رزقت الحلال {الحلقة 12}

5.9K 252 5
                                    

ألم الفراق لا يصيب فقط من فارق محبوبته، إنه يكون أكبر وأعظم عندما يفارق الأب ابنه والأم طفلها، الأخ أخاه أوأخته .. لكننا اعتدنا أن نحصر بعض الكلمات على الحب فقط .. فعند ذكر كلمة فراق أول ما يخطر ببالنا هو فراق المحبوب وعندما نذكر الشوق نقصرها على شوق الحبيب لحبيبته؛ كأن الشوق لا يصير إلا لهما وليس من حق غيرهما .. فالأم تشتاق لولده بل إن القلب ليشتاق لقاء ربه والروح تشتاق للسلام النفسي .. وهناك الكثير من الكلمات الأخرى التي تخضع لنفس القاعدة لدى البعض.

كانت جدران المنزل تضخ حزناً كحزن أهل البيت، لقد أختفت الضحكة ورحلة الحياة عن المنزل مع رحيل حياه، من يرى المنزل يعتقد أن لا أحد يقطنه لكن ما يدل على وجود من يسكنه هو صراخ التوأمين الذي لا ينقطع منذ رحيلها كأنهما يعبران عن فهمهما لما يدور.

زهرة بعد انتهاءها من أعمال المنزل اليومية وإعداد الطعام الذي لا يمسسه أحد تتجه إلى غرفتها وتغلق على نفسها، تدعو وتبتهل أن يصون الله شقيقتها ويحميها من كل سوء لكن الأجل مكتوب ولا يرده إلا علام الغيوب .. أما الدعاء فيخفف وطأة الأقدار على صاحبها، فيشتد بأسه وتقوى عزيمته.

استمر محمود في حياته اليومية معتبراً شقيقته في عداد الأموات، لقد أساءت لسمعتهم بين الناس وكسرت كلمتهم ولم تقم لهم مقام، عائشة مشتتة تخفف عن هذا وتحاول أن تزرع العطف في قلب هذا بدلاً من القسوه كما أن حمل الوليدين ليس بالهين.

انزوى أنس بعيداً، لا يخاطب أحد إلا لماماً، شعر بالذنب عندما ساعدها فأخبر زهرة التي أطلعت محمود ليتصرف، أسرع إلى حيث يقطن شادي لكنه لم يجده لقد سافر ...

توقف عن متابعة الأمر ولم يحاول اللحاق بهما، لقد شاءت الذهاب إذا فلتذهب لم يعد لها مكان بينهم، حاولت زهرة أن تقنعه بالبحث عنها لكنه لم ينصع لتوسلاتها، إن رأسه يابسة كالحجر الصوان وإذا وضع شيئاً برأسه لا يزحزحه أحد.

أما كبير العائلة فاروق فقد شعر أن تربيته قد ضاعت هباءاً، لقد كانت أقرب أولاده إلى قلبه لذا فإن خطأها ترك أثراً ليس في نفسه فقط بل في صحته، تدهورت صحته يأكل ما يقيم صلبه، يتناول الدواء قهراً نتيجة لإصرار زهرة عليه دون رغبة في الشفاء.

هكذا صار الحال بين مدعيّ اللا مبالاة وبين الحزين المشتاق، تابينت المشاعر ولكن الأثر واحد فلا يمر يوم دون بكاء ولا تمر ساعة دون ألم وأنين .. لكن إلى متى سيستمر هذا الحال ؟؟

***

بعد أن غطتها بمفرش لطاولة في المكتب لتخفي ثيابها الممزقة أو بالأصح لتداري عريها، أوصلتها إلى غرفتها وتركتها ترتاح كما طلبت منها، تشعر بالشفقة عليها فقد مرت بما مرت هي به من قبل.

تقوقعت حول نفسها تنتحب، لم تصدق أذنيها عندما أخبرتها عن غايته منها، إذا لم يكن للحب بينهما وجود، أراد استغلالها فحسب لكن أن تكون نهايتها العمل كعاهرة !

رزقت الحلال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن