كان هناك أحد الأشخاص الصالحين في النجف الأشرف، بل إن الذي يبدو أنه كان في قمة في الصلاح وكان منتظراً حقيقياً للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف حيث كان مشغولاً ليل نهار بتزكية نفسه منزهاً إياها عن المعاصي مشتغلاً بذكر الله تعالىٰ وكان قد مضت عليه فترة علىٰ هذه الحال، وكان بدوره يعرف ثلة من الصالحين من أمثاله من المنتظرين للفرج في بعض مراتب الانتظار العالية وكان يستغرب - مثلهم - أنه كيف لا يوجد في العالم كله 313 نفراً ليتم بهم عدد أصحاب الإمام (عجل الله تعالىٰ فرجه الشريف)؟
رغم أنه عدد قليل؟ فكيف لا يوجد في الستة مليارات بشر 313 شخصاً يتنزهون عن المعاصي حقاً ويحلّقون في سماء المعرفة والولاء والطهر والنقاء؟ ومضت فترة وفترة وفترة وهو مشغول بالتزكية، والانتظار لديه يشتد ومعه الحيرة والاستغراب.
لكن الرجل لشدة تأجج شوقه إلىٰ إمام الكائنات عليه الصلاة وأزكى السلام ولشدة عمق انتظاره قليلاً فقليلاً بدأ يخطر بباله ما لعله يعد نوع عتاب وأنه لماذا الإمام لا يظهر؟ لماذا؟ مع أن الصالحين لا بد أن يكونوا كثرة وألا يوجد ألف منهم؟ قليلاً قليلاً بدأ الشيطان يدخل إليه من هذا الباب: باب العتاب! فقد بدأ يعتب علىٰ الإمام أنه لماذا لا يظهر سيد الكائنات ونحن موجودون جنوداً تحت الطلب.
وكان هذا الرجل ممن يطيل السجود، والسجود والقنوت حالتان من أحب الحالات إلىٰ الله تعالىٰ كما تومي إلىٰ ذلك الآية الشريفة، في مدلولها الالتزامي ﴿ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ (55) حيث إن الشيطان لا يستطيع أن يأتي من جهة الأعلى - كما في حالة القنوت - ولا من جهة الأسفل - كما في حالة السجود - وذات مرة وهو في سجود طويل ولعله خطر بباله حينها هذا العتاب أيضاً: لماذا لا يظهر الإمام وكلنا جنود مجندة له؟ في تلك الحالة حدث أمر غريب لكن هل كان مكاشفة؟ أم إنه غلب عليه النوم ورأى في المنام؟ أو إنه - في احتمال ثالث - نقل تكويناً في تصرف إعجازي إلىٰ مدينة بهيجة تشبه مدن الجنة؟ لا نعلم، المهم أنه في تلك الحالة رأى نفسه فجأة في منطقة جزيرة مليئة بالأشجار النضرة والأنهار الجارية... بدأ يتجول هنالك وهو مندهش لما يرى من المناظر الخلابة والأهم لما كان يراه من وجوه صالحة منيرة ملائكية، التقى بواحد من أولئك الصالحين وسأله أين نحن؟ أجاب نحن في المنطقة التي يتواجد فيها الإمام (عجل الله تعالىٰ فرجه الشريف) وهنيئاً لك حيث رزقت التشرف بهذا المكان، فرح الرجل فرحاً شديداً لا يوصف ثم جاء شخص عليه مهابة دعاه إلىٰ منزله وعندما حلّ ضيفاً عنده قاله له: انتظر ههنا ريثما يأذن لك الإمام بالتشرف باللقاء ثم قال له الرجل ذو الشيبة والهيبة بأن شروط اللقاء متوافرة بك إلا شرط واحد وهو أنك أعزب والعزوبة أمر مكروه في الشريعة، فينبغي أن تتزوج وتكمل نصف دينك بذلك ثم يأذن لك باللقاء، قال: لا مانع من ذلك، ولكن كيف لي أن أحقق هذا الشرط؟ قال له: الأمر سهل فإن لي بنتاً صالحة سوف أزوجها إياك، وبعد ذلك يأذن لك باللقاء.
وافق الرجل، فزوجه ابنته على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ثم تركهما وأغلق الباب، ولقد كانت الفتاة جميلة كالوردة اليانعة. ثم بعد دقيقات طرق الأب الباب واستأذن وفتح الباب وقال له الإمام (عجل الله تعالىٰ فرجه الشريف) قد أذن لك الآن بالتشرف؟ فقال الرجل: دع الإمام ينتظر قليلاً!! خرج ذو الشيبة وأغلق الباب وبعد دقائق طرق الباب قال له إن الإمام قد أذن باللقاء فقال دعه ينتظر قليلاً!! وإذا به يرى نفسه في حالة السجود في المكان السابق نفسه.!!ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
55- سورة الأعراف، الآية: 17.