رزقت الحلال {الحلقة 1}

39.3K 539 18
                                    

الظلام الحالك يسود الأجواء، وقد رُفع أذان العشاء منذ ساعات، من المؤكد أن الناس نيام في هذه الأوقات، لإنها إحدى قرى الصعيد، بالتحديد داخل محافظة سوهاج.

المعروف في صعيد مصر وبالأخص بتلك القرية، أن الناس يذهبون إلى أسرتهم بعد صلاة العشاء ليستيقظوا عند الفجر في كامل النشاط؛ مزاولين مهنة الزراعة والحرث التي تُمثل مهنة أغلب القانطين بها أو البعض الأخر فيما يخص الأثار والسياحة.

تسللت فتاة تتشح بالسواد من أخمص قدميها إلى أعلى رأسها، تتلفت حولها بقلق لتتيقن من خلو الطريق ثم أسدلت وشاحها الذي به درجة من الشفافية يسمح لها برؤية موطئ قدميها، أغلقت باب المنزل الداخلي خلفها بهدوء، تتوجس إيقاظ حارس البوابة الذي يغط في سبات عميق.

حاولت أن تكتم ضحكاتها على صوت شخيره الذي ينافس صوت صافرة القطار في الإزعاج، تقدمت من البوابة الرئيسية وقبل أن تغادر توقفت لحظات ثم استدارت عائدة إلى الحارس، أسندت خصرها بيدها ولوت شفتيها من أسفل الحجاب قبل أن تبتسم ابتسامة خبيثة تعبر عن نيتها الطفولية، اقتربت منه على مهل رافعة طرف التلحيفة الموجودة حول عنقه ووضعتها على وجهه لتخفي كلا أنفه وفمه، رغم ثقلها إلا إنها بدأت بالإهتزاز إثر تأثير تتابع أنفاسه المصاحب لشخير مرتفع الضجة.

تراجعت مسرعة قبل أن تخونها ضحكاتها فيلتغي الموعد الذي جازفت من أجله في الخروج من منزلها بتلك الساعة.

عبرت البوابة الرئيسية وأغلقتها خلفها بهدوء ولكن تركتها مفتوحة قليلاً حتى تستطيع العبور إلى الداخل مجدداً حين عودتها، وبمجرد خروجها حثت قدميها على المسير بسرعة.

***

فُتح باب الشقة بهدوء وتسلل الظل إلى الداخل على أطراف أصابعه محاولاً عدم إحداث أي ضوضاء أو جلبه قد تتسبب في إيقاظ حرمه المصون من نومها، فإذا حدث وأفاقت من سباتها سيقضي المتبقي من الليل في جدال عقيم ينتهي بغضب كل منهما من الأخر ويجعل حياتهما أكثر تعكيراً.

انتشر الضوء في كل أنحاء الشقة معلناً فشله في التسلل خفية إلى الداخل دون أن تشعر به زوجته، فيبدو أنها كانت جالسة بانتظاره تتوعد له بليلة طويلة من الصراخ .. هذه هي عادتها منذ عدة أشهر، تجعل حياتهم كالجحيم في الأرض.

تنهد بصوت مرتفع يحاول أن يستعد نفسياً لما هو قادم بينما نهضت من مقعدها ووقفت أمامه بملامحها الغاضبة التي تسببت في إختفاء أي أثر لجمالها البديع، فقد تحولت زرقة عينيها الرائقة إلى قطعة جليد يتوعد بالدمار كما جمعت شعرها فوق رأسها مبعثرة بضع خصلاته كأنها تعلن استعدادها لمعركة ضارية.

بدأت الحديث مضيقة بين عينيها: كنت فين يا فادي ؟

أجابها بثبات: ف الشغل

رزقت الحلال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن