الفصل ٤٩: الفتاة الغريبة

26 6 21
                                    


ما هي إلا لحظات حتى يدخل (جو) فزعاً من صياح التوأم، جريا إليه فورما رأياه، بعدما فهم الأمر و ضحك:" هل أفزعتكما تلك الفتاة ؟"،
أومأ التوأمان ثم قال:" لا تخافا إنها ليست شبحاً فهي فتاة صغيرة"،
كانا يحدقان بشك فلا تبدو بشرية بالنسبة لهما لذلك اختبأا خلف (جو) الذي شعر بشخص خلفه، استدار ليتفاجأ من (هيلدا) التي قالت:"اسمع أيها الفتى الصغير الزبائن انزعجوا من بكاء أخويك، لا أضمن لك سلامتهم في المرة القادمة"
،أجابها:"سمعاً و طاعة سأحرص على ذلك"،
ثم التفتت على الفتاة الغريبة و وبختها:" و أنت ألا تعرفين إسكاتهم ؟!"،
تجاهلتها كعادتها فتلقت صفعة قوية منها، حتى بعد مغادرتها للغرفة كان التوأمان يرتجفان من الخوف فضمهما (جو):" أنا أعلم أنها مخيفة لكن تمالكا نفسيكما فلا أريدها أن تعود لتزمجر علينا"،
أومأ التوأمان ثم التفت على الفتاة:"لماذا لا تدافعين عن نفسك؟"
، تجاهلته فقال:" صحيح من الأدب أن أعرف عن نفسي .......، احم مرحباً....أنا (جو) و هذان أخواي (تايّو) و (سونا)، هل يمكننا أن نعرف اسمك؟"
، لم ترد عليه فقال:" آسف إذا أزعجتكِ ....."
، همست (سونا) في أذن (تايّو):" انظر إنها لا تتحدث، إنها شبح بالتأكيد"فأومأ لها بالموافقة
، ضربهما (جو) :" لا تقولا هذا، كونا مهذبين"
، لاحظها و هي تمسك بذراعها، فسألها:"هل يوجد شمع هنا؟"
، أشارت له إلى شمعة بالزواية فأخذها بسرعة و أشعلها من إحدى الشموع المعلقة على جدران الممر و أغلق الباب من خلفه، اقترب منها و وجد شعرها مبتلاً بالماء و لديها بضع جراح تنزف فقال لها :" إذا كنت لا تستطيعين تجنب ذلك لماذا لا تعالجين جروحك؟"
، فقالت:" أنا أمسكها حتى يتوقف النزيف..."
، همست (سونا):"لقد تحدثت!"
، فهمس توأمها:" كما قال أخونا إنها بشرية"
،انفعل (جو):"أتمزحين؟! لا يمكن معالجة الجروح هكذا!"
، خرج من الغرفة ثم عاد و معه دلوين، فقال لها:" دعيني أريك كيفية معالجة الجروح"
، كانت الفتاة رافضة لذلك ، و بلا نقاش أبعد يدها بالقوة و بدأ بمعالجة جراحها:" لا أدري ما الذي تفكرين فيه لكن اهتمي بنفسك قليلاً .... قد يؤلمك هذا لأنني وضعت الملح في الماء"
، التزمت تلك الفتاة الصمت في حين أن (جو) شرع يضمد جراحها من رأسها إلى قدمها، و خبرته هذه كانت نتاج ترحاله مع والدايه الراحلان، بعدما انتهى قال:" لم لا تسرحين شعرك؟"
،فصمتت فقام و أخرج مشط والدته من الحقيبة و قال:" استخدمي هذا"
، أمسكته و أخذت تتمعن النظر فيه، فقالت (سونا):" كلا يا أخي، من المفترض أن تجفف شعرها"
، فأخرجت من الحقيبة رداءً لها و قالت:" اسمحي لي أن أجفف شعرك"
، أومأت الفتاة بخجل لتسمح لها بذلك، كان الأخوة الثلاثة يراقبونها و هي تسرح شعرها البني الطويل فبدى عليها الانزعاج فقال (تايّو):" لقد أزعجناها"
، فقال (جو):" حسناً نعتذر، هيا (تايسو) لا أديرا ظهريكما حتى تنتهي"،
و انصعاع (تايسو) لأمره، بعدما انتهت صفقت (سونا):" إنها جميلة ليست شبحاً"
،(تايّو):" (سونا)! لا تقولي هذا أمامها"
، أعادت المشط و استلقت لتنام، أخرج (جو) الأغطية فأعطى أخويه أغطيتهما و أعطاها غطاءه، تفاجأت و همت بالرفض لكنه قاطعها:" كما قلت لك اهتمي بنفسك قليلاً يا فتاة! .... انعمي بليلة دافئة "
، أدارت ظهرها و اضطجعت من جديد على جنبها ثم قالت:"شكراً"
، رد عليها:" هيهي لا شكر على واجب"
، و بعد إصرار (تايّو) تشارك معه أخوه الكبير في غطائه رغم صغر حجمه، و كان هذا أول موقف لهم مع الفتاة الغريبة".

و مضت الأيام في تلك الحانة، بين توبيخ و عمل و ضرب و صبر، فكان (جو) يحاول تغيير الأجواء الكئيبة والمملة إلى ممتعة عن طريق اللعب، كي لا يكتشف الثعبانان-الزوجان كما لقبوهما- ذلك كان يخطط بدقة، فمثلاً يتصارع الإخوة (ساباكو) بالمكانس، و يتسابقون إلى النهر، و يلعبون المطاردة، و كل ليلة يحكي أحدهم حكاية تحت ضوء الشمعة، كانت الفتاة الغريبة منعزلة عنهم رغم دعوتهم لها دائماً، لكن سرعان ما تخطت خجلها و شاركتهم مرحهم و أصبحت ....تبتسم و تضحك .... لكنها لا تزال هادئة، و ذات ليلة أخبرتهم بقصتها:" تقول (هيلدا) أن (كاسبر) وجدني رضيعة عند عتبة الحانة، فأخذني و تبناني، لم أشعر يوماً أنني ابنة لهما فكل همهما هو المال، بدأت أعمل عندما كنت في الرابعة ولا اذكر شيئاً سوى الضرب و النهْر و التوبيخ من قبل الجميع، فقررت ألا أثق بأحد مهما كان، و من قسوتهم التي استمرت لأعوام أصبحت لا أشعر بشيء لا أتألم، لا أغضب، لا أبكي، لا أهتم، فكان ذلك يزعج (كاسبر) فوضع رهاناً عندما أصبحت بالسابعة أنه من يجعلني أقوم بردة فعل كأن أغضب أو أبكي أو ابتسم فسوف يعطيه مبلغاً مادياً، و هكذا عشت سنة كاملة من الإزعاج المضاعف، قد ترون بعضهم يتقرب مني كي يكسبني بتمثيله الكاذب لكن أنفاسه الكريهة كانت كفيلة بعدم تأثري بإغوائه، فهم يجعلونني أشمئز أكثر و أكثر"، سأل (تايّو):"ألا تذكرين ما اسمك؟"
، صمتت لبرهة ثم قالت بحزن:" ليس لدي اسم....."
، دهش الأخوة فطلبوا منها إعادة ما قالته، و كان ما سمعوه صحيحاً فقد عاشت ثمان سنوات بلا اسم سوى ألقاب قبيحة كالفزاعة و الدمية و عديمة الإحساس بالإضافة إلى شتائم لا يصح قولها، فاقترح (جو):" نحن سنعطيك اسماً"
، سعدت كثيراً بذلك و انتظرت الاسم الذي سيختارونه، بينما كانوا يفكرون لاحظ (جو) مراقبتها للقمر من النافذة المفتوحة، فقال بحماس:" وجدتها!"
، فتناقش مع أخويه عن الاسم بينما تراقبهم بلهفة، بعدما اتفقوا على الاسم التفتوا عليها و قالوا:" سنسميك........(تسوكي) لأنك تحبين القمر، ما رأيك؟"
، طارت من السعادة و قالت:" (تسوكي)..... لقد أحببته كثيراً"،

و منذ تلك اللحظة اعتبر الإخوة (ساباكو) (تسوكي) فرداً منهم و هي بالمثل، فأصبح هناك أخٌ و أختٌ كبيران و أخٌ و أختٌ صغيران، و تكاتفت تلك العائلة لتتحمل المعاناة التي يمرون بها ،فلم تفارقهم البسمة و المواقف الطريفة، فأصبح ضرب (تسوكي) لـ(جو) عندما يغضبها أمراً طبيعياً جداً بين أفراد العائلة، و مرت سنة كاملة على عمل الإخوة (ساباكو) في تلك الحانة، ليحدث ما لم يكن في الحسبان.....


شكراً لقراءة الفصل❤️❤️
تصويت(vote) + تعليق (comment) = دافع للاستمرار

آنسة راينبوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن