نذكر خبراً مروياً عن ربيب رسول الله صلّى الله عليه وآله ومن فتح عينيه عند الولادة في وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يفتحهما في وجه أحد قبله.
ومن غمض النبي صلّى الله عليه وآله عينيه في آخر لحظات حياته الكريمة في حجره ولم يغمضهما في حجر غيره، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهو الأعرف برسول الله صلّى الله عليه وآله فقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال:
«ما صافح رسول الله صلّى الله عليه وآله أحداً قط فنزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده.
وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف.
وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت.
وما رئي مقدماً رجله بين يدي جليس له قط.
ولا خُيّر بين أمرين إلا أخذ بأشدهما.
وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالىٰ.
وما أكل متكئاً قط حتى فارق الدنيا.
وما سئل شيئاً قط فقال: لا.
وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول.
وكان أخف الناس صلاة في تمام.
وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذراً.
وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل.
وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده.
وكان إذا أكل أكل مما يليه فإذا كان الرطب والتمر جالت يده.
وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس.
وكان يمص الماء مصاً ولا يعبّه عباً.
وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه.
فكان لا يأخذ إلا بيمينه ولا يعطي إلا بيمينه.
وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه.
وكان يحب التيمن في كل أموره، في لبسه وتنعله وترجله.
وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا تكلم تكلم وتراً، وإذا استأذن استأذن ثلاثاً.
وكان كلامه فصلاً يتبينه كل من سمعه.
وإذا تكلم رُئي كالنور يخرج من بين ثناياه.
وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين وليس بأفلج.
وكان نظره اللحظ بعينه.
وكان لا يكلم أحداً بشيء يكرهه.
وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب.
وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقاً.
وكان لا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده.
وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده صلّى الله عليه وآله» (20).
أقول: هذا الحديث الشريف بحاجة ماسة إلىٰ شرح طويل، أما ضيق مجالنا في هذا الكتاب فيحملنا علىٰ ترك شرحه إلىٰ فرصة أخرى...
ولكن هذا لا يمنعنا من الإشارة في هذا المجال إلىٰ أن من الضروري والأكيد لأي قائد سياسي إسلامي أن يتحلى بأكبر وأكثر ما يمكن من الخُلق الرفيع والمعاملة العطوفة المحببة مع الناس لكي يجلبهم إلىٰ حظيرة الإسلام، أو يبقيهم في الإسلام، فإن أفضل وأسهل وأسرع وأعمق العوامل لزرع المحبة في القلوب هي الأخلاق الفاضلة والمعاملة الإنسانية العطوفة مع الناس.
فإن ذلك من أعظم السياسة في إدارة الناس.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
20- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 24.