للقضاء في الإسلام أحكام خاصّة تشدّد علىٰ القاضي لئلّا يرتشي ويجور في الحكم، وتسهّل علىٰ المتقاضين لئلّا يضيع حقّهم ووقتهم، والقصّة التالية مثال علىٰ ذلك:
ورد في كتاب (مستدرك الوسائل) (1) : أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كتب إلىٰ أحد قضاته، وهو أبو الأسود الدؤلي، كتاباً يعزله فيه عن منصب القضاء.
فلما وصل الكتاب إلىٰ أبي الأسود الدؤلي واطّلع علىٰ عزله تأثّر كثيراً، لأنّ عزل القاضي عن منصبه معناه: سقوطه عن مؤهّلات القضاء وعن مكانته الاجتماعية، ولذلك جاء إلىٰ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مسرعاً وقال: يا أمير المؤمنين لم عزلتني عن منصب القضاء وما خُنتُ وما جنيت؟
فقال له الإمام (عليه السلام): نعم، إنّك لم تخن ولم تجن، ولم ترتكب ما يسقطك عن عدالتك، ولكن بلغني عنك ما يسلب منك مؤهلات القضاء.
فقال أبو الأسود متسائلاً: وما هو ذلك الذي بلغك عنّي يا أمير المؤمنين؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): بلغني عنك أن صوتك يعلو صوت الخصمين! وهذا ممّا لا يليق بالقاضي الإسلامي ويسقطه عن أهليّته لتصدّي القضاء.
وبالفعل فإن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عزله عن القضاء لأجل ذلك، مع أنّ أبا الأسود كان من تلامذة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن أصحابه، والإمام (عليه السلام) الذي أعطاه أصول النحو العربي وأمره بأن يُتمّه ويشرحه بتفصيل وقد فعل، لكنّه لأجل هذه الخصلة فقط يعزله (عليه السلام) عن منصبه، ليقول للمسلمين وللأجيال الصاعدة: إن الحكم في الإسلام مسؤولية كبرى تهدف إلىٰ خدمة الناس، وتوفير حقّهم عليهم، وتقدير عواطفهم ومشاعرهم، وليس كما هو في عالمنا اليوم، استهتار بالناس، وتضييع لحقوقهم، وإتلاف لعمرهم ووقتهم، وتلاعب بشؤونهم ومقدّراتهم، حتى إن المتخاصمين أحياناً يموتون ولم تفصل بعد قضيّتهم، وإلىٰ أمثال ذلك من الاستخفاف بالناس وبحقوقهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1) انظر مستدرك الرسائل، حسن النوري الطبرسي، ج 3، ص 197؛ والإمام علي بن أبي طالب، أحمد الرحماني الهمذاني، ص 679.