قارئة الفنجان

981 25 1
                                    



عندما أسمع تلك العبارة دائمًا ما يتطرق إلى ذهني شخص واحد"السيدة سهير".

هي صديقة والدتي منذ الأزل، هناك شخص مؤذٍ جدًا علَّمها قراءة الفنجان.

لذا كلما جاءت لزيارة والدتي تُجلِسني أنا وإخوتي أمامها، وبعد أن نشرب القهوة - والتي لا أُطيقها أصلًا - تختار فنجان أحدنا كي تقرأَه.

عندما تقرأ فنجاني تذكِّرني نوعًا ما بقارئة الفنجان، تلك التي في قصيدة نزار قباني، ففي فنجاني هناك دائمًا دنيا مرعبة، وأصفاد، وقيود، وطريق مسدود، بمعنى آخر هناك دائمًا شيء أسود غير القهوة في فنجاني، والأدهى من ذلك أنها لا تخيب أبدًا في ذلك الأمر.

لم تأتِ للزيارة منذ بضعة سنوات ظننتُ حينها أنه بالفعل قد دهسها بُلدوزر كما كنت أدعو دائمًا، ولكن ها هي تقف عند عتبة بابنا، وبالطبع أرغمتني أمي أنا وإخوتي على استقبالها.

تقف هناك عند الباب بالتايير الأخضر الذي لا تُغيِّره إلا عندما ترتدي التايير الأزرق، وتحمل مِظلَّتها البيضاء صيفًا وشتاءً، وشعرها المبعثر، تبتسم ابتسامة عريضة وكأنها تنظر إلى طفل في الثانية من العمر يعبث بأنفه.

نظرت لنا للحظة ثم قالت باسمة:

- مرحبًا أيها الأولاد

فعلَّقت (سالي) - تكاد لا تخفي ابتسامتها الساخرة -:

- أولاد؟ هل نبدو في الثالثة من العمر؟

فقال لها إياد هامسًا:

- لا تعلقي ودعي الأمر يمر على خير حتى لا تغضب أمنا

فقالت

- نعم أعلم، نحن مضطرون لتحمل تلك المهووسة ولكن أولاد تلك! حسنًا سأتوقف.

نظرت لهما أمي محذِّرة فصمتا على الفور، اقتربت تلك السيدة مني مما أثار تساؤلي

" لما أنا؟" يا إلهي!

فأمسكتْ بوَجْنَتي بقوِّة قائلة

- وأنت أيها الخلبوص، كبِرتَ كثيرًا وأصبحتَ شابًّا وسيمًا

فقلتُ متألمًا

- هذا مؤلم، هذا مؤلم، هذا مؤلم

"سالي" و"إياد" لم يستطيعا المقاومة فشرعا في الضحك، نظرتُ لهما مضيقًا عيني متوعدًا، ومازالت وجنتي تُعصر بين أصابع تلك السيدة، فأمسكت بزهرية الورد وحطمتها في رأسها فسقطت على الأرض فأخرجت تنهيدة ارتياح مبتسمًا.

تنبهت إلى صوت أمي قائلة

- أليست مفاجأة رائعة؟ لقد ذهبتْ سهير للإقامة مع ابنتها وزوجها اللذين يعملان بالأردن لبعض الوقت ولكنها عادت.

العين الثالثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن