منطقة برج العرب معروفة لكل قاطني الأسكندرية، إنها نائية، وكما نسميها بالعاميَّة (مقطوعة) هي منطقة بها الكثير من المصانع والشركات، لكنها صحراوية نائية، والمواصلات إلى هناك - إن وُجدت - نوع من التعذيب البدني والنفسي، والرجل البالغ لا يأمن على نفسه بها، سهَّل عليَّ الأمر أني أمتلك سيَّارة.
بعد ساعتين من القيادة لم أعد أشعر بظهري.
وصلت أخيرًا إلى مصنع المعكرونة المزعوم، عمَّ (علي) البواب وحارس المصنع عندما رآني أومأ لي برأسه تحية لي - فهذه تحية الفارس، أي من الوسطاء يراني يومئ برأسه تحيّة لي - وبالطبع سمح لي بالدخول بصدر رحب، فالأمر ظل كما كان دائمًا (ممنوع الدخول لغير الوسطاء).
دخلت الأكاديمية ولأول مرة أشعر بالخيانة وكأني عميل مزدوج أو جاسوس. لكني مضطر، طالما لن يتأذَّى أحد.
ذهبت مباشرةً إلى مكتب د/ألبير بالطابق الخامس حيث مكاتب المدرِّسين.
وبالحديث عنه، هو رجل أنيق ذكي جدًّا، هذا النوع الذي يزعجك أحيانًا وكأنه دخل في عقلك ليقرأ أفكارك، هذا الرجل أيضًا يُعد موسوعة متنقلة، لديه الكثير من المعلومات عن الكثير من الأشياء، يرتدي دائمًا بِزَّتَه الرمادية الفخمة ذات الماركة العالمية، وتبدو حقًّا باهظة حتى بالنسبة لي، وساعته الرولكس الأصلية، شعره كثيف ورمادي اللون يكاد يطابق لون بذلته.
طرقت باب مكتبه هذا المصنوع من خشب الأرز المرصَّع بالعاج فسمعت صوته الواثق دائمًا يقول:
- ادخل.
دخلت على استحياء فقال بعد أن ضحك ضحكة خفيفة
- انظروا من لم يأت من أجل استكمال دراسته.
- ..
أشار إلى المقعد الذي أمام مكتبه قائلًا:
- اجلس.
- ..
- تبدو كمن ارتكب جريمة لتوه، أو على وشك ذلك.
كم يزعجني هذا الرجل، هل أمري مفضوح لتلك الدرجة أم هو حقًّا بتلك الاحترافية وهذا الذكاء
- كيف لي أن أساعدك أيها الفارس؟ إذا كان هذا ما أتيت من أجله
"توقف عن قراءة أفكاري أرجوك توقف"
تمالكت نفسي ثم قلت
- نعم أنا جئت من أجل المساعدة، لقد جئت من أجل..أ.
- نعم!
- من أجل أن..أستعير شيئًا
- تستعير ماذا؟
- أستعير ..
مشكلة، أنا حقًّا لم أفكِّر في أي شيء في الوقت الحالي، بسرعة يجب أن أفكِّر، ماذا يجب أن أقول؟ ماذا.، جئت كي أستعير .كلب أجرب، .كوب لبن، .كرمب محشي، .كوبري ستانلي..ماذا!
- جئت كي أستعير كتابًا
- أخطأت في الطابق، المكتبة في الدور الأرضي
- أنا أعرف أين المكتبة، أنا فقط أردت استعارة أحد كتبك النادرة
- أيهم؟
- أ..كتاب العزيف.
قلتها ثم أخذت أستوعب ما قلته للتو، ما الذي سأفعله بهذا الكتاب اللعين؟
" ما الذي أتحدث عنه بحق الله؟"
نظرة مكر ظهرت على وجه د/ألبير قائلًا"
- لنقل إني أصدِّق أنك هنا من أجل هذا الكتاب، على الرغم من أني أكاد أقسم أنك حتى لا تعرف ما الذي ستفعله به، لن أسألك أيضًا لما أنت هنا لأنك إذا أردت إخباري لكنت فعلت منذ خطوتك الأولى داخل مكتبي
رنَّ هاتف مكتبه فاعتذر لي وبادر بالحديث على الهاتف.
