الفصل ٤٢: في البربرية

31 8 30
                                    



في اليوم التاسع من الرحلة وصل أبطالنا إلى دولة (تشيساي)، كانت مشاعر بطلتنا ما بين الحماس و الخوف؛ فالإنسان بطبيعته يحب الاستكشاف و التعرف على الناس لكن الخوف يمنعه من ذلك ، ففي حالتها إما موت مذل و إما حياة صعبة، و مع هذا تتشبث بالحياة التي بجعبتها العجائب ، و أكملوا المسير إلى (البربرية) دون لفت الانتباه ...

في اليوم الذي يليه وطأت أقدامهم الأراضي (البربرية) بعدما تسلقوا تلاً صغيراً، جلسوا قليلاً بعد عناء تلك الرحلة الطويلة، في تلك الأثناء سمعوا خشخشة من خلفهم، استداروا ليظهر أنه طفل بالسادسة، تفاجأ الطفل و قال :" (زيد) !؟ "، فقال (دينكي) : " إنه أنا أيها الشجاع الصغير .... تعال و صافحني يا رجل"، و انطلق الطفل مسروراً و حضن (دينكي)، رفع رأسه و الفرحة لا تفارقه :" أنا سعيد برؤيتك مجدداً "، مسح على رأسه و قال :" و أنا أيضاً "، كانت الفتاتان تشاهدان الموقف بصمت .... تذكرتا أن (دينكي) أخبرهما بمعرفة أهالي (البربرية) له (كزيد)، لاحظهما الطفل الصغير أخيراً و صرخ عليهما :" من أنتما و كيف جئتما إلى هنا ؟! "، ضحك (دينكي) :" و من برأيك أحضرهما معه يا ذكي؟ "، أدرك الطفل خطأه و خجل من تصرفه السابق، ضربه (دينكي) أو (زيد) على رأسه و أمره بالاعتذار، فقال :" (عمر) الشجاع آسف على ما بدر منه "، ابتسمتا و قالت (هوشي) :" لا بأس قبلنا اعتذارك يا (عمر) الشجاع "، انصدم و قال :" كيف عرفتي اسمي ؟! "، ضُرب مرة ثانية :" لقد قلته قبل قليل "، ضحك الجميع و يرافقهم (عمر) الصغير إلى القرية .....

حينما وصلوا تفاجأ الناس بزيارة (زيد) لهم، فصاح منادي :"جاء (زيد) "، فهب أهل القرية إليه و أحاطوه و رحبوا به أشد الترحيب، و في الوقت ذاته لاحظوا وجود غريبتان معه، فاستفسروا عن ذلك فأخبرهم أنهما من أقربائه، و رحبوا بهما بابتساماتهم الدافئة، و قبل أن تنهال عليهم الأسئلة برز من بين الحشد شيخ القبيلة (حسام) و دعا (زيد) و الفتاتان إلى منزله ....

أجلسهم في حجرة فُرش فيها سجادة منقوشة و بعض الوسائد، و أمر فتاةً تخدمه تدعى (سلمى) بإحضار القهوة التي على النار، قرب إلى ضيوفه الصغار التمر و سكب لهم القهوة التي بدت غريبة على الفتاتين؛ فلونها ليس داكناً كما اعتادتا على رؤيتها في موطنهما، لم تعجبهما القهوة لكن رغم ذلك شربوها كما فعل (دينكي)، هز (دينكي) فنجانه فتقومان بتقليده لملاحظتهما أنه بهذه الطريقة لن يسكب لهم المزيد من القهوة الغريبة،

سأل الشيخ :" كيف هي (الصهباء) ؟ "، فأجابه : "بخير"، " أما تزال تجوب الأراضي هنا و هناك ؟" ، أجابه :" بلى"، فتذمر الشيخ :" كالطائر المهاجر تأبى الاستقرار "، سكت (دينكي) و لم يعلق، التفت الشيخ على (هوشي) و (راينبو) ثم قال (لدينكي) :" هاتان هما الفتاتان إذاً.... " ، أجاب :" نعم .... " ، نظر إليهما للحظات ثم قال :" ما أنت فاعل الآن ؟ "، رد عليه :" أخطط للاستقرار لفترة .... فهل ترضى بذلك يا شيخ القبيلة ؟ "، أجاب طلبه بلا تردد :" كيف أرفض طلباً لمساكين مثلكم ؟، لتكونن تحت حمايتي، أنا (حسام) شيخ (البربرية)"، فشكره (دينكي) و قامت الفتاتان بالمثل، ثم أعطى (راينبو) و (هوشي) أسماءً أخرى كعادته، أصبح اسم (راينبو) (سماوية)، و (هوشي) (هند)، قبلتا الاسم بلا تذمر، و انصرف الثلاثي من بيت الشيخ ممتنين لمساعدته لهم دون تردد، و هو يدرك أن (سماوية) مطلوبة للعدالة و أنها مظلومة لسبب ما.

سمح لهم الشيخ (حسام) بالبقاء في كوخ صغير يقع في آخر القرية، و في طريقهم إلى الكوخ دعاهم رجل إلى وليمة سيقيمها في المساء و ألح عليهم للقدوم ثم غادر، تعجبت الفتاتان من كرم أهل القرية و حسن استقبالهم، فقال (دينكي):"هذه هي (البربرية) .... ذات العادات و الأخلاق الأصيلة ...." .

في الكوخ الصغير جلس أبطالنا الثلاثة، و شرح (دينكي) للفتاتين عن عاداتهم و أخبرهم أن شيخ القبيلة هو الوحيد الذي يعرف الحقيقة، أخبرهم أيضاً أن الأخبار عامل رئيسي في خطتهم، لأنه بكل تأكيد جيش (أرض الخيال) سيقدم طلباً لدخول (أرض الأساطير) للبحث عن المجرمة الهاربة، لكنه سيستغرق بعض الوقت لأنه هناك شروط لقبول الطلب، و هناك رجال بربريين يسافرون لتقصي الأخبار؛ لهذا الشيخ فقط يعلم بالأوضاع؛ لأنها لا تنشر إلا للضرورة، و اتضح أثناء الحديث أن (الصهباء) لم تكن سوى (كيميناري)، حيث كانت و لا تزال تحب هذه القرية؛ فكثيراً ترتاح فيها بعد عناء السفر، بعدما انتهى من الحديث لمحوا (عمر) عند النافذة و يلوح لهم ، فتح (دينكي) النافذة فقال (عمر) بحماس:" العم يقول استعدوا للوليمة"، بعدما غادر الفتى الصغير التفت (دينكي) و قال :" هيا لنستعد للوليمة "، ابتسمت الفتاتان و ذهبوا ليستعدوا ....

غابت الشمس لتنام و يكمل القمر مراقبة الأحداث ، قبل وصولهم لمكان الوليمة أخذ نساء القرية الفتاتين لتغيير ملابسمها الغريبة و تسريح شعورهن ، فأهدوا لكل واحدة فستاناً فضفاضاً و مليء بالزخارف الملونة و قبعة أسطوانية الشكل، جدلوا شعر (هند) الطويل أما (سماوية) فلم يستطيعوا تسريحه، كان ارتداء ملابس من بلاد مختلفة تجربة مثيرة للفتاتين، شكرتا نساء القرية ثم خرجتا لتنبهرا من المشهد الخلاب، كانت الأجواء مفعمة بالحياة، فقد تشبع المكان برائحة ثلاثة عجلان مشوية التي تكفي جميع من في القرية، و أحضر رجل ذو أرض مثمرة سلالاً من الفاكهة و بعض العصير، و رجل آخر أحضر أرغفة من البر و الشعير التي تعدها زوجته، علقت الأسرجة المنيرة في الأرجاء و أحالت الظلمة إلى ضياء، و كان الصغار و الكبار يضحكون و يتحدثون و يمزحون و يرقصون و يلعبون، لمحوا (زيداً) و هو عالق في مجتمع الرجال و هم يحثونه على تناول المزيد، و لم تنجُ لا (سماوية) و لا (هند) من الموقف ذاته، و أحاطوا بهم كما السوار بالمعصم، تعرفت الفتاتان على خادمة الشيخ (سلمى) و التي تكبرهما ببضع سنين، استمتع الجميع بالوليمة التي دامت لساعات طويلة.....

حُمِلت (هند) إلى الكوخ بعدما غلبها النعاس و هي تسجل الأحداث ، أما (زيد) فكان يساعدهم في تنظيف المكان و (سماوية) بالمثل، و بعدها عاد الجميع إلى بيته لينام، أما بطلتنا ففتحت النافذة لتحدق بالقمر و تهطل من عينيها أمطار ..... أمطار خيرٍ ، فقد رحبت قريةٌ لا تعلم عنها شيئاً بقدومها و هي في الحقيقة ستعرضهم للأخطار ، هطلت الأمطار بغزارة تحت ضوء البدر، لتتفتح البراعم الصغيرة و تنتظر .... رحيق الأمل .

.
.
.
شكراً لقراءة الفصل❤️❤️
تصويت(vote) + تعليق (comment) = دافع للاستمرار

آنسة راينبوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن