم واحد ... وهم في الطريق بدئو بتبادل الحديث طبعا بعد ان شكره الولد .... و واصلو المشي والحديث الى ان وصلو الى نقطة الدراسة... نظر ذلك الرجل المتعلم فرئى لديه طفلين... فسألهم ان كانو يدرسون ... فأجابو بتعجب لا ...استغرب الرجل من ردت فعلهم فأكمل ..... الى ان اكتشف انهم لا يعرفون ماهي المدرسة ولا الدراسة ....لم يسغرب الرجل كثيرا فهو ايضا كان من بين هؤلاء ... ويعرف جيدا كيف يفكرون... تمعن أكثر وكان سيقول لماذا لاتلتحقون بالمدرسة ولكنه بعد التمعن وجدهم كبارا على دخول المدرسة والتعلم من البداية... وفجأة و عندما وصل الرجل المتعلم الى وجهته واراد توديع الرجل القروي اي الوالد ... واذا به يلمحه يحمل فتاة صغيرة في العمر لم يلمحا طوال الطريق ... فقد اخذه الحديث مع ولدها وبعدها اخوتها... فسؤلها كم عمركِ ... لم تجب ... فسؤل ولدها فأجابه ... فتحدث معه عن دراستها (اه هذا الرجل يعمل معلما في احد المدارس) اسغرب الاب من هذا الكلام.... وبعد ان شرح له الرجل ماذا يقصد .... وفهم الاب رفض طبعا وحاول الرجل اقناعه وظل الاب رافظا وبعد ان تعب الاب من الحاح الرجل... صارحه قائلا:ماذا تقول يا هذا اتعي ما تطلبه كيف تريد مني ان ارسل ابنتي الوحيدة الى مكان بعيد لا اعرف عنه شيئا ؟
رد الرجل بإمكانك ان تقوم انت بإيصالها صباحا والعودة اليها مساءا
الاب وهل تظنني لا املك اي عمل آخر فآنا لدي ارضي وما شيتي يجب ان اعتني بهم دون ان افارقهم
الرجل حسنا بإمكانك ان تكلف اولادك على هذه المهمة كل مرة يأتي احدا منهم ويوصلها ويأخذها
سكت الاب ولم يعرف ماذا يقول فأولاده لايفعلون شيئا في الواقع غير مساعدته بأعمال صغيرة وبإمكان واحد منهم ان يقوم بهذه الاعمال دون وجود الاخر...
صمت ...صمت...صمت... وعندما هم الرجل بالمغادرة.... اوقفه الاب سائلا اياه عن المدرسة والدراسة وماذا تعني وبماذا ستفيد ابته الصغيرة..... الخ من الاستفسرات
وبدأ الرجل بشرح للاب مدى أهمية الدراسة لبنته وكيف ستفيدها في هذه الاوظاع وبأن القراءة اول ما أمر به الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.... وبعد شرح طويل اقتنع الاب... او بالأصح وافق على قضاء القدر ... لم يكن مرتاحا لهذه القصة... ولكن ما هدئه قليلا ان احد اخوتها سيكون معها طوال هذه الفترة....
هي لم تفهم شيء ابدا... اعطاه الرجل اسم المدرسة و توجهو اليها مع بعضهم ليتعرفو على الطريق.....
وتوالت الايام ودخلت الفتاة المدرسة وتعود الجميع عليها وتعود الاهل على الوضع...
كانت فتاة مجتهدة وكانت دائما منتقلة الى الفصل الاخر او السنة الاخرى
وعندما وصلت الى المتوسطة كان يجب عليها ان تغيب بالشهور عن البيت بحيث كانت ستبقى في السكن فهناك لم يكونو يسمحون لهم بالمغادرة الا في عطلة الصيف اي العطلة النهائية للسنة... بسبب الحرب
وكالعادة كان شيء جديد على الاهل فهم قروين فعندهم البنت لا تنام خارج البيت الا عندما تتزوج .... وبدأ الحديث في الزواج وانها اصبحت كبيرة واذا وافقو لن يتزوجها احد ... الخ ...
ولكن هذه المرة لم يكن هناك ذلك الرجل لكي يقنع ولدها... وهي كانت تريد اكمال دراستها وبالاخص بعد ما سمعته من المعلمة عن المتوسطة والثانوية والجامعة وماقرأته أيضا في الكتب... كان لديها الرغبة في اكمال دراستها... ولكنها كانت خائفة من ولدها واخوتها كثيرا..... ولكنها استمدت قوتها وشجاعتها وواجهت ولدها واخوتها بما تريد وانها تريد ذلك كثيرا .... وطبعا حدثت مشاكل وصراخ... كما تجري العادة دائما عندما يتعلق الامر بالفتاة وبما تريد ... ولكنها لم تستسلم وظلت طوال الصيف تتحدث بهذا الموضوع تارة كان ولدها يظربها لكي تنسى وتارة اخوتها ... ولكن بدون جدوى فهي كانت مصرة ... وهذا الاصرار وتلك العزيمة كانت كفيلة لأن تغير رأي ولدها واخوتها ... ووافقو على ذلك بعد ان اخبرته انه بإمكانهم زيارتها متى ارادو...
كانت سعيدة جدا كيف لا وقد انقظت مستقبلها من الظياع في الزواج وبين يدي رجل فلاح لايعرف قيمة المرأة ولا ينتبه لوجودها اصلا ...
والاصرار والعزيمة ليست شيء غريبا على بنات الجبال فمن تنجب جنودا وقفو بوجه العدو... لن يكون صعبا عليها ان تحارب من اجل نفسها أيضا...
والتحقت الفتاة بالمتوسطة والثانوية وبعدها بالجامعة وتخرجت واصبحت معلمة وعادت الى قريتها والى اهلها سالمة وبدون ان تلطخ شرفهم بالعكس زادت منهم فقد تحصلت على الشهادة الجامعية ... واثبتت لولدها انها بإمكانها هي أيضا ان تنتبه الى نفسها وتقدم لها الافضل و الاحسن ... كان فخورا بها ولكن طبعا لم يكن يظهر لها ذلك لانها فتاة...ولكن هذه لم تكن نهاية الطريق بل هي نهاية مرحلة من عمرها لتنتقل الى مرحلة أخرى أكثر خطرا وتعقيدا الا وهي مرحلة النظج الان أصبحت أكثر عرظتا لكلام الناس ففي الماضي كانو يقولون عنها صغيرة ولم يكونو يهتمون بتصرفاتها ولكنهم الان سيفعلون وبقوة ... والان اصبحت أكثر عرظتا للخطر من العدو فهي الان صبية جميلة ومثيرة وهم عساكر مسيحين ولدو في فرنسا وعاشو في باريس بلد الحرية والدعارة.... الخ
ولكنها لم تعي ذلك واستمرت في احلامها وطموحها وأصبحت تعمل معلمة في المدرسة الابتدائية التي درست فيها .