الحقيقة أنه كان من الممكن أن أنتظرَ خروجه من المكتب ثم أحصل أنا على البردية دون مقابلته والتعرُّض لكل هذا، أنا حقًّا لا أعرف لما دخلت المكتب، أظن أنني حقًّا أردت المساعدة وكنت أتمنى لو أخبرته ولكن لسبب ما عُقد لساني، قد يكون هذا بسبب أن عائلتي مهددة من أولئك الملاعين فلم أرغب في المجازفة.
ظلِلتُ جالسًا في مكاني أشعر بأن حجمي يتضاءل أمام شبهاته بي، تفحَّصت المكتب بعيني.إنه حقًّا فخم، تماثيل من البرسلين، ستائر مخملية وسجاد هندي عتيق يثير في النفس رغبة في السير حافي القدمين كي تشعر بملمسه، وهذا المكتب المصنوع من خشب ا. لا أعرف بالضبط لكنه منقوش ويبدو.أثريًّا
وتلك الخزنة الحديدية..
"الخزنة!"
لقد كدت أنسى لم أنا هنا، تبدو بدائية الصنع، ليست إليكترونية أو مصنوعة من الفولاذ، وليست مخبأة أيضًا في مكان ما سرِّي خلف إحدى اللوحات أو خلف مكتبة مزيَّفة في المكتب وتفتح عندما تحرّك كتاب معيّن كما يحدث في الأفلام، يبدو إما صاحبها لا يعطي أهمية كافية لما بها أو.
أو أنه يعتبر تلك الأكاديمية المكان الأكثر أمانًا على الأرض لذا لا يتوقَّع الخيانة أو فقدان ما بها.أشعر بدنو قدري مع الوقت
بدأت أكره نفسي حقًّا.
أنهى د/ ألبير مكالمته ثم قال لي
- ليت لدي المزيد من الوقت للدردشة لكن لدي محاضرة الآن لذا يجب أن تفارق مكتبي أيها الفارس أما بالنسبة للكتاب فقد تنازلت عنه أخيرًا لمكتبة الأكاديمية لذا إذا كنت تبحث عنه حقًّا - على الرغم من أني أشك في ذلك - فستجده هناك والآن..إلى اللقاء
الترجمة: اذهب وأبحث عن المشاكل في مكان آخر، اذهب في داهية وابقَ هناك. إلى اللقاء.
خرجت ووجهي احمر خجلًا، أكاد لا أرى أمامي لكني هنا من أجل شيء ولن أرحل بدونه، لذا.
تواريت عن الأنظار حتى رحل د/ ألبير لمحاضرته ثم تسللت وفتحت مزلاج الباب بطريقة اللصوص ثم دخلت وأنا أتجاهل شعوري بالخزي وفتحت الخزنة بنفس الطريقة تقريبًا، لقد علمني تلك الطرق أصدقاء السوء الذين كنت أتسكَّع معهم قبل أن أصبح وسيطًا.
لم أجد في الخزنة أي شيء غير البردية، والتي لم أفهم منها أي شيء فهي مكتوبة بحروف عجيبة لا أعرف أي لغة تلك أو إذا كانت لغة أصلًا.
أخذت البردية وخرجت مسرعًا، أقود سيارتي في هذا الطريق الصحراوي أتصبب عرقًا وأكاد أبكي..كم أخجل من نفسي!
)Tf_
![](https://img.wattpad.com/cover/135533368-288-k74033.jpg)
أنت تقرأ
العين الثالثة
Aventuraهل ستفتقده.. ذلك العالم الذي تعيش فيه؟ أستطيع أن أحكي لك قصتي.. قصة مليئة بالشجاعة والبطولات، لكني سأكون كاذب.. أنا لستُ بطلاً. انتظار.. وانتظار.. وانتظار.. هذا ما تجمدت عنده أفعالي قصر محاط بالظلام.. هذا ما تقلص إليه عالمي. آسف أنا. .لقد أطلقت شيئا...